النظرية الانتشارية

اقرأ في هذا المقال


وجدت هذه النظرية من خلال انتقادها للنظرية التطورية، ومن هنا نتساءل: ما هو موضوعها؟ إن هذه النظرية تؤكد على دراسة التاريخ الثقافي لمجتمع من أجل فهم خصائصه، تناولت فكرة انتقال العادات والتقاليد والأفكار واللغات والأديان من حضارة إلى حضارة فيما يُعرف باسم ظاهرة الانتشار.
ومن زعماء هذه النظرية هم: ابن خلدون، أليوث سميث، فرانس بواس. وسنحاول تتبع هذه الدراسة بتحليل الموضوعات التي تناولها هولاء العلماء.

فرانس بواس:

عالم أنثروبولوجي ألماني، ولد في أميركا ومن رواد الأنثروبولوجيا وكان بواس من أهم المناهضين لإيديولوجيات العنصرية التي كانت تحظى بشعبية في ذلك الوقت، وكانت تركز على إن العرق مفهوم بيولوجي وإن السلوك البشري يمكن تفسيره على نحو أفضل من خلال دراسة الخصائص البيولوجية.
ومن ناحية بيولوجية قد قام بالكثير من الدراسات الرائدة التي أجراها على الهيكل العظمي على شكل الجمجمة وحجمها وأنهما يتأثران بشكل كبير بالعوامل البيئية مثل الصحة والتغذية، بعكس ما قاله علماء الأنثروبولوجيا العرقية في تلك الفترة الذين كانوا يرون شكل الرأس سمة ثابتة.
وعمل بواس على برهنة أن الفرق في السلوك البشري لا يمكن تحديده بالدرجة الأولى من خلال الأسس البيولوجية الفطرية بل هي في الأغلب نتيجة للاختلافات الثقافية عن طريق التعلم الاجتماعي. ومن هذا المنظور قدّم بواس الثقافة باعتبارها المفهوم الأولي لإيجاد الفروق السلوكية بين الجماعات البشرية والمفهوم التحليلي الأنثروبولوجي.

من الإسهامات التي قدّمها في الفكر الأنثروبولوجي رفضه النظرية التطورية في دراسة الحضارة، والتي كانت ترى أن المجتمعات تتطوّر من خلال مجموعة متسلسلة من المراحل الحضارية، ونجد الحضارة الأوربية على رأسها. وكان خلاف بواس بأن الحضارة تتطوّر تاريخياً من خلال التفاعل بين الجماعات البشرية وانتشار الأفكار، وبناء على ذلك فإن عملية التطور نحو نموذج حضاري. وقد رفض بواس التنظيم القائم على الأثنولوجية (علم الأعراق)، وفضّل على ذلك التطور بناء على النسب أو القرابة بين المجموعات الثقافية.

وقام بواس بدراسة النسبية الثقافية، التي رفض فيها تصنيف الثقافات موضوعياً بصفة أعلى أو أدنى، لأن كل جماعة ترى العالم من خلال ثقافتها الخاصة، ويحكمون عليها وفقاً للمعايير التي اكتسبوها من ثقافتهم. ومن وجهة نظر بواس، كان هدف الأنثروبولوجيا هو فهم آلية العمل التي تكيفت فيها الثقافة البشرية من أجل فهم العالم والتفاعل معه، ومن أجل اكتساب العادات والتقاليد والثقافية الخاصة بالمجموعة.
ومن خلال الجمع بين فروع الأركيولوجيا (علم الأثار)، الأنثروبولوجيا الفيزيائية، دراسة التنوع والاختلاف في علم التشريح، دراسة الاختلاف الثقافي في العادات، اللسانيات ودراسة اللغات المحلية غير المكتوبة، تمكّن بواس من وضع التقسيم رباعي الفروع للأنثروبولوجيا، الذي برز في الأنثروبولوجيا الأمريكية.

إليوت سميث:

أنثروبولوجي نمساوي، كان أب في كنيسة ومبشر أنثروبولوجي، وقد أسس مدرسة تاريخية تُسمّى التاريخية الثقافية، وأسس مجلة دولية أسماها (athropos) واشتهر بنظرياته الكبرى في التاريخية الثقافية، ودافع عن أفكار الانتشاريين، وتعتبر فكرة الله هي أساس أبحاثه ودراساته.
كما بحث أيضاً في التمثّلات الدينية والعادات والطقوس عند الشعوب البدائية، وكان مدير متحف الأنثروبولوجيا في إيطاليا، وأستاذ في جامعة سويسرية.

ابن خلدون:

هو مؤرخ تونسي وفيلسوف، وعالم اجتماع درس المنطق والفلسفة والفقة والتاريخ، يعتبر ابن خلدون عالم دقيق الملاحظة وذا نزعة علمية عالية ومتقدمة في أحكامه التاريخية. أي أن كل حضارة بتصوره تبدأ بمرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، ومرحلة الشيخوخة وهي مرحلة السقوط والانهيار والانحطاط.
اعتبره الكثير أنه المؤسس لعلم الاجتماع ومن كتبة (المقدمة) التي وصفت بأنها خزانة العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأدبية، وتعتبر مقدمة ابن خلدون من أوائل المؤلفات التي تحدثت عن تطور التاريخ البشري تطوراً علمياً قائماً بحد ذاته.
وهذا المنهج ركّز على أن كل الظواهر الاجتماعية ترتبط ببعضها البعض، فكل ظاهرة لها سبب وفي نفس الوقت سبب للظاهرة التالية. لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده شامل لكل الظواهر، سواء كانت سكانية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو ثقافية.
وأوضح أن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده بعيد عن أبناء جنسه، حيث أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية. وهو معنى العمران.
ناقش ابن خلدون العمران البشري مُبيّن أثر البيئة في البشر وهو ما يدخل حالياً في علم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا وينظر في أنواع العمران البشري بناء على نمط حياة البشر وأساليبهم الإنتاجية قائلا: “إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش.” مبتدئاً بنمط البداوه باعتباره أسلوب الإنتاج الأولي الذي يهدف إلى تحقيق ما هو ضروري للحياة، إن البدو يطمحون للعيش الطبيعي. وإنهم مقتصرون على الضروري من الطعام والملبس والمسكن.


شارك المقالة: