الوزارة في العهد البويهي

اقرأ في هذا المقال


نظام الوزارة في عهد أمراء البويهيين:

مرت الوزارة العباسية قبل العهد البويهي بثلاث مراحل رئيسية كان لكل مرحلة منها سمات تُميزها عن غيرها، فكان للوزارة في العصر العباسي الأول دور كبير وفعال في إدارة الدولة العباسية، وتوجيه سياستها وانعاش اقتصادها، ولا غرو فمرتبة الوزارة وقتذاك تلي منصب الخلافة، فالخليفة في أغلب الأحيان كان يفوض وزيره في تسيير أمور الدولة، وبذلك زادت سلطة الوزير.

وفي عصر ازدياد نفوذ الأتراك (232 – 324 هجري)، حيث المرحلة الثانية لمنصب الوزارة، لم يتمتع الوزراء بالسلطة والنفوذ اللذين تمتع بها وزراء العصر العباسي الأول، فقد ازداد النفوذ التركي في هذه المرحلة، مما أدى الى اصطدام الوزراء بالقواد الأتراك الذين أرادوا أن يستأثروا بأمور الدولة بما في ذلك اختصاص الوزراء أنفسهم، حتى أن القائد التركي أنامش جعل من نفسه وزيراً للخليفة العباسي المستعين بالله.

كما أن بعض وزراء عصر ازدياد النفوذ التركي تعرضوا لسخط القواد الأتراك ونقمتهم. وعلى سبيل المثال، عزل الوزير أحمد بن الخصيب، وزير الخليفة المستعين بالله لعدم تنفيذه رغبات قواد الأتراك. كما أضطر عبد الله بن محمد بن يزداد، وزير الخليفة المستعين بالله، إلى الهرب من حاضرة الخلافة خوفاً من بطش أولئك القواد.

أهم أحداث الوزارات في عهد الخلفاء:

مرت الوزارة العباسية بأسوأ حالاتها خلال عهد الخليفة المقتدر بالله (295 – 320 هجري)، لدرجة أن اثنى عشر وزيراً تولوا هذا المنتصب بالتعاقب، ولم يستطع واحد منهم أن يحتفظ به فترةً طويلةً، هذا فضلاً عن أن بعضهم تولّى الوزارة أكثر من مرة.

أما في عهد أمرة الأمراء، وهي المرحلة الثالثة من المراحل التي مرت بها الوزارة العباسية، فقد أدى ظهور منصب أمير الأمراء إلى فقدان الوزارة آخر ما بقي لها من سلطة، فحُرِمَ الوزراء من ممارسة اختصاصاتهم الإدارية والمالية وتحولت تلك الاختصاصات إلى أمير الأمراء وكاتبه، ويصور ابن الأثير هذا الوضع الجديد بقوله: (وبطلت الدواوين في ذلك الوقت، وبطلت الوزارة، فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور، وإنما كان ابن رائق وكاتبه ينظران في الأمور جميعها، وكذلك كل من تولى إمرة الأمراء بعده).

واقتصر عمل الوزير على المشاركة في المواكب والاحتفالات الرسمية، وفي السنة الأخيرة من عهد أمرة الأمراء زالت وزارة الخليفة العباسي منصباً وسلطة، واكتفى الخليفة بكاتب يدير شئونه، في حين تحول منصب الوزير بعد ذلك إلى الأمير البويهي. كان آخر وزراء الخلافة العباسية قبل استئثار بني بويه بالسلطة في العراق هو أبو الفرج محمد بن علي السامري، يقول المسعودي عنه: (وهو آخر من خوطب بالوزارة في أيام بني العباس إلى وقتنا هذا، أي سنة (345 هجري)، وهي سنة وفاته.

ويذكر مسكويه أن الخليفة المستكفي بالله عندما قبض على وزيره أبي الفرج السامري في شهر ربيع الثاني من سنة (333 هجري)، استكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن (على خاص أموره). ويقرر ابن الأثير أن المستكفي بالله استكتب بعد عزله لوزيره أبي الفرج السامري،‏ أبا عبد الله بن أبي سليمان، ثم قبض عليه، واستكتب أبا الفضل بن عبد الرحمن. ويتضح من هذه الروايات أن الخليفة المستكفي بالله لم يتخذ له وزيراً بعد السامري.

وفي أواخر العهد البويهي استفاد الخليفة العباسي القائم بأمر الله من الظروف السياسية السيئة التي مر بها أمراء آل بويه فأستعاد حقه في اتخاذ وزيرله. ويذكر بعض المؤرخين أنه لمّا بويع القائم بأمر الله بالخلافة سنة (422 هجري)، استوزر أبا طالب محمد بن أيوب، ثم استوزر بعده أبا القاسم علي بن الحسين بن أحمد بن المسلمه المُلقب رئيس الرؤساء.

ويروي مؤرخون آخرون أن أبا القاسم بن المسلمة كان أول وزير للخليفة العباسي وقد أستوزره في عام (437 هجري)، وتؤكد روايات أُخرى أن أبا القاسم بن المسلمة كان يتقلد الوزارة للقائم بأمر الله قبل دخول السلاجقة العراق، وكان سبباً مُباشراً لقيام حركة البساسيري.

كان للوزارة في النصف الأول من العهد البويبي شأن كبير، فقد شارك الوزراء مُشاركة فعالة في إدارة أمور الدولة، وكان أمراء بني بويه يعتمدون كثيراً على وزرائهم في تنفيذ سياستهم إدارياً وعسكرياً، خاصة في فترة حكم عماد الدولة وأخويه ركن الدولة ومعز الدولة، ثم في زمن عز الدولة بختيار وأبناء عمه عضد الدولة ومؤيد الدولة وفخر الدولة، ومن هؤلاء الوزراء أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي وأبو الفضل بن العميد والصاحب اسماعيل بن عباد.

استطاع هؤلاء الوزراء بما لديهم من كفاية إدارية وسياسية أن يكسبوا ثقة الأمراء البويبيين فضلاً عن ثقة الناس وتقديرهم، فحفظوا بذلك مراكزهم الرفيعة ومارسوا أعمال الوزارة بحرية تامة في أغلب الأحيان. وكان لحسن علاقتهم بالأمراء البويهيين أثر كبير في رفع شأنهم، وزيادة هيبتهم في نفوس الجند والرعية، فيصف مسكوية الوزير أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميد بقوله:

(كان لوفور عقل أبي الفضل بن العميد أنه كان يُداري أمره مع صاحبه ومع عسكره، ثم يسوس رعيته والمالك التي يراعيها ويدبر الجميع تدبيراً ملائماً لوقته). ويقول في موضع آخر: (فلمّا تولى ابن العميد (رحمه الله) وزارة ركن الدولة، استقام الأمر وضبط أعمال الدولة، واتبع العدل في ذلك، وأقام هيبته في صدور الجند والرعية،‏ حتى كان يكفيه أن يرفع طرفه إلى أحد مُستنكراً فترتعد الفرائص، وتضطرب الأعضاء، وتسترختي المفاصل).

وكان للوزير الصاحب بن عباد الفضل في إعلاء شأن الوزارة في عهد الأميرين مؤيد الدولة وفخر الدولة، وبلغ من هيبته أن كبار موظفي الدولة كانوا يقفون بين يديه مطرقين، لا يتكلم واحد منهم هيبة وإعظاماً لموضعه. وهكذا كان حال الوزارة في عهد الوزيرين أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي وأبي الفتح على بن محمد بن العميد، فكان الأول ذا كفاية في الأعمال الادارية، وعلى دراية تامة باختصاصات الوزارة.

أما الوزير أبوالفتح بن العميد فبلغ من ثقة الأمير ركن الدولة بمقدرته أن فوضه تفويضاً كاملاً في إدارة البلاد التابعة له إدارياً وعسكرياً، فقام بهذه المهمة خير قيام، وبلغ من علو منزلته أن كبار قواد الجيش كانوا يمشون أمامه إذا ركب، ولا يأنف الواحد منهم من تقبيل الأرض بين يديه.

لم تستمر هذه الفعالية للوزارة طيلة العهد البويهي، فعندما آل الحكم إلى أبناء الأمير عضد الدولة، ثم إلى من خلفهم من أمراء، أخذت الوزارة تعود ثانية إلى ما كانت عليه من ضعف وإنحلال قبل قيام العهد البويهي، وبدأ الوزراء يفقدرون تدريجياً هيبتهم وتأثيرهم نتيجة للظروف التي صاحبت نزاع أفراد البيت البويهي على السلطة.


شارك المقالة: