المدرسة ليست مجرد بناء يضم الطلبة لتلقيهم الدروس فحسب بل إن المدرسة أصبحت إلى جانب ذلك مُواكِبة لتطورات الحياة الاجتماعية الحديثة وما فيها من تغيرات تستدعي تنمية الجوانب الاجتماعية والنفسية في شخصية التلميذ ليكون قادر على مواجهة هذه الحياة المُتَغيرة ذات الوظيفة الاجتماعية الأخرى.
ما هي المدرسة الحديثة
أصبحت المدرسة الحديثة هي المؤسسة الاجتماعية التي تشترك مع البيت والدين والمجتمع في تحمل مسؤوليات التنشئة الاجتماعية للأفراد واعدادهم لمواجهة الحياة، وتُعنى المدرسة اليوم بالتكيّف الشخصي والاجتماعي للتلميذ بقدر اهتمامها بنجاحه وتحصيله الدراسي في المواد المختلفة لذا كان من واجب المدرسة الحديثة تنمية جوانب شخصيات التلاميذ نمواً مُتكامِلاً جسمياً وعقلياً ووجدانياً واجتماعياً وروحياً.
وبناءً على ذلك فلقد أصبحت المدرسة هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية ونقل الثقافة المُتطورة وتوفير الظروف المناسبة لنمو التلاميذ وتوسيع الدائرة الاجتماعية للطفل حيث يلتقي بجماعة جديدة من الرفاق ومنها يتعلم الطالب مزيداً من المعايير الاجتماعية في شكل مُنَظّم كما يتعلم أدواراً اجتماعية جديدة كالحقوق والواجبات وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجاته وحاجات الآخرين والتعاون والانضباط السلوكي والتفاعل مع المُدَرِسين كقيادات جديدة وكنماذج سلوكية مثالية وفي المدرسة يزداد التلميذ علماً وثقافة وتنمو شخصيته من كافة جوانبها.
إسهامات المدرسة مع الأسرة في عملية التنشئة
تُسهِم المدرسة مع الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للتلميذ وذلك من خلال:
- تقديم الرعاية النفسية وحلّ مشكلاته وتعليمة الاعتماد على النفس.
- تعليمة كيف يُحقق أهدافة بطريقة تتفق مع المعايير الاجتماعية.
- مراعاة قدراته في كل ما يتعلق بعملية التربية والتعليم.
- الاهتمام بالتوجيه والإرشاد النفسي والتربوي والمهني للتلميذ.
- الاهتمام الخاص بعملية تنشئة الاجتماعية مع التعاون الفعّال مع الأسرة.
- مُراعاة كل ما من شأنه ضمان نمو التلميذ نمواً نفسياً واجتماعياً سليماً.
- توثيق العلاقات الاجتماعية بين المُدَرِس والتلاميذ وبين التلاميذ وبعضهم البعض وبين المدرسة والأسرة والتعاون الاقتصادي بين فئات الطلبة وتخطي الاختلافات.
- اتباع الأساليب المُجدِيَة لنجاح عملية التنشئة الاجتماعية.
بعض الأساليب لنجاح عملية التنشئة الاجتماعية بين المدرسة والبيت
1- دعم القِيَم السائدة في المجتمع بطريق مباشر وصريح في مناهج الدراسة.
2- توجيه النشاط المدرسي لكي يؤدي إلى تعليم الأساليب السلوكية والأدوار الاجتماعية.
3- ممارسة السلطة المدرسية في تعليم القِيَم والاتجاهات والأدوار الاجتماعية بالثواب والعقاب.
4- تقديم نماذج للسلوك الاجتماعي السوي في سلوك المُدَرِسين اليومي مع التلاميذ.
5- ممارسة المُدَرِس لدوره الفعّال لتوجيه التلميذ اجتماعياً وتربوياً وتحويل نفسه نموذجاً طيباً للإقتداء والإخلاص في أداء واجباته التعليمية.
وعلى ذلك يمكن القول بأن وظيفة المدرسة تتجلى بأنها مؤسسة تربوية إلى جانب كونها مؤسسة تعليمية، ولعل الهدف الأول من عمليات التربية هو الإسهام في عملية الاجتماعية التي تبدأ عادةً في مُحيط الأسرة، وتُعنى عملية التنشئة الاجتماعية في صياغة الفرد في قالب يُدرك من خلاله قيمة الحياة الاجتماعية وقُدسِيتها حتى يكون قادراً على تفهمها وتقبلها وهو في ذلك يسعى إلى التكيف الاجتماعي مع مُلاحظة أن هذه الأدوار مُتَغيرة.
الفلسفة التربوية الحديثة للمدرسة
تؤكد الفلسفة التربوية الحديثة للمدرسة على نمو الكَيف وليس الكمّ وأهميته بالنشاط من قِبَل التلميذ، وأصبح الهدف هو نمو التلميذ من الناحية العقلية والاجتماعية والبدنية بما يساهم في زيادة تحصيله الدراسي مع التركيز والاهتمام بالفروق الفردية بين التلاميذ وقدرتهم على التحصيل والنظرة إلى المدرسة.
في ضوء ما تقدم تبيَن أنها مؤسسة اجتماعية لها وظائف هامه وأحد أجهزة المجتمع الحديث ولها تركيبها البنائي وكيانها الوظيفي وكلاهما ينبع من ظروف المجتمع ويخضع للدوافع والمواقف السائدة فيه، والمدرسة مجتمع صغير يتدرب فيه التلاميذ على العمل الجماعي وعلى تحمل المسؤولية وعلى طاعة النظام وإدراك فكرة الحق والواجب، والمدرسة كمؤسسة اجتماعية لا يمكن أن تكون منعزلة عن المجتمع الكبير وكذلك لا يمكن أن تنعزل عن تلاميذها خارج حجرة الدراسة بل يجب أن تفتح أبوابها لخدمة البيئة لتوفير الاطمئنان النفسي للتلميذ وذويه، حتى لا يشعر أنه مكان مُنعَزل عن البيت وليتم التشاور في مصالح الأبناء.
تلخيص الوظيفة الاجتماعية للمدرسة
1- إعداد القوى البشرية القادرة على الإنتاج: تتركز أهمية العنصر البشري في إسهامه في كل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن هنا ظهرت أهمية المدرسة كمؤسسة لإمداد المجتمع بالقوى العاملة والمدرسة تقوم بترجمة احتياجات المجتمع إلى برامج دراسية تُساهم في الإعداد السليم للأفراد حتى يصبحوا وحدات إنتاجية صالحة في المجتمع.
2- حفظ التراث الثقافي للمجتمع بنقله من جيل إلى جيل.
3- تنقية التراث الثقافي للمجتمع باستبعاد الجوانب غير المرغوب فيها: المجتمع نسيج متكامل مستمر والمدرسة هي المسؤولة عن استمرار واتصال ثقافة المجتمعات باعتبارها المؤسسة التي أَوكَل لها المجتمع مسؤولية تنشئة الأجيال القادمة ونقل جميع ما اكتسبته هذه المجتمعات من معارف وخبرات.
4- إحداث التغير الثقافي الملائم للغة العصر: قد تتوفر لكثير من المجتمعات النامية كل عناصر الإنتاج إلا أنها قد تفشل في مُعايشة عصرها والتوصل إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة وقد يرجع ذلك إلى وجود كثير من العادات والتقاليد والقِيَم وأنماط التفكير المعَوِقة لهذه التنمية، وإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى اتجاهات ثقافية معينة تتطلب التخلص من الخُرافات والسلبيات والُعد عن الاتكالية والسلبية.
5- تبسيط الخبرة الإنسانية وترتيبها: تتسم الحياة الاجتماعية بالتعقيد والتشابك يقف أمامها الفرد ولا يستطيع فهمها أو تعليلها لذا فإن من أهم وظائف المدرسة هو تبسيط الخبرات التي تُقَدَّم للتلميذ في المدرسة وتجزئة مكوناتها المختلفة ثمّ ترتيب الخبرات مُتَدرِجاً مع مراحل نمو التلميذ، أي تحليل الخبرات الإنسانية إلى أبسط عناصرها لتصبح قابلة للتعلم بما يؤدي في النهاية إلى توسيع مدارك وزيادة قدراتهم على التفكير وحلّ المشكلات التي تُصادفهم في المجتمع الخارجي.
6- التماسك الاجتماعي: كي يصبح الفرد عضواً في المجتمع ويعيش ويتكيّف معه فعليه أن أن يُشارك الأعضاء الآخرين ثقافتهم، والمدرسة الناجحة هي التي تحقق هذه المشاركة بكافة الطرق وتحقيق المشاركة وربط الأفراد ببعضهم وتماسكهم وتعاونهم لخدمة مجتمعهم.
7- النمو المتكامل للشخصية: بعد أن تطورت المدرسة وأصبح لها وظائفها الهامه لفتت الأنظار إلى دورها وخطورة مسؤولياتها نحو إعداد المواطن الصالح الذي لا بُدّ أن يتمتع بشخصية نامية متكاملة وبدأت تركز على أهدافها وتوجه مجهودها نحو الإنسان لأنه يُمثل القوة البشرية التي سوف يعتمد عليها في التنمية، وقد نجحت في تحقيق هذا الهدف فقد وجهت عنايتها واهتمامها إلى الشخصية من الجوانب الأربعة: الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية بحيث تَصل إلى تكوين الشخصية النامية المتكاملة التي تستطيع أن تُشارك في عملية التنمية حيث أن النمو المتكامل للفرد لا يمكن أن يتم إلا داخل المجتمع وتحقيق ذات الفرد لا يمكن أن يتم إلا بتفاعل هذه الذات مع البيئة الاجتماعية المحيطة.
8- إعداد المواطن الصالح: المواطن الصالح هو المُنتَمي إلى مجتمعه ويظهر ذلك في سلوكه واتجاهاته نحو الأحداث العامة وعلاقته مع أفراد مجتمعه ولقد أصبحت غاية المدرسة الحديثة خلق المواطن القادر على التفكير والعمل والإنتاج والمشاركة في العلاقات الاجتماعية والمساهمة في بناء المجتمع وتقدمه ويتم ذلك عن طريق تنمية قدراته ومعاونته على امتصاص ثقافة مجتمعه في صور مُحَسَنة عن طريق تفاعله مع الجماعات واكتسابه الصفات الاجتماعية التي تؤهله للعيش في مجتمعه.