الملك الفرعوني أوسر كاف والملك ساحورع

اقرأ في هذا المقال


الملك الفرعوني أوسر كاف:

مما يؤثر عن عهد (أوسر كاف)،‏ ما ذكره حجر بالرمو من تشييده المعابد في مختلف بلاد مصر مثل بوتو في الدلتا لأجل عبادة الإلهة حاتحور وما أوقفه من أرض على معبد الإله رع.

وفي مقابر طهنا الجبل في محافظة المنيا نرى اسمه في مقبرة (ني – كا – عنخ)،‏ الذي كان كاهنا للإلهة حاتحور إذ أوكل إليه هذا الملك حق الإشراف على وقف شخص يُدعى (خنوكا)، مساحة أراضيه (120) ستاتاً (الستات مساحته نحو 2-3 أفدنة على وجه التقريب)، وقد ترك (ني كاعنخ)،‏ وصيته مكتوبة على جدران قبره، مُقسماً هذه المنح الملكية بين أفراد عائلته، على أن يقوموا بجميع ما تتطلبه أعمال الإشراف على إدارة الأوقاف والقيام بخدمة معبد حاتحور، سيدة مدينة القوصية، إذ أنَّ عمل (ني كاعنخ)،‏ الرئيسي كان في ذلك البلد الواقع في محافظة أسيوط ولكنه دفن في قبره الذي أعده على مقربة من بلدة الأصلي في طهنا.

أما عن هرم أوسر كاف فهو في سقارة كما قلنا وقد عثر في معبده على رأس لتماثيل ضخمة كبيرة من الجرانيت لهذا الملك. ونعرف من مصادر كثيرة أنه أول من بنى معبداً للشمس في أبو صير، ومن المرجح جداً أنّ يكون هو المعبد الذي حفرته بعثة المعهد السويسري لدراسة العمارة المصرية القديمة بالقاهرة في السنوات الأخيرة، وعثرت فيه في آخر مواسم الحفر عام (1957)،‏ على رأس من حجر الشست كانت لتمثال وهي على درجة كبيرة من الإتقان تُمثل ملكاً يحمل التاج على رأسه، ولكن مما يدعو إلى الأسف أنَّ تخريب المعبد كان كاملاً ولم يعثر فيه على أي نقوش أو يعثر فيه على اسم صاحبه مكتوباً على أي أثر حتى يمكن نسبة هذا المعبد وهذا التمثال إلى أوسر كاف دون تردد أو شك.

الملك الفرعوني ساحورع (2539 – 2553 ق.م):

كان الملك أوسر كاف حاكماً مدة تصل إلى (7) سنوات فقط ثم أتى من بعده على العرش ساحورع الذي حكم مدة تصل إلى (14) عاماً، وكان من أوائل ملوك الأسرة الخامسة الذين اختاروا منطقة أبو صير ليبنوا فيها أهرامهم، وعلى مسافة غير كبيرة من معبد أوسر كاف بنى ساحورع هرمه على هضبة أبو صير بين أهرام الجيزة وسقارة وتبعه أربعة مما جاؤوا بعده وهم (نفر إر كارع)، و (شيسسكارع)، و (نفرف رع)، و (ني وسررع)، فبنوا أهرامهم أيضاً هنالك وشيد أثنان منهم على الأقل معابد للشمس على مقربة من أهرامهم.

ولم يكن ساحورع لديه اهتمام ببناء هرمه إذ نشاهد أنه فقير البناء صغير الحجم إذا قيس بأهرام الأسرة السابقة، ولكنه استعاض عن ذلك بتشييد معبد فخم استخدم في بنائه أثمن المواد المعمارية وعني بتزيين قاعاته وأبهائه المحمولة على أعمدة الجرانيت ذي التيجان النخلية (على هيئة جريد النحل في حزمة مربوطة).

وبلغ من عناية تشييد الأسرة الخامسة بتشييد هذا المعبد وغيره من المعابد اهتماماً كبيراً لم نعرفه من قبل إذا لم يتركوا شيء وأخذوا الحيطة لدرء كل ما عساه أنّ يؤثر على سلامة البناء فلم يسقطوا المطر من حسابهم وجعلوه ينساب من مزاريب كل منها على هيئة رأس أسد تسقط المياه من أفواهها إلى قنوات صغيرة عمّقوها قليلاً في الأرضية، ثم تسير المياه منحدرة إلى الخارج. أما المياه التي كانت تُستخدم داخل حجرات المعبد في اجزائه المختلفة فكانت تسير من مواسير تحت أرضية المعبد، وكانت هذه المواسير مصنوعة من النحاس وملحومة إلى بعضها بالرصاص. وتسير إلى خارج المعبد حيث تصب في أحد الأماكن المنخفضة في مكان بعيد عن الأنظار.

ولا ريب في أنَّ فن عمارة المعابد وإنشاءها قد تطور كثيراً في عهد الأسرة الخامسة كما كثرت الرسومات التي على جدران تلك المعابد وتشكلت. وهذا يؤكد دون شك على ترك انظارهم عن الاهتمام بالأهرام. ونعرف من بقايا النقوش التي كانت تُغطى جدران معبدي ساحورع والطريق الموصل بينهما كثيراً من نشاط هذا الملك وبخاصة في ميدان الحرب إذ تعرضت مصر في أيامه إلى غزو من ناحية الغرب عندما جاءت بعض القبائل الليبية ومعها زعماؤها ونساؤهم وحيواناتهم ليهاجموا الدلتا ويستقروا في وادي النيل فهزمهم ساحورع.

وبالإضافة إلى المعرفة عن نقوش معبده في أبو صير أنه أرسل أسطولاً إلى شواطىء فينيقيا، ولكنا نرى أكثر من إقلاع ذلك الأسطول، ثم عودته واستقبال الملك له يحف به كبار موظفيه مما حدا ببعض الباحثين في التاريخ المصري إلى الاعتقاد بأنَّ ذلك الأسطول لم يرسل للحرب أو للتجارة، وإنما كان في رحلة ودية، وربما عاد بأميرة من أميرات تلك البلاد لتصبح زوجة من زوجات ساحورع.

ولم يتوقف نشاطه على غريي مصر وعلى الساحل الفينيقي، بل أرسل أيضاً حملة أخرى نحو الجنوب إذ ترك رئيسها اسم ملكة منقوشاً على أحد الصخور التي على مقربة من شاطىء النيل عند توماس في بلاد النوبة، كما نعرف من حجر بالرمو أنه أرسل حملة إلى بلاد يونت‏ وهي المنطقة التي حول بوغاز باب المندب وتشمل الشاطئين الإفريقي والأسيوي أي الصومال وإريتريا في ناحية وجنوبي بلاد الغرب في الناحية الأخرى. وأنَّ تلك البعثة عادت ومعها مقابر كثيرة من البخور والذهب وعدداً غير قليل من أعواد من الأخشاب التي كان المصريون يهتمون بالحصول عليها، وربما كان بعضها أو أكثرها من الأبنوس.

وهكذا نشاهد مصر وقد بدأت صفحة جديدة في حياتها وأخذت تخرج من عزلتها فتتطلع بعينها نحو الجنوب ونحو الشرق وتُعيد إرسال أسطولها التجاري إلى البحر الأبيض المتوسط، وتفتح عينيها فلا تسمح لبدو الصحراء الغربية بغزو الدلتا، بل ربما كانت مناظر مهاجمة أحد حصون جنوبي فلسطين الذي تراه مرسوماً في أحد مقابر دشاشة في محافظة بني سويف ترجع أيضاً إلى ذلك العهد الذي أرادت فيه مصر أنّ تمهد الطريق لإنشاء صلات تجارية مع جيرانها في الجنوب وفي الشرق براً وبحراً.


شارك المقالة: