تاريخ مدينة شنترين الأندلسية

اقرأ في هذا المقال


قال عنها ياقوت الحموى: “شَنْتَرِينُ مدينة متصلة الأعمال بأعمال باجة فى غربى الأندلس، ثم غربى قرطبة وعلى نهر تاجُه قريب من انصبابه فى البحر المحيط، وهى حصينة، بينها وبين قرطبة خمسة عشر يومًا، وبينها بين باجة أربعة أيام، وهى الآن للأفرنج مُلكت فى سنة 543 هـ”.

قال عنها الحميري: “أن أرضها أطيب بقاع الأرض” كذلك تتبعها “قلمرية”، وهي مدينة”صغيرة متحضرة لا يمكن قتال أهلها، وهي من ضمن بلاد البرتغال على جبل مستدير على نهر منديق ويتصل بالبحر حيث فيه مصبه”.

أين تقع مدينة شنترين الأندلسية

تقع مدينة شنترين فى الشمال الشرقي لمدينة أشبونة وهي تابعة لولاية إسترمادوره، تقع المدينة على نهر تاجُه في شبه الجزيرة الإيبيرية، ولا زالت المدينة تصتبغ بالصبغة الإسلامية الأندلسية في العديد من معالمها حتى وقتنا الحاضر.

الفتح الإموي لمدينة شنترين

تُعتبر مدينة شنترين من المدن الرومانية القديمة، وسماها الرومان قديمًا برايزيد يوم، وبعد ذلك أطلقوا عليها شنترين نسبة للقديسة سانت إيرين، وكان ال وتًسمى اليوم سانتاريم، تم فتح مدينة شنترين في عهد طارق بن زياد وموسى بن نصير، فكانت فتوحاتهم في الأراضي الشمالية في الأندلس، وكان فتحها من نصيب عبد العزيز بن موسى بن نصير حيث قام بحملته في وسط البرتغال، واستطاع فتح الكثير من المدن مثل ماردة، وباجة، يابرة، وقلمرية، وشنترين وكان ذلك في عام (94هـ-95هـ)، وكما ذُكر أن معظم المدن فتحت بالسيف إلا مدينة شنترين وقلمرية وشية فقد تم فتحهن بالصلح.

وشهدت مدينة شنترين خلال الفتح الإسلامي، ازدهارًا كبيرًا في المجالات الاقتصادية والثقافية، وسكنها العرب والبربر وعاشوا مع أهلها واندمجوا معهم، حتى أن سكانها الأصلين تإثروا بالأمويون والمسلمون، ولكن لم تخلو من الثورات التي مهدت لحروب الاسترداد، وكانت مدينة شنترين في عهد الحكم الإسلامي من القواعد والمراكز العسكرية المهمة ونقطة انطلاق القوات المسلمة في حروبهم مع المسيحيين، وذلك بسبب حصانتها ومناعتها،

مدينة شنترين في عهد بني الأفطس

عندما ضعفت الخلافة الأموية في الأندلس ظهر ما يُعرف بعهد ملوك الطوائف، وتم تقسيم الأندلس إلى دويلات صغيرة كل دولة حكمها أمير، وحكم غرب الأندلس بني الأفطس فكانت مملكتهم هي دولة البرتغال تقريبًا وصولُا لمدينة باجة، وكان من ضمن المدن التي تحت حكمهم مدينة بطليوس وشنترين وأشبونة، وقد شهدت شنترين في عهد بني الأفطس عهدًا ذهبيًا.

مدينة شنترين في عهد المرابطين

بعد مرور أربعة قرون استنجد ملوك الطوائف بالدولة المرابطة في المغرب عندما كان يحكمها يوسف بن تاشفين، من الزحف البيزنطي على أراضيهم ومن فرض ملك قشتالة الضرائب عليهم، وسرعان ما أغاث المسلمون في الأندلس، وجهز جيشًا لقتالهم ودارت هناك معركة الزلاقة والتي انتهت بانتصار المسلمين انتصارًا ساحقًا، ونتيجة الفوضى والاضطرابات التي عانت منها الأندلس وُلدت مملكة البرتغال في غربي الأندلس وقامت بمواجهة المسلمين كمملكة قشتالة، وكان من أهم أهدافهم السيطرة على مدينة شنترين، بسبب موقعها الاستراتيجي وتمكن ألفونسو السادس من الاستيلاء عليها في (486هـ / 1093م).

استطاع المرابطون من الاستيلاء على مدينة بيطلوس في عام  (487هـ / مارس 1094م) واتخذوها قاعدة عسكرية لهم، وبعد معركة الزلاقة بدأ المرابطون يستردون المدن الأندلسية مدينة تلو الأخرى، وكان من أهمها مدينة شنترين، فقد ذُكرت أهميتها بالمصادر الإسلامية بسبب موقعها وخصوبة أراضيها وحصانتها.

مدينة شنترين في عهد الموحدين

استمر المرابطين بالحملات العسكرية ضد المسيحيين في الأندلس، ولكن ثورة الموحدين في المغرب وكثرة الحروب في الأندلس أدت إلى إضعاف الدولة المرابطة مما أدى إلى انهيارها، لتظهر عهد جديد للدولة الموحدة في الأندلس والتي بلغت عصرًا ذهبيًا في عهد عبد المؤمن بن علي وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور الموحدي، وقام عبد المؤمن بإرسال جيش كبير والقضاء على الثورات الداخلية والمسيحية، واستطاع السيطرة على جزء من أراضي البرتغال، لكن الجزء الباقي منها كان تحت حكم بنت ألفونسو السادس وزوجها.

استطاع ابنهم ألفونسو أنريكي والذي ذُكر اسمه بالمصادر الإسلامية بصاحب قلمرية فيما بعد من إعلان استقلال مملكته عن مملكة قشتالة، وبعد ذلك بدأ بالسيطرة على المدن الأندلسية مثل شنترين ولشبونة، وقبل وفاة عبد المؤمن بفترة قليلة قامت ثورة من مسيحيو شنترين واستولت على مدينة باجة، وهنا كانت ولادة مملكة البرتغال، إلاّ أن ابنه يوسف جهز حملة عسكرية لاستعادة أراضي المسلمين وقاموا بحصار مدينة شنترين والتي تُعتبر من أقوى الحصون إلا أنهم فشلوا في استردادها.


شارك المقالة: