اقرأ في هذا المقال
وفقًا لنظرية النمذجة الاجتماعية يجد الناس أنفسهم في أنشطة إجرامية بسبب الأشخاص الذين يحتفظون بهم من حولهم، ويتعزز السلوك الإجرامي لأنهم يتفاعلون مع الأشخاص الذين ينخرطون في أنشطة إجرامية، بحيث أنّ السلوك العدواني يتم تعلمه من خلال مشاهدة الأفلام وقراءة الكتب من الأصدقاء، وتحاول شرح عملية التنشئة الاجتماعية وتأثيرها على التنمية الذاتية، ويطور الناس السلوكيات والمواقف بالتوافق مع الأشخاص من حولنا، وتعتبر تجارب الطفولة أساسية في التأثير على سلوك الفرد، ويحدد معظم الناس موقفهم وسلوكهم تجاه الآخرين اعتمادًا على تجاربهم أثناء الطفولة، وتم استخدام نظرية النمذجة الاجتماعية لفهم الجريمة والأسباب المحتملة للانحراف.
نموذج الإكراه للسلوك المنحرف
بشكل عام تشير الأدلة من دراسات مختلفة إلى أنّ ضبط النفس يفسر جزءًا فقط من العلاقة بين الأبوة والأمومة والسلوك المعادي للمجتمع، وتشير الأدلة المتاحة إلى أنّ قصة الجريمة أكثر تعقيدًا مما اقترحه جوتفريدسون وهيرشي، بينما تؤكد نظرية التحكم الاجتماعي على تأثير سلوك الوالدين على الأطفال تركز نظرية التعلم الاجتماعي على التأثيرات المتبادلة الموجودة بين الآباء والأطفال، وتؤكد على أهمية تأثيرات الأقران وكذلك الطريقة التي يؤثر بها الآباء على صداقة أطفالهم اختيارات.
ربما يكون أفضل مثال على البحث القائم على هذا المنظور قد أجراه جيرالد باترسون على مدى السنوات العديدة الماضية، حيث تابع باترسون وزملاؤه دراسات طولية تهتم بالطريقة التي تتحد بها عمليات الأسرة والأقران لإنتاج مشاكل سلوك الأطفال والمراهقين، وتقدم نتائج هذا البرنامج البحثي دعمًا لنموذج الإكراه للسلوك المعادي للمجتمع والذي يفترض أنّ الجنوح والجريمة تتطور بالطريقة التالية.
تبدأ العملية باب سريع الانفعال والانفجار، وبغض النظر عن أسباب هذا التصرف يميل هؤلاء الأفراد إلى الانخراط في مسح سلبي لسلوك أطفالهم حتى أنّ الإجراءات المحايدة تثير النقد والتشهير، وغالبًا ما ينتج عن هذه الاعتداءات اللفظية استجابة غاضبة ومتحدية من الطفل الذي يشعر بالهجوم غير العادل وسوء المعاملة، والنتيجة هي دوامة متصاعدة من التبادلات المكروهة التي تعمل على تعزيز سلوك الطفل المعادي للمجتمع وتربية الوالدين غير الكفؤة.
من المهم أن نلاحظ أنّه في العائلات التي لديها أطفال معادون للمجتمع على الأقل نصف الوقت الذي تنتهي فيه هذه التبادلات المكروهة المتصاعدة مع استسلام الوالدين، وينخرط الوالد في الاحتجاجات والتهديدات اللفظية ولكن القليل من المتابعة الفعلية أو معدومة، ويستجيب الطفل بتحد ويتراجع الوالد في النهاية، وباستخدام مبادئ نظرية التعلم الاجتماعي يستسلم الوالد للطفل، وبالتالي يعزز بشكل إيجابي سلوك الطفل المعارض والمتحدي، ويتعلم الطفل أنّه إذا كان سيئًا بدرجة كافية فسوف يشق طريقه، وأيضًا يعمل التعزيز السلبي لأنّ السلوك العدواني للطفل يحيد أو يحرف التدخلات غير السارة من الوالد، ويتصرف الطفل بعدوانية ويتوقف الوالد عن النقد والتهديدات.
في نفس الوقت يتم تعزيز الوالد بشكل سلبي للاستسلام للطفل، وعادة بمجرد أن يتراجع الوالد عن سلوك الطفل يتحسن سلوك الطفل وتفسح مواقفه العدوانية الطريق لسلوك أكثر متعة، بالإضافة إلى ذلك يتعرض الوالد للعقاب عندما يحاول تأديب الطفل، وأي محاولة لتصحيح الطفل تثير استجابة غير سارة من الطفل، لذلك فإنّ التفاعل الذي يحدث داخل هذه العائلات يدرب الآباء على عدم الاتساق والتراجع أثناء تدريب الأطفال على استخدام الإجراءات العدوانية لإجبار الآخرين على منحهم ما يريدون، وبدلاً من تعلم السلوكيات الاجتماعية الإيجابية وحل المشكلات التي تتضمن المشاركة والمساومة يتعلم هؤلاء الأطفال استخدام الغضب والتحدي كطريقة لحل المشكلات والحصول على ما يريدون من الآخرين.
دور الرفض الاجتماعي في ظهور الجريمة
يميل الأسلوب الشخصي السابق الذكر إلى أن يكون معممًا للتفاعلات مع الأقران، فالطفل الذي يمارس الإكراه يصر على اتباع طريقه ويرفض المساومة، ويستخدم السلوك الغاضب والعدواني للتنمر على الآخرين للامتثال لرغباته أو رغباتها، وفي كثير من الأحيان يُكافأ هذا السلوك لأنّ الأطفال التقليديين غالبًا ما يستسلمون لهذا العرض من العداء، وبالتالي فإنّ التفاعل مع الأقران يميل إلى تعزيز أسلوب العلاقات الشخصية البغيض الذي تعلمه الطفل في المنزل.
على الرغم من أنّ سلوك الطفل المعادي للمجتمع غالبًا ما يؤدي إلى مكافآت فورية أو قصيرة المدى، إلّا أنّ التأثير طويل المدى عادة ما يكون مختلفًا تمامًا، ولا يرغب الشباب التقليدي في اللعب مع شخص يستخدم العدوان والتحدي ليشق طريقه أو طريقها، وبالتالي فإنّ النتيجة طويلة المدى للسلوك المكروه للطفل المعادي للمجتمع هي الرفض من قبل أقرانه التقليديين، ومع ذلك فإنّ ما يفشل هؤلاء الأطفال في إدراكه هو الطريقة التي يساهم بها أسلوبهم القسري في التفاعل في صعوباتهم الشخصية والأكاديمية.
بشكل افتراضي ينشئ هؤلاء الشباب المرفوضون اجتماعيًا صداقات مع بعضهم البعض ويشكلون مجموعة أقران منحرفين، ومن المهم أن نلاحظ هنا أنّ الانتماء إلى أقران منحرفين هو السبيل الأساسي الذي من خلاله يتصاعد أسلوب الطفل في التعامل مع الآخرين إلى السلوك المنحرف والإجرامي، وتوفر مجموعة الأقران المنحرفة سياقًا لتجربة العديد من السلوكيات المنحرفة، كما إنّه بمثابة ساحة تدريب على سرقة المتاجر وتعاطي المخدرات والقتال وما شابه، والارتباط مع الشباب المنحرفين الآخرين يوفر للشباب المعادين للمجتمع المواقف والدوافع والعقلانية التي تدعم الانخراط في مجموعة متنوعة من الأنشطة غير القانونية.
لا يتطرق نموذج الإكراه إلى الطريقة التي يؤثر بها الآباء على اختيار الأطفال لمجموعة من الأقران، وهناك دليل قوي إلى حد ما على أنّ سلوك الوالدين يؤثر على خيارات صداقة الطفل، وتشير الأبحاث السابقة إلى أنّ الآباء غالبًا ما يستخدمون مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات لتنظيم انتماءات أقرانهم لأطفالهم: فهم يشجعون أطفالهم على الانضمام إلى مجموعة على أخرى ويختارون المدارس التي يرتادها أطفالهم، ويشجعون على المشاركة في الأنشطة التقليدية المختلفة مثل الرياضة المنظمة والأنشطة اللامنهجية الأخرى في المدرسة، وتقلل مثل هذه الجهود من احتمال انتماء الطفل إلى أقرانه المنحرفين.
النمذجة الاجتماعية وجرائم الأحداث
تعد جرائم الأحداث عاملاً ديناميكيًا يؤثر على مجتمعاتنا، وتفترض نظرية النمذجة الاجتماعية أنّ الأحداث يتم تحفيزهم للجريمة عن طريق تقليد أو نمذجة سلوكيات أولئك الذين يحترمونهم في المجتمع، وعلى هذا النحو طور معظمهم سلوكيات منحرفة تمثل منظورًا مهمًا لنظرية النمذجة الاجتماعية، ومن الضروري أن نفهم لماذا يرتكب الأحداث جريمة ويجب تحديد السبب الرئيسي للسلوك المنحرف، وفي هذه الحالة سيكون من السهل تقليل الانحراف عن طريق تقليد سلوك الأفراد الآخرين.
وفقًا لمبدأ علم الإجرام يعتبر الانحراف انتهاكًا للأعراف والممارسات التي توجه الأخلاق داخل المجتمع، كما يعتبر أيضًا تطورًا للسلوكيات التي تعتبر من سمات الأشخاص الذين يتعرضون للوصم أو الإدانة في المجتمع، وتعد جرائم الأحداث مشكلة لا يمكن حلها على الفور، ويتطلب التزام مختلف الفئات الاجتماعية باقتراح منهجيات رادعة يمكن أن تمنع الأحداث من الانخراط في الجريمة، وينبغي تشجيع العودة إلى الإجرام لمنع الأحداث من الاقتداء بسلوك الآخرين الذين يحترمونهم في المجتمع.