بدايات ظهور تاريخ علم الجريمة

اقرأ في هذا المقال


علم الإجرام أو علم الجريمة هو تاريخ للأفكار التي أبلغت عن تطور علم الجريمة، والتي تقف كأساس فكري لأحد التخصصات الأكاديمية الأسرع نموًا على مدار الأربعين عامًا الماضية، ولا يمكن لأي تاريخ في علم الإجرام أن يتجاهل القوى السياسية التي تؤثر على أي محاولة لمعالجة مجموعة من السلوكيات التي تثير الكثير من القلق العام.

موضوعات علم الإجرام

أي تاريخ فكري يتم إعلامه جزئيًا بالمكان الذي نفهم فيه أنفسنا اليوم، واليوم يجد علم الإجرام نفسه محددًا بثلاثة موضوعات رئيسية:

1- الحركة الثابتة نحو علم أكثر صرامة.

2- الالتزام بنظريات الجريمة والسلوك الإجرامي التي تم اختبارها بدقة.

3- إنشاء طلب للأدلة- السياسات والممارسات القائمة على مكافحة الجريمة وضمان العدالة.

ربما كان أفضل تعبير عن هذا هو إدوين ساذرلاند في عام 1934 الذي عرّف علم الإجرام بأنّه دراسة صنع القانون وخرق القانون ورد فعل المجتمع لخرق القانون، ومع ذلك فهذه ليست الطريقة التي يفهم بها علم الإجرام نطاقه دائمًا.

المدرسة الكلاسيكية لعلم الجريمة

في عام 1764 نشر محام إيطالي غامض كتابًا سرعان ما أزال غموضه وأصبح أحد أكثر الرسائل القانونية تأثيرًا في القرن الثامن عشر، فكان المؤلف سيزار بيكاريا (Cesare Beccaria) وكان الكتاب مقالات عن الجريمة والعقاب، وسعى بيكاريا الذي تأثر بفلاسفة التنوير إلى إصلاح نظام العدالة الجنائية لجعله أكثر إنسانية وإنصافًا، ولقد دافع عن عقوبات أخرى غير العقوبة البدنية والموت من خلال تضمين العقوبة في نظام قانوني مستنير، وفي غضون 10 سنوات من نشره تمت ترجمة الكتاب إلى جميع اللغات الأوروبية وتم الاحتفال ببكاريا كمفكر قانوني جديد عميق.

أثر العمل أيضًا على حكومات العديد من البلدان بما في ذلك إنجلترا والولايات المتحدة، وفي وقت مبكر من عام 1775 أشار جون آدامز (John Adams) إلى المقالات في تبريره لقبول المهمة غير الشعبية والخطيرة سياسياً المتمثلة في الدفاع عن الجنود البريطانيين الذين أطلقوا النار على مواطني بوسطن الذين اتهموا مستودع الأسلحة أعلى بونكر هيل، وفي شرح هذا القرار أوضح من بيكاريا بأنّه إذا من خلال دعم حقوق الإنسان والحقيقة التي لا تُقهر فسوف يساهم في إنقاذ من آلام الموت ضحية مؤسفة للطغيان أو للجهل، وتكون قاتلة بنفس القدر فإنّ بركاته وسنوات النقل ستكون تعزية كافية لي من أجل احتقار البشرية جمعاء.

تحدت المقالات الفكرة التقليدية القائلة بأنّ أساس النظام القانوني كان الدين وأنّ سبب الجريمة ينحدر من النعمة -أي الشيطان- بل بدلاً من ذلك قدم بيكاريا للأعوام 1764/1973 فكرة أنّ الجريمة كانت نتيجة الاختيار (عملية الإرادة الحرة)، وأنّه تم اختيار الجريمة عندما تجاوزت مكافآت الجريمة الآلام الناتجة عن ارتكاب الجريمة، ومن الواضح أنّ بيكاريا متأثرًا بحسابات التفاضل والتكامل الأخلاقي لجيريمي بينثام في عام 1789 حيث رأى الجريمة كخيار وليس إكراهًا.

من هذه الفكرة المركزية بنى نظامًا للعدالة حدد أنّ العقوبات يجب أن تتناسب مع الجريمة أي مجرد عقوبة كافية لتعويض متعة الجريمة، لأنّه كانت تلك العقوبة أكثر فاعلية عندما كانت سريعة ومؤكدة ولكنها ليست شديدة للغاية، كما أنّ الاعترافات لا يمكن أن تكون بالإكراه، وأنّ عقوبة الإعدام غير مبررة لأنّه لا يمكن التراجع عنها في حالة الخطأ ولن يوافق أحد على أن تقتل الدولة حياته إذا كان لديه خيار، وفي سلسلة من الفصول المترابطة وصف بيكاريا نظامًا للعدالة سرعان ما أصبح نموذجًا للديمقراطيات حول العالم.

بصفته فيلسوفًا قانونيًا أيد بيكاريا فكرة وجود الحكومة بناءً على إرادة الشعب، وأنّه على هذا النحو يجب أن تقيد القوانين الحرية فقط إلى الدرجة اللازمة لضمان النظام والحرية، ومع هذا الأساس تنشئ المجتمعات الحكومات والقوانين لتوسيع الحرية وليس لضمان مصالح مجموعة فوق الأخرى، وتأثر واضعو دستور الولايات المتحدة بشكل كبير ببكاريا، حيث تعكس أقسام شرعة الحقوق التي تتناول الجريمة والعدالة بشكل خاص مبادئه وإرشاداته.

جادل بيكاريا أيضًا بأنّ تحديد العقوبات (الموازنة بين اللذة والألم) يجب أن يتم بدقة هندسية، مشيرًا إلى أنّه يجب استخدام الأفكار الناشئة في العلم والأسلوب العلمي في هيكلة نظام العدالة، وعلى الرغم من أنّه لم يتعلم في العلوم إلّا أنّ عمله عكس الدور المتزايد للعلم في جميع جوانب الحياة الاجتماعية، وكان علم العدالة الجنائية متوقعًا تمامًا في نهجه لبناء نظام عادل للقوانين والعدالة.

أخيرًا عرف بيكاريا مدى خطورة كتابة أطروحة تتحدى الحكمة التقليدية بأنّ القانون جاء من الله وأنّ الحكام هم ممثلو الله على الأرض، وبينما كان يسعى للتخفيف من التخريب في حججه أشار بيكاريا إلى أنّه لم يكن يتحدى قانون الكنيسة أو الكنيسة ولكنه كان يقدم ببساطة نموذجًا لإصلاح القانون الجنائي والعدالة بما يتوافق مع تعاليم الكنيسة ومصالح الدولة، ولقد فهم بيكاريا بوضوح التوترات بين علم الجريمة والعدالة ونظام القوانين والعدالة الذي يعكس المصالح والسلطة، وعلى الرغم من أنّه دعا إلى الأول إلّا أنّه أدرك الخطر في القيام بذلك وسعى إلى تجنب الألم الذي عانى منه الآخرون الذين تحدوا مناصب من هم في السلطة.

لذلك يشير البعض إلى بيكاريا على أنّه والد المدرسة الكلاسيكية لعلم الإجرام وهي المدرسة الأولى للفكر الإجرامي، فقد لاحظ مع ذلك أنّ هذا النهج لتعريف علم الإجرام يركز بشكل أساسي على نظام العدالة الجنائية، ونظرية السلوك الإجرامي في هذه المدرسة هي الإرادة الحرة وتعريف الجريمة هو السلوكيات التي تحظرها الدولة وتعاقب عليها الدولة، وسيرى القراء مجموعة مختلفة تمامًا من الافتراضات والبؤر عندما تتحول المناقشة إلى إنشاء علم الإجرام كمجال أكاديمي للدراسة، ولا يولي هذا النهج اهتمامًا كبيرًا لنظام العدالة الجنائية ويركز بشكل شبه حصري على أسباب الجريمة.

أسباب الجريمة

في عام 1876 نشر مفكر ومؤلف إيطالي آخر غير المؤلف سيزار بيكاريا (Cesare Beccaria) وهو طبيب هذه المرة كتابًا كان يهدف إلى تغيير طريقة تفكيرنا في المجرمين، فقد كتب سيزار لومبروسو (Cesare Lombroso) رجل الجريمة، حيث أبلغ عن ملاحظاته عن المجرمين أثناء عمله كطبيب في سجن محلي، وفي الطبعة الأولى من هذا العمل -الذي كان بطول 252 صفحة فقط- لاحظ أنّ المجرمين يتمتعون بصفات جسدية تشبه إلى حد كبير الحيوانات الموجودة في أدنى سلسلة التطور من الإنسان.

بعد 17 عامًا فقط من كتابته عن أصل الأنواع لداروين في عام 1859 والتي أدخلت فكرة التطور إلى التفكير العلمي والشعبي أوضح لومبروسو الجريمة على أنّها سلوك البشر الذين يرتدوا إلى أشكال التطور السابقة، ويشير مظهرهم الجسدي إلى تطورهم الفكري والأخلاقي الأدنى، وكانت الجريمة نتاج هذا التطور الرديء، ولمدة 30 عامًا أثرت الأسباب البيولوجية للجريمة بشدة على التفكير في التسبب في الجريمة.

لكن جاء الرفض الأكثر قوة لهذا النهج الخاص في التعامل مع السببية مع نشر اختبار تجريبي واسع النطاق له المحكوم الإنجليزي أو المدان الإنجليزي (The English Convict) للؤلف جورنج للأعوام ما بين 1913 – 1972، والذي استخدم المؤلف تشارلز جورنج التقنيات الإحصائية الناشئة التي تشكل الآن أساس البحث التجريبي في العلوم الاجتماعية، واختبر المدانين وغير المحكوم عليهم وأظهر أنّ الاختلافات الجسدية التي وصفها لومبروسو لم تفرق بين هذه المجموعات، وفي الواقع كان لومبروسو قد نشر الطبعة الخامسة من كتابه مع زيادة طول كل إصدار وأشار إلى التفسيرات المحتملة الأخرى للجريمة حيث نمت الطبعة الخامسة إلى 1903 صفحة وأدرجت مئات أسباب الجريمة.


شارك المقالة: