بناء الاهرامات في الأسرة الثالثة للحضارة المصرية

اقرأ في هذا المقال


تحتوي المنطقة المحيطة بالعاصمة القديمة ممفيس مصر الواقعة جنوب القاهرة الحديثة على طول نهر النيل، على عشرات الأهرامات التي شُيدت كغرف دفن للملوك خلال السلالتين الثالثة والرابعة، والتي تثير دهشة كل من يراها ويكتشفها.

أول هرم حقيقي

كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنّ آخر ملوك الأسرة الثالثة هوني (2630-2613 قبل الميلاد) بدأ مشاريع البناء الضخمة للمملكة القديمة في بناء الهرم في ميدوم، لكن يرجع الفضل كله في تشييد هرم ميدوم إلى الملك الأول سنفرو (2613-2589 قبل الميلاد) في فترة الأسرة الرابعة.

وقد وصف سنفرو لدى عالمة المصريات باربرا واترسون بأنّه هو العصر الذهبي للمملكة المصرية القديمة، حيث قام بتشييد هرمان في في دهشور، كما قام بالبدء بعمل الهرم الذي يسمى ميدوم والذي يسمى الآن بالهرم المنهار أو على الستوى المحلي باسم الهرم الزائف ويعود ذلك لشكله الذي يشاهد عليه الآن، حيث أنّه بالرغم من أنّه هرم إلَا أنّه يشبه البرج أكثر، وحول غلافه الخارجي هناك كومة ضخمة من الحصى تستقر هناك.

يعد أول هرم حقيقي تم تشييده في مصر القديمة هو هرم ميدوم الذي ولكنه لم يدم، ويرجع ذلك إلى عمل بعض الإجراءات لتعديله على نحو التصميم الهندسي والهرمي الأصلي للوزير والمهندس المعماري في ذلك الوقت إيمحوتب، ونتيجة لذلك تم استبدال الغلاف الخارجي على أشكل رملي عوضًا عن الصخور الأمر الذي أدى إلى انهياره، وهناك خلاف بين العلماء حول ما إذا كان وقت هذا الانهيار -خلال فترة التشييد أو بعد ذلك بوقت زمني طويل-.

عندما وصل العمال إلى المرحلة الثالثة من عملية البناء أي الغلاف الخارجي، افتقر الهيكل إلى التماسك لأنّه لم يكن له أساس ثابت، مما أدى إلى حدوث انزلاق هائل خلال المرحلة الأخيرة من البناء دفن العمال تحت الأنقاض، ومع ذلك يختلف علماء آخرون ويدعون أنّ الغلاف الخارجي استمر في المملكة المصرية الجديدة، ولكن هناك علماء لا يزالون يدعون بأنّه من الصعب معرفة زمن ووقت انهيار الغلاف الخارجي للهرم مثل عالم الآشوريات والمصريات البلجيكي مارك فان دي ميروب (Marc Van de Mieroop).

ولكن من الجدير بالذكر بأنّه تم إيجاد العديد من المعابد بالإضافة إلى هياكل أخرى قيد الإنشاء -غير مكتملة- في هرم ميدوم، وفي ذلك إشارة إلى أنّ مجمع الهرم لم يتم الانتهاء منه بعد، أي أنّه إنهار في المراحل المبكرة من بناؤه، ولكن لا بد من أنّ الملك سنفرو قد تعلم من أخطائه في عملية البناء لهذا الهرم فقام بالانتقال إلى بناء هرمين جديدين في منطقة دهشور.

الملك سنفرو وأهراماته

الهرم المنحني

وجاء هذا الاسم نتيجة ارتفاعه بزاوية تبلغ 55 درجة، ومن ثم ينتقل إلى درجة 43 وذلك من الأحجار الأصغر حجمًا وبذلك يظهر بشكل منحني باتجاه الأعلى، ولقد قامت القوى العاملة باستكمال عملية التشييد دون إدراك منهم بأنّ الزاوية 55 درجة شديدة الانحدار، ثم بعد ذلك لاحظوا خطائهم فهملوا على تعديل مشروعهم الهندسي وإكماله على أكمل وجه الذي استطاعوا عليه، وبذلك استطاع أيضًا الملك سنفرو ما إدراك خطئه في عملية البناء بزاوية 55 درجة فتحول إلى بناء الهرم الثالث أي الهرم الأحمر تُعرف أهرامات سنفرو في دهشور باسم الهرم المنحني والهرم الأحمر أو الهرم الشمالي.

وفقًا للنقوش الموجودة على حجر باليرمو كان سنفرو ملكًا يحظى بإعجاب كبير ونال احترامًا كبيرًا من شعبه، فقد وصفت باربرا واترسون في تعليقها على نقوش حجر باليرمو بأنّه قاد حملات عسكرية إلى سيناء لحماية مصالح مصر في مناجم الفيروز، وإلى شمال النوبة وليبيا، حيث عاد من النوبة 7000 أسير و200 ألف رأس ماشية، ومن ليبيا 11000 أسير و 13100 رأس ماشية، وربما تم استخدام السجناء لزيادة قوة العمل في المحاجر، وفي الأجيال التالية اكتسب سنفرو سمعة كونه محسنًا وليبراليًا ووفقًا لقصة رُويت في بردية ويستكار كان قادرًا على اللمسة المشتركة في مخاطبة أحد رعاياه باسم أخي.

الهرم الأحمر

من الواضح أنّ الملك سنفرو كان حاكماً طموحًا فلم يوقفه الفشل أو خيبة الأمل، فعندما لم يلبِ الهرم المنحني توقعاته بدأ ببساطة في محاولة ثالثة، فقام بالأمر في تشييد الهرم الأحمر والذي أطلق عليه اسم الهرم الأحمر نتيجة استخدام الحجر الجيري المحمر في تشييد هذا الهرم، والذي قام ببنائه على قاعدة وأساس صلب للحصول على مزيد من الثبات والترسخ والذي بلغ ارتفاع زاويته 43 درجة بينما يبلغ ارتفاع الهرم الأحمر 344 قدمًا (105 مترًا).

يعد الهرم الأحمر أو الهرم الشمالي أول هرم حقيقي وفعلي وناجح تم تشييده في مصر، والذي في الحقيقة كان مغطى بالحجر الجيري الأبيض مثل الأهرامات التي لحقته أيضًا، والتي تدمرت عبر القرون واستغلها السكان المحليون لعمل مشاريع بناء أخرى.

خوفو والهرم الأكبر

عرف خوفو (2589-2566 قبل الميلاد) باسم خوفو من قبل الكتاب اليونانيين القدماء واشتهر بهرمه الأكبر في الجيزة، وقد صوره اليونانيون في كتاباتهم على أنّه طاغية ظلم الشعب وأجبرهم على العمل معه رغماً عنهم، وذلك نتيجة القصص التي طبعت في أذهان الناس التي تناقلتها والتي شكلت وثيقة مشهورة يطلق عليها اسم بردية ويستكار (Westcar Papyrus)، وهذه الوثيقة هي عبارة عن 4 قصص مكتوبة لملوك الأسرة الرابعة والذي اكتشفها تاجر الآثار هنري ويستكار عام 1824.

تحتوي البردية على أربع قصص رواها أبناء خوفو وتتضمن قصة يدعو الملك خوفو ساحرًا إلى المحكمة يدعي أنّه قادر على إعادة ربط رأس مقطوع بجسد، وقد فسر بعض العلماء أفعاله في طلب مظاهرة على أنّها قاسية أو شديدة أو طائشة، ووفقًا لباربرا واترسون فقد تصوره بردية ويستكار على أنّه غير مبالٍ بالحياة، وتظهره النقوش الأخرى على أنّه قمعي واستبدادي، ولكن في قصة الساحر والرأس المقطوع من الواضح أنّّ خوفو بدا متشككًا في مهارات الرائي، أما القصص الأخرى على الرغم من أنّها مرتبطة بأبناء خوفو أو خلفائه فهي تتعلق بملوك آخرين، ولا تقدم بردية ويستكار أي إشارة إلى أنّ خوفو كان طاغية أو مستبدًا بأي شكل من الأشكال.

لقد تم التشكيك في ادعاءاته من خلال النصوص المصرية التي تمدح عهد خوفو والأدلة المادية التي تشير إلى أنّ العمال في الهرم الأكبر قد تم الاعتناء بهم جيدًا وأداء واجباتهم كجزء من خدمة المجتمع، أو كعمال بأجر أو خلال فترة جعل فيضان النيل الزراعة مستحيلة.

على الرغم من أنّ ممفيس ظلت عاصمة مصر في عهد خوفو، إلّا أنّه على الأرجح عاش في قصر بالجيزة للإشراف على العمل في الهرم الأكبر بنفسه، ومن أجل الحفاظ على أقصى قدر من الكفاءة في الحكومة وإهدار أقل وقت ممكن أعطى أكبر قدر من السلطة لأفراد عائلته الأكثر ثقة، والذين لا بد أنّهم كانوا سعداء بالترتيب حيث لم يكن هناك سجل للنزاع الداخلي خلال فترة حكمه.


شارك المقالة: