منهج الأمير فيصل في ولايته للحجاز

اقرأ في هذا المقال


المنهج الذي اتخذه الأمير فيصل في ولايته للحجاز:

إنّ التخطيط الإداري السليم لأي عمل، هو أساس التقدم والنجاح، وأي عمل بدون إدارة صحيحة مبنية على أساس قوي من المعلومات والفكر المنطقي إنما هي عرضة للضياع وعدم الاستقرار. كما إنّ سبب نجاح أي أمة من الأمم يتجسد في منهجها الرباني والسنة النبوية المشرفة. ولا يمكن لأي حاكم أو مسؤول أن يحقق ذلك النجاح بذاته، ولكن تعاون المواطنين مع الدولة ومع حاكم تلك المنطقة يعتبر من أهم وسائل بناء وتأسيس الدولة على مبادئ وقواعد سليمة وصحيحة.

ويعد جلالة الملك عبد العزيز من أهم القدوات المتخذة في عصره، حيث اتخذ قاعدة إسلامية إدارية في المسؤولية عن الحكم، وهي تأسيس وتطبيق للعدل في دولته ورفع الظلم، ووضع الأساس الأولى لبناء الدولة السعودية الحديثة والمتطورة، ومن ثم سار أبناؤه على طريقة منهجه في إدارة الدولة، وأثبت الأمير فيصل منذ أن وضعه والده وهو في سن 19 من عمره في ساحة العمل السياسي والإداري للدولة، حيث يتمتع الأمير فيصل بمواهب خاصة في جميع النواحي والقطاعات الداخلية والخارجية على سواء.

أوضاع إقليم الحجاز:

إنّ إقليم الحجاز كان يتمتع بأوضاع وظروف خاصة له، والتي تختلف عن بقية الأقاليم الأخرى؛ بسبب أهمية منطقة الحجاز الدينية والتي جعلت منها محط الأنظار يهتم به العالم الإسلامي كله، لوجود الأماكن الإسلامية المقدسة فيها، وما تحتاجه إدارة الحج والزيارة من تنظيم وتخطيط، عَمل على المساعدة على وجود الترابط بأنظمة الشعوب الإسلامية، ذلك الأمر أدى إلى إيجاد نوع من الحياة الاجتماعية لسكان الحجاز يختلف عن بقية سكان الدولة السعودية.

حيث كان شعب الحجاز على علاقة دائمة تُصنف إلى معاملات يومية مع كثير من الدول الإسلامية والعربية، والتي تأثرت في ذلك الوقت بالحضارة الأوروبية، ومن ثم أصبحت منطقة الحجاز من أكثر المناطق التي تضمها الدولة السعودية من حيث التطور الحضاري، بالإضافة إلى وجود البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مدينة جدة، والتي أصبحت الميناء الأساسي للدولة السعودية، مما جعل من منطقة الحجاز مفتاح الدولة السعودية نحو العالم الخارجي.

حيث أدى وجود هذه التنظيمات السياسية والحضارية التي كانت متواجدة في الحجاز قبل التأسيس إلى اتخاذها كأساس للإدارة المركزية التي تكونت بشكلها التدريجي، وهكذا نلاحظ بأنّ الأوضاع السياسية المتعلقة بهذه المنطقة كانت تتطلب من الحاكم الذي يحكمها أن يكون على مستوى كافِ من الخبرة والذكاء السياسي لإدارة شؤونها. وهذا ما وجده جلالة الملك عبد العزيز في ابنه الأمير فيصل، حيث يرى بعض المؤرخين إنّ السبب في تعيين الأمير فيصل حاكماً للحجاز، هو إمكانيته علی الاندماج مع الحجازيين الأكثر تعليماً.

الأنظمة الإدارية في مكة المكرمة فترة دخول السلطان عبد العزيز إليها:

وفي عام 1924 ميلادي دخل السلطان عبد العزيز مكة المكرمة، حيث وجد أنظمة إدارية تختلف عن الأنظمة التي كانت متواجدة في نجد، مثل دوائر الصحة والبلدية والأوقاف والقضاء، فقام بإصدار تعليمات بإبقائها موجودة. ولم يُحدث أية تغيرات فيها، لانشغاله في ذلك الوقت بالأمور العسكرية.

وقد احتاط السلطان عبد العزيز منذ دخوله مكة المكرمة على إعادة تنظيم أوضاعها الداخلية، وأخذ يعمل في التفكير بأحسن الأساليب ليقوم بإدارة شؤونها باستشارة أهل الحل والعقد فيها. فعين هيئة لتقوم بتولي الحكم فيها تحت إشرافه العام، وعين الأمير فيصل رئيساً على هذه الهيئة، كما اختار لعضويتها تجار مكة المكرمة ووجهاء الحجاز، وأسند إلى خالد بن لؤي شؤون الإخوان، وجعله حاكماً عسكرياً، كما عين حافظ وهبه حاكم مدنياً.

وهكذا قام الملك بد العزيز بتنظيم الشؤون الداخلية بمكة المكرمة، فقام بتشكيل تلك الحكومة، والتي أطلق عليها اسم الحكومة المؤقتة، وقد أدرك جلالته إنّ الأمر لن يتفرد له إلا إذا استند في حكمه على أسس وقواعد دينية ثابتة. ومن ثم قام بالإعلان منذ البداية إنّ المرتكز والمرجع الأول في الحكم مستمد ومستند من القرآن الكريم، فكان كلما سئل عن دستور بلاده أجاب: دستورنا القرآن، وليقوم جلالته بتوضيح سياسته أصدر في عام 1343 هجري/ 1924 ميلادي منشوراً لجميع الأشخاص المتواجدين بمكة المكرمة ومجاوريها من سكان الحجاز، أعلن بموجبه أنّ مصدر التشريع والأحكام مستند من القرآن الكريم، والشي الذي لم يتواجد بالقرآن الكريم يتواجد في السنة النبوية.

قام الملك عبد العزيز بعقد اجتماع لجميع السكان بالشكل العام في مكة المكرمة، وألقى جلالته على المجتمعين خطاباً كان بموجبه قيامه بتوضيح سياسته في الحكم والقائمة على الشورى، حيث شاورهم في ضرورة المشاركة الشعبية في إدارة مكة المكرمة، وطلب منهم أن يخصصوا وقتاً يتم فيه اجتماع نخبة من العلماء ونخبة من الأعيان ونخبة من التجار، ومن ثم يقوم كل صنف بانتخاب عدداً معيناً، وذلك بموجب أوراق يتم التوقيع عليها من المجتمعين لإثبات رضاهم عن أولئك المنتخبين لإدارة مصالحهم العامة، والنظر في شؤونهم، حيث تكون تلك الهيئة التي ستجتمع لانتخاب هؤلاء الأشخاص ممن يبحثون بالمصلحة العامة.

فإذا صعب على الملك عبد العزيز أمر من الأمور رجع إلى أولئك الذين انتخبوا وعمل بمشورتهم، ومن مسؤوليات هذا المجلس إدارة أمور الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى يكون بمثابة حلقة تواصل بينه وبين الأهالي هناك، حيث كان من أهم نتائج هذا الاجتماع تكوين المجلس الأهلي المتواجد في مكة المكرمة والذي منح كل الصلاحيات عدا الأمور العسكرية والخارجية، فهي من اختصاص الحاكم.

مجلس الشورى الأهلي:

وفي عام  1924 ميلادي افتتح المجلس جلساته والذي عرف بمجلس الشورى الأهلي بالمكان الذي خصص له بالحميدية، ومن أبرز اهتمام هذا المجلس هو البحث في تنظيم مواد أساسية تتضمن أنواع الأعمال المكلفة بها مراعية في ذلك مصالح البلاد والحكومة، ولكن بعد مضي حوالي ستة أشهر من تأسيس هذا المجلس، وجد الملك عبد العزيز بتأليفه من الفئات الثلاث لم يضمن إشراك جميع الأهالي فيه، فأمر بحله وتكوين مجلس جديد يضم مجموعات أخرى.

فمن يقوم بتنظيم الأمور في هذا المجلس يكون محل الثقة من أفراد الأمة كلهم، وتكون المسؤولية ملقاة على عاتقه في جميع الشؤون الداخلية. كما أعلن عن رغبته في توسيع دائرة اختصاص المجلس بحيث يشمل الأمور العسكرية والخارجية في تلك المرحلة الحرجة وهي مرحلة الحرب؛ لأن المجلس السابق كان اهتمامه محصور على إدارة الشؤون المحلية والداخلية فقط، وهكذا نلاحظ مدى حرص الملك عبد العزيز على تحقيق المصلحة العامة باختيار الرجال الأوفياء، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وكذلك عمله على تحقيق أهم مبدأ في نظام الدولة الإسلامية وهو العدل والحق والتعاون وفق المنهج والقواعد والمبادئ الإسلامية.

سائرةً بذلك على منهج وسنة الرسول صلى الله عليه في اختيار صحابته رضوان الله عليهم، ليقوموا بتقديم العون والمساعدة في تنظيم المجالات الإدارية والسياسية. كما كان اختيارهم من نفس أهالي المنطقة، ومن مختلف المراحل العمرية، وذلك يعمل على تحقيق التماسك والترابط بين أفراد الشعب.


شارك المقالة: