النظرة الوضعية القانونية لتفسير الظواهر الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


نال هذا الموضوع اهتمام كبير من وجهة نظر علماء الاجتماع إلا وهو النظرة الوضعية القانونية لتفسير الظواهر الاجتماعية، فما هي الوضعية القانونية وما هي وجهات النظر حول هذه النظرية المفسرة للظواهر الاجتماعية.

النظرة الوضعية القانونية لتفسير الظواهر الاجتماعية

ما هي الوضعية القانونية

الوضعية القانونية هي فلسفة القانون التي تؤكد على الطبيعة التقليدية للقانون أي أنها مبنية اجتماعيا، ووفقًا للوضعية القانونية يعتبر القانون مرادفًا للمعايير الإيجابية أي القواعد التي وضعها المشرع أو تعتبر قانونًا عامًا أو قانونًا قضائيًا، والمعايير الرسمية لأصل القانون وإنفاذ القانون والفعالية القانونية كلها كافية لكي تعتبر الأعراف الاجتماعية قانونًا، ولا تؤسس الوضعية القانونية القانون على الوصايا الإلهية أو العقل أو حقوق الإنسان، وكمسألة تاريخية نشأت الوضعية في معارضة نظرية القانون الطبيعي الكلاسيكي والتي وفقًا لها توجد قيود أخلاقية ضرورية على محتوى القانون.

والوضعية القانونية لا تعني تبريرًا أخلاقيًا لمحتوى القانون ولا قرارًا لصالح أو ضد الامتثال للقانون، ولا يحكم الوضعيون على القوانين من خلال مسائل العدالة أو الإنسانية ولكن فقط من خلال الطرق التي تم بها إنشاء القوانين، وهذا يشمل الرأي القائل بأن القضاة يضعون قانونًا جديدًا عند الفصل في القضايا التي لا تقع بوضوح تحت قاعدة قانونية، ويمكن اعتبار ممارسة بعض ممارسات القانون أو اتخاذ القرار بشأنها أو التسامح معها وسيلة لخلق القانون.

وضمن العقيدة القانونية ستعارض الوضعية القانونية فقه علم الاجتماع وعلم التأويل للقانون الذي يدرس الظروف السائدة الملموسة للتفسير التشريعي في المجتمع، وربما تم استخدام كلمة الوضعية لأول مرة للفت الانتباه إلى فكرة أن القانون إيجابي أو مفترض، بدلاً من كونه طبيعيًا بمعنى إنه مشتق من القانون الطبيعي أو الأخلاق.

وجهات النظر حول النظرة الوضعية القانونية لتفسير الظواهر الاجتماعية

يؤكد علماء الاجتماع أن الوضعية القانونية هي دالة لبعض الظواهر والحقائق الاجتماعية، ويجادل عالم الاجتماع جون أوستن بالاقتراض بكثافة من جيريمي بينثام بأن السمة المميزة الرئيسية للنظام القانوني هي وجود صاحب سيادة يطيعه عادة معظم الناس في المجتمع ولكن ليس في العادة طاعة أي رئيس بشري محدد، ومن وجهة نظر أوستن فإن القاعدة R صالحة قانونيًا (أي أنها قانون) في مجتمع S إذا وفقط إذا كان R أمرًا من قبل صاحب السيادة في S وكان مدعومًا بالتهديد بعقوبة، وشدة العقوبة المهددة غير ذات صلة أي واجب سيادي عام يدعمه تهديد حتى بأدنى قدر من الضرر هو قانون.

وإن نظرية قيادة القانون عند جون أوستن عرضة لعدد من الانتقادات، وتتمثل إحدى المشكلات في إنه يبدو لا توجد سيادة محددة في المجتمعات الديمقراطية، على سبيل المثال يبدو أن القوة السياسية النهائية ملك الشعب الذي ينتخب المشرعين لتمثيل مصالحه.

ويتمتع المشرعون المنتخبون بسلطة الإكراه على السلوك ولكن يُنظر إليهم على أنهم خدام للشعب وليسوا مستودعات للسلطة السيادية، ومن ناحية أخرى يبدو أن جمهور الناخبين هو مستودع السلطة السياسية النهائية إلا إنه يفتقر إلى القوة المباشرة لإجبار السلوك، وهكذا في الديمقراطيات يبدو أن السلطة السياسية النهائية وقوة الإكراه على السلوك تكمن في كيانات مختلفة.

المشكلة الثانية تتعلق بوجهة نظر جون أوستن القائلة بأن سلطة التشريع السيادية غير قادرة على التقييد القانوني، ومن وجهة نظر جون أوستن لا يمكن تقييد السيادة قانونًا لأنه لا يمكن لأي شخص أو مجموعة من الأشخاص إكراه نفسها، ونظرًا لأن الأحكام الدستورية تحد من سلطة الهيئة التشريعية في سن القوانين فإن جون أوستن مجبر على القول بأن ما نشير إليه بالقانون الدستوري ليس قانونًا على الإطلاق بالأحرى يتعلق الأمر بشكل أساسي بالأخلاق الإيجابية.

ويصعب التوفيق بين وجهة نظر جون أوستن والقانون الدستوري وتعتبر المحاكم الأحكام الإجرائية والموضوعية للدستور قيودًا على الصلاحية القانونية، حيث قضت المحكمة العليا، على سبيل المثال بأن الفعل غير الدستوري ليس قانونًا لا يمنح أي حقوق ولا تفرض أي واجبات، كما إنه في التأمل القانوني غير قابل للتطبيق كما لو إنه لم يتم تمريره أبدًا، علاوة على ذلك يُزعم أن هذه القيود هي قيود قانونية،

ومع ذلك فإن أكثر الانتقادات المؤثرة لنسخة جون أوستن من أطروحة تفسير الوضعية القانونية للظواهر الاجتماعية تدين بعمل هال هارت الأساسي مفهوم القانون، ويشير هال هارت إلى أن نظرية جون أوستن تقدم في أفضل الأحوال تفسيرًا جزئيًا للصلاحية القانونية؛ لأنها تركز على نوع واحد من القواعد أي تلك التي تتطلب من المواطنين القيام بأفعال معينة أو الامتناع عنها سواء رغبوا في ذلك أم لا.

بينما يجب أن يحتوي كل نظام قانوني على ما يسمى بالقواعد الأساسية التي تنظم سلوك المواطن، ويعتقد هال هارت أن النظام الذي يتكون بالكامل من نوع قيود الحرية الموجودة في القانون الجنائي هو في أحسن الأحوال نظام قانوني بدائي.

من وجهة نظر هال هارت فإن تركيز جون أوستن على القوة القسرية يؤدي به إلى التغاضي عن وجود نوع ثان من القواعد الأساسية التي تمنح المواطنين سلطة إنشاء وتعديل وإلغاء الحقوق والالتزامات في الأشخاص الآخرين، كما يشير هال هارت إنه يمكن وصف القواعد التي تحكم إنشاء العقود والوصايا بأنها قيود على الحرية مدعومة بالتهديد بعقوبة.

وتُمكِّن هذه القواعد الأشخاص من هيكلة علاقاتهم القانونية ضمن الإطار القسري للقانون وهي ميزة يعتبرها هال هارت بشكل صحيح واحدة من أعظم مساهمات القانون في الحياة الاجتماعية، وتشير عملية القواعد الأولية لمنح اووفقًا لهال هارت إلى وجود نظام أكثر تعقيدًا لتنظيم السلوك.

ولكن ما يميز المجتمعات ذات الأنظمة القانونية الكاملة عن المجتمعات التي لديها أشكال قانونية بدائية فقط هو أن الأولى لديها بالإضافة إلى القواعد الأولية من الدرجة الأولى قواعد فرعية ثانوية يكون موضوعها الأساسي القواعد الأساسية.

ويمكن القول بأن القواعد الثانوية على مستوى مختلف عن القواعد الأساسية لأنها كلها تتعلق بهذه القواعد، بمعنى إنه بينما تهتم القواعد الأساسية بالإجراءات التي يجب على الأفراد أو لا يجب عليهم القيام بها، فإن هذه القواعد الثانوية كلها معنية بالقواعد الأساسية نفسها، وهي تحدد الطريقة التي يمكن بها تأكيد القواعد الأولية بشكل قاطع وإدخالها وإزالتها وتنويعها، وتحديد حقيقة انتهاكها بشكل قاطع.

ويميز هال هارت ثلاثة أنواع من القواعد الثانوية التي تحدد الانتقال من الأشكال البدائية للقانون إلى الأنظمة القانونية الكاملة:

1- قاعدة الاعتراف والتي تحدد خصائص بعض السمات أو السمات التي يتم الحصول عليها من خلال قاعدة مقترحة كمؤشر إيجابي قاطع على إنه قاعدة للمجموعة أن تدعمها الضغوط الاجتماعية التي تمارسها.

2- قاعدة التغيير التي تمكن المجتمع من إضافة وإزالة وتعديل القواعد الصالحة.

3- قاعدة الفصل والتي توفر آلية لتحديد ما إذا كان قد تم انتهاك قاعدة صحيحة.

ومن وجهة نظر هال هارت إذن فإن كل مجتمع لديه نظام قانوني كامل لديه بالضرورة قاعدة الاعتراف التي تحدد معايير الصلاحية القانونية التي تشمل أحكامًا لوضع وتغيير والفصل في القانون، فالقانون هو لاستخدام عبارة هارت الشهيرة اتحاد القواعد الأولية والثانوية، وفشلت نظرية أوستن من وجهة نظر هال هارت؛ لأنها فشلت في الاعتراف بأهمية القواعد الثانوية في تصنيع الصلاحية القانونية.

يجد هارت أيضًا خطأً في وجهة نظر جون أوستن القائلة بأن الالتزام القانوني هو في الأساس قسري، ووفقًا لهارت لا فرق بين الحاكم الذي يحكم بالإكراه والمسلح الذي يأمر شخصًا ما بتسليم أموالها، وفي كلتا الحالتين يمكن وصف الشخص بأنه ملزم بالامتثال للأوامر ولكن ليس باعتباره ملزمًا بالواجب أو ملزمًا بالقيام بذلك، ومن وجهة نظر هارت فإن تطبيق القوة القسرية وحدها لا يمكن أن يؤدي إلى التزام قانوني أو غير ذلك.


شارك المقالة: