تأثير الخرافات على الأطفال

اقرأ في هذا المقال


يقول أحد أساتذة علم النفس التربوي أن الأوان قد آن لأن يأخذ الآباء والأمهات حذرهم، ويكفوا عن رواية الأساطير والخرافات لأطفالهم، ذلك أن القصص الخرافية من الممكن أن تترك أضرارًا ترافقهم مدى الحياة، وتشيع في بلاد العرب، كما في الغرب كذلك خرافات عن شخوص وهمية ابتدعتها مخيلة الأسلاف، وينسب الآباء والأمهات لها أعمالًا خارقة، أو يجعلونها تتسم بصفات مرعبة، ولو من قبيل تخويف الأطفال للكفّ عن التصرفات المعيبة، وللحد من حركتهم الزائدة.

كيف تؤثر الخرافة على الأطفال؟

مما لا شك فيه أن للأساطير والخرافات أهدافًا تربوية يُراد ترسيخها في أذهان وعقول الأطفال، غير أنه ينبغي على الآباء والأمهات أن يختاروا منها ما يتواءم مع واقع الحياة ويخدم مستقبل أطفالهم، ولا يتعارض مع حقائق الأشياء وطبائع وقيم وأخلاق الناس.
فنحن على سبيل المثال نروي لأولادنا قصصًا، نبالغ في وصف أبطالها بالصدق المطلق والأمانة والطيبة اللامتناهية، ونقوم بتجريد تلك الشخصيات من أي خطأ كـ”الشاطر حسن” و”السندباد”، ومثل هذه الشخصيات المثالية لا وجود لها بين البشر بالتأكيد، ولا يمكن أن توجد إلا في أحلام الفلاسفة وتمنيات الآباء.
قد يستمر شغف الأطفال بالخرافات والأساطير في بعض البيئات والمجتمعات إلى أن يصلوا سنّ الشباب، وهذا الشغف يرجع إلى أنهم يستجيبون للنزعة التخيلية عندهم، والتي تحقق رغبتهم في الانفلات والهروب من حدود الزمان والمكان.
وتتميز الخرافة عن الأشكال القصصية الأخرى بأن الخوارق تغلب على نسيجها السردي، وهذه الخوارق هي التي تكيّف طبيعة الشخصيات فيها، وتتحكم في سير أحداثها؛ إذ تفقد الحركة القصصية تطورها الطبيعي بعد حدوث أعمال تتعلق بالغيب، كالجن والعفاريت والطلاسم، لتغير فجأة مسار الأحداث نحو اليسر أو العسر، بحسب طبيعة تلك القوى وغايتها، وهي بذلك قد تعمل على تعطيل انتزاع الأزمة، بمعنييها القصصي والنفسي، أو تعجل بحلّها ربما قبل الأوان، لذلك كانت منذ القديم أداة تعليمية، مساعدة في تربية الأطفال.

ما هي مصادر الخرافة في قصص الأطفال؟


إن جزءًا من الإرث الشعبي مشترك، وتتداوله مختلف البيئات العربية، بسبب الظروف الفكرية الواحدة، وكذلك التجانس الجغرافي، وإن كان من الصعب على الباحث والدارس في بعض الأحيان تحديد تاريخ تنقل أنماط السلوك والاعتقاد الشعبي في هذا البلد أو ذاك، أو أن يتبين الدوافع التي تقف وراء ذلك، والطرق التي سلكتها، ومنها: المغازي وقصص الأنبياء عليهم السلام والزهاد والأساطير والخرافات.
ولا شك أن بعضه انتقل عن طريق الرواية، وأن أكثره وصل عن طريق مدونات ذات طابع تاريخي أو أدبي، مثل؛ المَغازي، التي لا تزال رائجة في بعض البيئات الشعبية، وهي تروي وقائع الفتوحات الإسلامية بعد أن أشاعها القصاصون والرواة، معتمدين على أعمال قصصية متأخرة، أخذت مادتها من كتب السير والمغازي، والتي ظهرت نماذج منها في زمن مبكر، في القرن الأول الهجري، وحوت ما كان متداولًا مشافهة عن الفتوحات الإسلامية.
الخرافة من بين تلك الأنماط القصصية التي صِيغت باللهجات المحلية، وكما أنها خضعت خلال تناقلها للتعديل في بنيتها بما يتلائم مع البيئة الاجتماعية، وقد تظهر بعض تلك الخرافات والمعتقدات الشعبية العربية متشابهة، ولا تختلف إلا في بعض التفاصيل الصغيرة، وذلك نتيجة الظروف المختلفة في كل بيئة وتقدم الزمن وتعدد الرواة، ولهذا فإن الكاتب الذي يؤلّف للأطفال في هذا البلد أو ذاك، يستقي مادته من المصادر نفسها التي يستقي منها الكاتب الذي يقطن المساحة الجغرافية أو اللغوية أو الدينية ذاتها بشكل عام.
لعلّ التفات الأفراد إلى الإرث الشعبي والمعتقد الفلكلوري أمر إيجابي بلا شك، إذ إنه يُعدّ من المكونات الأساسية في بناء وتأسيس الحضارة الإنسانية، وكما أنه وسيلة هامة لتتحصن شخصية الفرد في التصدي لأي غزو ثقافي أو إعلامي.
قد يفقد الطفل ثقته بنفسه أو مجتمعه، غير أن تأليف حكاية خرافية معينة للأطفال يستلزم أن نجنب الأطفال كل ما لا يتناسب مع مستواهم الإدراكي والنفسي والاجتماعي، وكل ما لا يتلائم مع مفاهيم ومصطلحات التربية الحديثة، لكنّ بعض القصاصين لم ينتبهوا إلى هذا الأمر، فسايروا منطق الحكايات عوضًا عن تشذيبها وتطويعها، ولم يضعوا نصب أعينهم أن فيها جوانب إيجابية وأخرى سلبية.
لعل أهم المظاهر السلبية العنف، وغير ذلك من الحكايات التي ضمّت محتوىً هابطًا خاليًا من القيم الاجتماعية، ولا يوجد فيها ما يوحي بإدانة تلك الأفعال أو تحقيرها، لكن بعض كتاب القصص الخرافية لجؤوا إلى تهذيب هذه القصص، وقاموا بتنقيتها مما فيها من مواقف عنيفة وقسوة شديدة أو علاقات تتصف بالشذوذ وتنافي الأخلاق والدين، فاختلفت بذلك تفاصيل الحكاية الواحدة من كاتب لآخر، وهنا تبرز مهارة القصاص والراوي في الملاءمة بين عناصر الحكاية ومعالجة ما قد يترتب عن تلك التعديلات والإسقاطات من فجوات وتفكك يمس بنية الحكاية.

الشخوص الخرافية في قصص الأطفال:

لعل أهم ما تقوم عليه القصة الخرافية في العادة هو مفهوم الصراع بين الخير والشر، بين أشخاص عاديين ذوي قدرات إنسانية وبين مخلوقات عجيبة تملك قوىً خارقة، كالجن والعفاريت والغيلان والوحوش وغيرها، وهي مخلوقات في الغالب تتشابه في سماتها وسلوكاتها في النص الأصلي والنص الذي أُقتبس للأطفال، فهي تتميز بأشكالها المخيفة المرعبة وقواها الهائلة.
ومن المؤكد أن تلك المخلوقات الضارية المتوحشة، قد يكفيها خيال كاتب مبدع لتبدو في بعض القصص الخرافية وديعة وطيبة، حيث تقوم بخدمة الناس وكما أنها تحسن إليهم، وهي بملمحي الخير والشر تحافظ على الميزات ذاتها التي أثرت عنها في المصادر القديمة.
لقد رافقت المخلوقات الخرافية عقول وأذهان العرب قبل الإسلام، وسيطرت عليها سيطرة لا يمكن وصفها، وكما أنها أعدّت مادة خصبة حولها دارت الأساطير والخرافات العربية، وكان للوصف والسرد القصصي دور كبير ومهم في الإرث الشعبيّ الذي وصل إلينا، وذلك فيما يخص تشكل أوصاف هذه الكائنات، إلى جانب ما أضافته الشروح والتأويلات المختلفة لها، وما تزال هذه المخلوقات إلى اليوم موضوعًا شائقًا حوله تُحاك حكايات وقصص كثيرة في المجتمعات، وقد طال ذلك الإبداع الذي يقدم للأطفال من قصص وحكايات تسليهم وتبث البهجة في نفوسهم، وتمدهم بأدوات معرفية تساعدهم على التخلص مما قد يعترضهم من مواقف محرجة في مستقبل أيامهم.
ومن الأمورالتي تركز عليها قصص وحكايات الأطفال والتي أبطالها كائنات خرافية القوى، كالغول والجن والعفريت، كما في الخرافات والأساطير، حيث أنها تركز على جدلية القوة والحيلة والخداع، فالمخلوقات الضعيفة دائمًا تجد المخرج، من المخاطر والشرور التي تحيطها، والتي كان سببها كائنات هي رمز للظلم والتسلط والاستبداد وسبيلهم في التخلص من المعضلات هو بالاعتماد على الذكاء وبذل الجهد الصادق، وهذا الأمر يريح نفسية الطفل، ويوحي له بأن قوة الإنسان ليست فقط في قوة الجسد إنما الغلبة للعقل.
قد تتلون هذه المخلوقات التي تبني ذلك العالم الخرافيّ، فتتحول إلى قوة تكمن في الأدوات السحرية، التي تمنح الخير وتهب الأمل، وأما المغزى التربوي الذي يتوخاه الكاتب من ذلك كله، هو أن يشيد بالقيم الإيجابية والمكافأة على التمسك بها، وفي الوقت نفسه التنفير من القيم السلبية.
لعل من أخطر المساوئ أن يُربّى الأطفال على أساطير وخرافات المعصومين من الأخطاء، حيث أنها تجعل فكرة “أن من بين الناس ملائكة” راسخة في أذهان الأطفال، وبذلك يكون الطفل في الأيام القادمة صيدًا سهلًا للأفاكين والكذابين، لذلك يطالب أحد علماء النفس بأن يُعاد النظر في الأساطير والخرافات وما يصاغ حولها من قصص وروايات وملاحم، ويوجه إلى أنه يجب أن يُقضى على الخرافات التي تزرع الخوف والرعب في قلوب الأطفال، أو تنبت في أذهانهم الشك فيما يرويه آباؤهم، ويعيشون في دوامة شك لا تنتهي مدى الحياة.
يطالب كثير من الدارسين والباحثين في هذا المجال بأن يكون للأطفال قصص وحكايات تبين وتبرز ما في الحياة من خير وبالمقابل تبدي ذات القصص أن الحياة لا تخلو من وجود للشر كذلك، ومن الواجب أن تنوّه القصص على أن تغلّب الخير على الشر سيأتي بأسلوب منطقي يتناسب مع عقليات وأذهان الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة.
كما أنهم يطالبون بأن لا نغلق الطريق على أطفالنا، فلا نترك لهم فرص اكتشاف حقائق الحياة وما قد يواجهونه من معضلات وحدهم، ولايجب على الآباء مساعدة أبنائهم بالوصول إلى نتائج جاهزة، دون أن يُعمل الأطفال عقولهم، ويكونون صادقين في حثهم على اكتشاف القيم الجيدة، وتعليمهم أن الوصول إلى أسمى الغايات يكون ببذل الجهد والتصميم وسلوك أنبل وأشرف السبل.
إن اعتقاد الآباء أنهم قد يزرعون قيمًا أو يدرؤون خطرًا عبر تخويف أطفالهم وإرهابهم بمختلف وشتى الوسائل، لهو أمر لا يتلائم مع مستوى الطفل الإدراكي أو النفسي، وفي الغالب يؤدي إلى آثار سلبية وعقد نفسية يمكن أن تستمر وتدوم مع الطفل طوال حياته.


شارك المقالة: