تاريخ الحياة الفكرية في لبنان

اقرأ في هذا المقال


الحياة الفكرية في لبنان:

تعرف الحركة الفكرية في لبنان بالحركة الأدبية؛ لأنّ الفكر اللبناني في مجال الآدب متطوراً أكثر من أي مجال آخر، وكان ذلك نتيجة تطورها في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، بالإضافة إلى احتكاك الشعب اللبناني بالآداب العربية القديمة والآداب المتطورة في الدول الحديثة، فقد وضع قواعد ذلك الفكر الأعلام من آل اليازجي والبستاني والشرتوني والشدياق وزيدان والريحاني وجبران ومطران، الذين مثلوا الأساس المهم في عملية وصول التراث الثقافي في عصر الانحطاط.

فقد تعدت تلك الحركة الأدبية مراحل متطورة، كانت تختلف في كل مرحلة من حيث الركود والتطور بناءً على العوامل المختلفة المحيطة بها والمؤثرة فيها، وفي عام 1908 أعلن الدستور العثماني، بحيث بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطورها في القرن العشرين، فقد كان الأدباء يعانون من الظلم ومن عدم مقدرتهم على الكتابة والتعبير عن رأيهم، بحيث كانوا الأدباء معرضين للقتل إذا تطرقوا لمواضيع تخص القيم الإنسانية والعدالة.

فقد كان الدستور الضمان الأساسي لحقوق الناس، بحيث يضمن لهم حق التعبير والنشر والاجتماع، وفي تلك الفترة تشجع الأدباء وتخطوا مرحلة الخوف، مما أدى بهم إلى الكتابة والخطابة وإلقائهم الشعر وبرزوا أكثر من أي وقت آخر، وفي تلك الفترة برزت طائفة من الأدباء في بداية ظهورها وهم: بشارة الخوري وأمين تقي الدين والياس ونقولا فياض وفليكس فارس ومصطفي الغلاييني ووديع عقل وداود عمون وشبلي الملاط وحليم دموس ووديع البستاني وداود مجاعص واسكندر المازار.

اتبع هؤلاء الأدباء حدود الأدب البطريركي والسلطاني الذي كان منتشراً بشكل واسع في ذلك الوقت، وتجديد الشعر والنثر بفنونها واغراضها وطرقها جميعاً، حيث وفقوا أمام تلك الغاية العظمى التي أخذوا على أنفسهم العمل على تحقيقها، ولكن الزمن لم يسمح لهم بالوصول إلى هذا الهدف الذي يسعون إليه.

إذ فاجأتهم الحرب العالمية الأولى فحطمت الأقلام وعطلت الصحف وأغلقت المدارس وشردت الأحرار من رجال الفكر ولم يبق في لبنان، إلا جريدة واحدة وهي البلاغ التي كانت السلطة التركية تقدم لها الورق بشكل مجانِ، فكانت تنشر أخبار المعارك وما تسمح به القوات العسكرية بإذاعة من أخبار العالم.

أما الأدب فقد عانى بشكل كبير في تلك الفترة الصعبة، حيث انحط الأدب إلى مدائح زائفة ينظمها مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بمدح الولاة والسلاطين في تلك الفترة، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى ظهر بنخبة كبيرة من رجال الثقافة والشباب النشطين، فكان مصير بعضهم إما الأسر أو البطش من قبل جمال باشا، وجزءًا منهم رحلوا من البلاد، فلم تتوقف الحرب ولم تتمكن الحركة الفكرية من استعادة نشاطها، إلا بعد سنوات متعددة توجهه البلاد فيها إلى عملية الإصلاح.

تطور الحياة الفكرية في لبنان:

في تلك الفترة وبشكل تدريجي استطاع الأدب اللبناني من الازدهار من جديد، وخصوصاً في المهاجر ولا سيما في البلاد الأميركية، حيث اتخذ الشعب اللبناني طور جديداً من الأدب، فقد ظهر مجموعة بارعة من الأدباء، أبرزهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي ونسيب عريضة وغيرهم من أقسام الرابطة القلمية، التي كان هدفها يتبلور بالأُفق كما يقول نعيمة: تشويق بعض الأرواح الناشئة إلى وسائل الأدب عن سبيل النفس لا عن سبيل المعجمات.

فقد كانت الآداب اللبنانية تمزج بين الأدب الأجنبي الذي يأتيها عن طريق الغرب وبين أدب المهجر، بحيث كان الأدباء البارزون يحاولون استعادة المكانة التي وصلوا إليها قبل الحرب، ليصبح مطابق لوسائل الجيل المتطور في تطوراته الجديدة وميوله التجديدي المستمر، فقد تكللت جميع محاولاتهم بالنجاح؛ لأنّ هذا الجيل كان يسعى لتحقيق أهدافاً كبيرة في إطار التحرر الفكري والتوجه الإنساني وفي فهم الأدب نفسه.

بشارة الخوري هو أحد أبرز الأدباء في ذلك العصر، حيث تمكن من مواكبة العصر والنهضة الحديثة إلى مستوى كبير، في وقت لم يتمكن أغلب رفاقه من تحقيق ذلك وتخلفوا بالرغم منهم عن عصر الآداب المتجهة إلى مستوى عالي جداً من التطور. في تلك الفترة ظهر في بيروت أديب محنك كان له الفضل الأكبر في توجيه الأدب اللبناني الحديث نحو السير في القيم الفنية والإنسانية، بالإضافة إلى فعاليته في تكوين شخصية الأديب اللبناني بطابعها الثقافي المتميز.

وبذلك شهدت لبنان عصر متطوراً في المجال الثقافي والحياة الفكرية، بحيث أخذ بها إلى عالم بارز يزج بالأدباء العظماء الذين شكلوا طوراً مهماً من أطوار التاريخ، بحيث تطور المنظور الفكري لهم في كل مرحلة من مراحل حياتهم وشكلوا حلقة متينة تقوم عليها الحياة الفكرية في لبنان.


شارك المقالة: