النزاع بين أفراد العائلة المالكة والملك وخوفو:
نشاهد في كل من الجانبين وبخاصة الشرقية أثر النزاع الكبير بين أبناء خوفو وبينها مقابر كثيرة لم يتم بناؤها أو لم يتم نقش جدرانها وبينها نقوش مُحيت أسماء أصحابها وصورهم. ويتلخص النزاع في أنَّ خوفو تزوج أكثر من زوجة وولد له أبناء من كل زوجة، وظهر الصراع بين الأبناء تُساندهم أمهاتهم وبعض رجال البلاط لتولي العرش. ومن إحدى مقابر الجبانة الشرقية، وهي مقبرة الملكة (مر سعنخ الثالة)، نستطيع أنّ نلم ببعض نواحي تلك المأساة.
نرى (مر سعنخ)، ووالدتها تلبسان في رسوم هذه المقبرة ملابس تختلف عن ملابس المصريات كما يختلق أيضاً لون شعرها إذ هو أشقر فيه شيء من الحمرة وعيونها زرقاء، ولهذا أراد ريزنر أنّ يرى فيها دماً شمالياً أي أنها ربما كانت سليلة أحد البيوت التي استقرت على الشاطىء الإفريقي الشمالي في ذلك العهد (قبائل التمحو)، وكانت قد هاجرت إلى هُناك من مواطنها الأصلية في شمال أوروبا.
وسواء أكان ذلك صحيحاً، أي أنَّ تلك الملكة كانت من نسل ليبي عن طريق أمها أو لم تكن، فإنا نعرف أنَّ أمها الأميرة حتب حرس الثانية كانت زوجة لولي العهد الأمير (كا وعب)، الذي دبر أخ له يُسمى (جدف رع)، أمر قتله ليتولى العرش. وكان (جدف رع)، ابنا لزوجة ثانوية (ربما كانت من أصل ليبي من الفرع نفسه الذي ولدت فيه حتب حرس الثانية وابنتها). ونجح في مؤامرته وتولى العرش واتخذ حتب حرس الثانية زوجة (كا وعب)، لتكون إحدى زوجاته.
ولم تلد حتب حرس ولداً للملك الجديد بينما ولد هذا الولد من زوجة أخرى فارتفع شأنها وأصبحت حتب حرس الثانية واحدة من الزوجات الثانويات. ولم يكن باقي العائلة راضين عما حدث، وكانت المؤامرات تحاك حول الملك الجديد، وأخيراً وبعد مضي ثمانية سنوات يختفي (جدف رع)، من مسرح الحوادث ويتولى عرش مصر أخ له يسمى (خفرع)، كان قد تزوج من ابنة (كا وعب)، و (حتب حرس الثانية)، وهي (مر سعنخ الثالثة).
الاستيلاء على عرش مملكة:
إنّ النزاع بين فرعي العائلة لم ينته عند ذلك الحد إذ ندرك من دراسة بردية تورين ومن تاريخ مانيتون أو ذلك الفرع الآخر تمكن مرتين على الأقل من الاستيلاء على العرش فترة قصيرة إحداها بعد موت خفرع وقبل أنّ يتمكن ابنه من (كاو رع)، من استعادة عرش أبيه، والمرة الثانية في أواخر أيام الأسرة بعد وفاة شبسسكاف آخر ملوكها المعترف بهم، إذ أنَّ أكثر نصوص تلك الأسرة والوثائق التي كتبت في العصور التالية اعتبرت أولئك الملوك الذين ينتمون إلى الفرع الآخر مغتصبين للعرش فلم تذكر أسماءهم، واقتصرت فقط على ذكر أسماء خفرع ومنكاورع وشبسسكاف.
وفي عام (،(1950 اكتشف أحد الباحثين بالآثار على أحد الصخور في وادي الحمامات نقشاً فيه بيان بأسماء بعض ملوك الأسرة الرابعة وقد وضع اسم كل منهم في خانة ملكية. وبالرغم من أنَّ تاريخ كتابة هذا النقش لا يمكن أن يكون قبل الأسرة الثانية عشرة فإنه يصور لنا على الأقل ما كان معروفاً من معلومات عن تتابع ملوك الأسرة الرابعة في أيام الدولة الوسطى.
وترتيب أولئك الملوك في نقش وادي الحمامات كما يأتي (خوفو، رع ددف، خفرع، حور ددف، وأخيراً با – اف – رع). أي أنه في الفترة بعد موت خفرع لم يدول العرش شخص واحد بل اثنان نعرف أولهما وهو حور ددف من كثير من الوثائق إذ كان ابنا لخوفو وكان مشهوراً بحكمته وله مقبرة في الجيزة، أما الثاني فليست له مقبرة معروفة في الجيزة.
وهناك احتمالية بأنّ يكون قد غير اسم الإله رع في تركيب اسمه إذ نعرف اثنين من أبناء خوفو أحدهما يُسمى (با – اف – خنوم)، والإله خنوم شديد الصلة بهذه العائلة واسم خوفو الكامل هو (خنوم – خوف – وي)، والثاني يُسمى (با – اف – حور). ونعرف من بردية وستكار (وهي من الدولة الوسطى مثل نقش الحمامات)، أنَّ ابن خوفو الذي قص على أبيه قصة كبير المرتلين (زازا – إم – عنخ)، مع الملك سنفرو كان اسمه (باو فرع)، وكان ترتيبه في قص القصة بعد خفرع وقبل (حور ددف).
يكفي هذا القدر من قصة النزاع بين أمراء هذه العائلة، ويمكن القول أنَّ الملك (رع ددف)، حكم ثماني سنوات فقط وأنه لم يكن قد انتهى من تشييد هرمه عند وفاته. ولم يبن (رع ددف)، هرمه على مقربة من هرم أبيه، بل اختار له بقعة إلى الشمال من هضبة الجيزة في موقع ممتاز يشرف على الوادي على مقربة من قرية أبو رواش الحالية، ولم يكن هرمه أول قبر يُبنى هناك بل كانت المنطقة معروفة منذ أيام الأسرة الأولى وفيها جبانات عدة من الأسرتين الأولى والثانية. وعلى مقربة من مبنى الهرم الذي لم يتم حفره حفراً علمياً كاملاً حتى الآن قُطعت بعض المقابر في الصخر كما بنى البعض الآخر لعدد من موظفيه.