يتمحور هذا المقال حول النظريات السوسيولوجية الأساسية المفسرة للمشاكل الاجتماعية، وهذه النظريات هي النظرية السوسيولوجية القائمة على التغيير الاجتماعي والنظرية السوسيولوجية القائمة على التطورية لتفسير المشاكل الاجتماعية.
النظريات السوسيولوجية الأساسية المفسرة للمشاكل الاجتماعية
1- النظرية السوسيولوجية القائمة على التغيير الاجتماعي والحداثة
أولئك الذين نظموا الدراسة التي يعتمد عليه الباحثون الاجتماعيون وعلماء الاجتماع بما في ذلك المؤلفون في تفسير المشاكل الاجتماعية قرروا استخدام نظرية التغيير الاجتماعي والحداثة، كمفاهيم تنظيمية لتفسير المشاكل الاجتماعية، ونظرًا لأن هذه النظرية تتمتع باستخدام واسع في علم الاجتماع المعاصر وتكون عامة وشاملة فإنها تبدو مفضلة على نظريات أكثر تحديدًا مثل التطور والتقدم أو التمايز أو حتى التنمية، والتي يستدعي الكثير منها آليات وعمليات أكثر تحديدًا واتجاهات التغيير.
وبالمثل فقد استبعد نظريات محددة تاريخيًا مثل الرأسمالية المتأخرة والمجتمع الصناعي على الرغم من أن هذه النظريات والمفاهيم تظهر بشكل بارز في العديد من المساهمات في تفسير المشاكل الاجتماعية، والتغيير هو سمة واضحة للواقع الاجتماعي بحيث يجب على أي نظرية علمية اجتماعية مهما كانت نقطة انطلاقها المفاهيمية أن تتناولها عاجلاً أم آجلاً، وفي الوقت نفسه من الضروري ملاحظة أن الطرق التي تم بها تحديد التغيير الاجتماعي قد تباينت بشكل كبير في تاريخ الفكر.
علاوة على ذلك يبدو أن مفاهيم التغيير قد عكست تاريخ حقائق عهود مختلفة إلى حد كبير، ويوضح علماء الاجتماع إنه على الرغم من وجود أفكار الوقت التي تطورت على مدى آلاف السنين بدءً من تحديد الوقت كفترة عمل وفترة حياة إلى تمايز الوقت وفقًا للمكانة الهرمية الإمبراطوريات تنهض وتزدهر وتنهار والبشر لديهم عمر زمني لمفهوم الوقت باعتباره تقدمًا.
وكان الاستقرار والنظام هو القاعدة والتغيرات كانت استثنائية، ولكن في القرون الأخيرة تغيرت المفاهيم السائدة للتغيير بحد ذاته، وأصبح التغيير الاجتماعي كمفهوم لفهم وتفسير المشكلات الاجتماعية والديناميكية المستمرة في الوحدات الاجتماعية والتي كانت بارزتاً خلال الثورة الصناعية وكلا الفترتين من الديناميكية غير العادية.
وأصبح التغيير الشامل أمرًا طبيعيًا وبالتالي استبدل الفلاسفة الاجتماعيون وعلماء الاجتماع لاحقًا الأفكار القديمة للثوابت الطبيعية والتركيبات التعاقدية للنظام الطبيعي والعقلاني بمفاهيم التغيير الاجتماعي، وعلى الرغم من أن الصياغات الدقيقة كانت بطيئة في الظهور بالنسبة لهؤلاء المفكرين كان التغيير الاجتماعي خاصية للنظام الاجتماعي، علاوة على ذلك في خضم التغيير بدأ المراقبون ينظرون بأثر رجعي إلى التغييرات الدرامية التي حدثت في العصور السابقة.
وأصبحت النظريات المعاصرة للتغيير الاجتماعي أكثر عمومية من أجل شرح عمليات التغيير بعيدة المدى في الماضي والحاضر وتفسير أسباب المشاكل الاجتماعية وأيضاً الظواهر المختلفة، وفي مراجعة للنظريات المعاصرة للتغيير حدد عالم الاجتماع هيرمان ستراسر وسوزان سي راندال السمات التالية لهذه التغييرات:
1- حجم التغيير.
2- والفترة الزمنية.
3- والاتجاه.
4- ومعدل التغيير.
5- ومقدار العنف المتضمن.
ومن وجهة نظر علماء الاجتماع يجب أن تحتوي أي نظرية للتغيير على ثلاثة عناصر رئيسية يجب أن تقف في علاقة محددة مع بعضها:
1- المحددات الهيكلية للتغيير الاجتماعي، مثل التغيرات السكانية، أو الاضطراب الناجم عن الحرب أو التوترات والتناقضات.
2- عمليات وآليات التغيير الاجتماعي، بما في ذلك آليات التعجيل والحركات الاجتماعية والصراع السياسي والتكيف ونشاط ريادة الأعمال.
3- اتجاهات التغيير الاجتماعي بما في ذلك التغييرات الهيكلية والآثار والعواقب.
أسباب نقد النظرية السوسيولوجية القائمة على التغيير الاجتماعي
وحتى هذا التسليم للإطار التفصيلي لنماذج التغيير بسيط للغاية لأن من بين المحددات الهيكلية لعمليات التغيير الاجتماعي المختلفة هي النتائج المتراكمة للتسلسلات السابقة للتغيير.
ويجادل علماء الاجتماع بأنه على الرغم من أن تحليل التغيير الاجتماعي يمثل حجر الزاوية في علم الاجتماع إلا إنه من الواضح إنه لا يزال يبدو متخلفًا حتى اليوم، ويقبل علماء الاجتماع هذا الحكم ويقدمون أسباب له:
1- السبب الأول، هو إنه على الرغم من الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن التغييرات الاجتماعية الشاملة لا يمكن تفسيرها من خلال النظريات أحادية السبعة، فإن مثل هذه النظريات لا تزال قائمة بشكل أو بآخر على نظريات الانبثاق الثقافي والنظريات المادية، وأمثلة أكثر تحديدًا مثل شرح التغيرات الاجتماعية بواسطة حجم وتكوين سكان المجتمع أو عن طريق التغييرات في مواقف الجهات الفاعلة الرئيسية، وتتفكك هذه النظريات عمومًا عند مواجهتها بشرح التغييرات غير المتوقعة أو عند استخدامها للتنبؤ أو التنبؤ العلمي بالظواهر الاجتماعية.
2- السبب الثاني، للتخلف في دراسة التغيرات الاجتماعية هو أن أولئك الذين يقبلون ضرورة التفسيرات متعددة الأسباب يواجهون مهمة هائلة في ترتيب الترسانة الكبيرة من المحددات والآليات والعمليات والعواقب في نماذج تفاعلية وتنبؤية معقدة بدرجة كافية، فمن السهل إنشاء النظريات البسيطة ولكن من المرجح أن تكون غير كافية، في حين أن النظريات المعقدة من المرجح أن تكون واقعية ولكن يصعب تكوينها بشكل رسمي.
3- ونقطة توتر أخرى في الدراسة العلمية للتغير الاجتماعي هي ما بين السعي وراء النظريات العامة وإجراء دراسات متخصصة تتناول مجتمعات وفترات زمنية معينة، ومن المؤكد أن النظريات الأكثر شمولاً للسادة الاجتماعيين لا تزال قائمة وتفيد أبحاث العديد من العلماء، وعلى الرغم من أن تركيز هؤلاء العلماء أصبح أكثر محدودية تم العثور على أمثلة للدراسة الأكثر تركيزًا للتغيرات في الهيكل الاقتصادي والتقسيم الطبقي في مساهمات العديد من علماء الاجتماع، وتم العثور على اختبارات التغييرات في الهياكل السياسية والاجتماعية في مساهمات عالم الاجتماع تورين وايرمان.
يحقق هذا العالم نوعًا من التوازن بين الشمولية والتخصص، وعلى الرغم من أن المساهمين قد وضعوا في اعتبارهم كلمات ويلبرت إي مور التحذيرية حول أسطورة نظرية التغيير الفردية المفسرة للمشاكل الاجتماعية فقد تمكن مع ذلك من تنظيم الموضوعات العامة حول بعض المشاكل الاجتماعية في الدراسة المعاصرة لنظرية التغيير الاجتماعي.
وهذه الموضوعات هي كما يلي:
1- استمرار الفكر التطوري.
2- والتمايز البنيوي.
3- والتغير الثقافي.
4- ونظريات الحداثة.
5- والحداثة والأشكال الجديدة للحركات الاجتماعية.
6- والحداثة وعدم المساواة الاجتماعية.
7- والموضوعات الدولية والعالمية.
النظرية السوسيولوجية القائمة على التطورية لتفسير المشاكل الاجتماعية
الجاذبية الدائمة لنموذج نظرية التطور في علم الاجتماع هي ظاهرة ملحوظة بالنظر إلى التاريخ المثير للجدل لهذا المنظور في علم الاجتماع، لكن في الآونة الأخيرة لم تكن الكتابات التطورية لعلماء الاجتماع أقل من مقارنة النماذج التي قدمت نماذج لعلماء الاجتماع، وتم العثور على أدلة حديثة على استمرار حيوية المنظور التطوري في تفسير المشاكل الاجتماعية بين علماء الاجتماع في أعمال تالكوت بارسونز ونيل ج، وبين علماء الاجتماع في نظريات يورغن هابرماس ونيكلاس لومان، ويظهر عمل شموئيل إن أيزنشتات تأثيرًا مشابهًا.
ولم تكن هذه المفاهيم التطورية بدون منتقديها، حيث إن تركيز علماء الاجتماع على التطور باعتباره زيادة في القدرة على التكيف أي القدرة على التحكم واكتساب قدر أكبر من الاستقلال عن البيئة قد تعرض للهجوم من مجموعة متنوعة من المصادر.
ويشدد هذا الخط من النقد على الغائية الواضحة لصياغة بارسونز وفشله في شرح المتطلبات الهيكلية الأساسية التي يفترض أنها ضرورية لمزيد من التطور، ويتمثل أحد خطوط النقد المعين لعمل هذه النظرية في أنها معيارية للغاية وليست توضيحية بشكل كافٍ في قوتها.