تطور الجريمة في البنى الطبقية ذات الثقافة الفرعية المحددة

اقرأ في هذا المقال


الثقافة الفرعية تعني مجموعة فرعية يمكن تحديدها داخل مجتمع أو مجموعة من الأشخاص، خاصة تلك التي تتميز بمعتقدات أو اهتمامات تختلف عن تلك الخاصة بالمجموعة الأكبر، والبنية الطبقية هي التنظيم الهرمي الذي ينقسم المجتمع من خلاله إلى طبقات، وعلم الإجرام الهيكلي هو نهج اجتماعي جديد لعلم الإجرام يأخذ في الاعتبار العلاقات بين الطبقات والأجناس من الناس للمساعدة في فهم أسباب الجريمة، ففي مجال علم الجريمة الاجتماعي تؤكد نظريات البنية الاجتماعية على العلاقة بين الهيكل الاجتماعي الذي يحمل مجموعة من الثقافات الفرعية والسلوك الإجرامي، مؤكدة أنّ الظروف الاقتصادية المحرومة هي عوامل مؤثرة أساسية في النشاط الإجرامي.

علاقة البنية الطبقية بالثقافة الفرعية وحدوث الجريمة

تُقاس القوة من حيث العلاقة بين مجموعة وأخرى، فالبعض لديه والبعض الآخر يفتقر القوة والسلطة فيما يتعلق بالآخرين، حيث أنّ المكانة الطبقية لا تؤثر فقط في التورط في جرائم أصحاب الياقات البيضاء بل إنّها تعدل أيضًا الفروق العرقية وتؤثر على معاقبة الجريمة، ويربط الجنوح بالطبقة والجنس ويعزو الفروق بين الجنسين في الجنوح إلى التقسيم الطبقي الجنسي الموجود في المجتمع، وبالمثل تعكس علاقات القوة في المنزل تلك الموجودة في المجتمع.

وجد الباحثون التجريبيون بعض الدعم لادعاءات المنظرين فيما يتعلق بالأصول الطبقية للقيم الثقافية الفرعية، ومع ذلك فإنّ الأدلة غامضة في هذه المرحلة، فعلى سبيل المثال تُظهر الدراسات أنّ أفراد الطبقة الوسطى والدنيا من غير العصابات وأفراد العصابات يقدرون المعايير التقليدية بشكل إيجابي، ولكن هذه المجموعة نفسها من النتائج تظهر أنّه مع انخفاض مستوى الطبقة الاجتماعية للفرد، وتزداد بروز المعايير التحرمية بشكل متزايد يتعذر الدفاع عنه، كما أنّ سلوك المشاركين من الطبقة الدنيا أقل اتساقًا مع قيمهم، مما يشير إلى أنّ درجة امتثالهم الفعلي لمعايير الطبقة الوسطى أضعف من نظرائهم من ذوي المكانة الأعلى.

دعماً للحسابات الثقافية الفرعية تشير الدلائل النوعية إلى أنّ الشباب من الطبقة الدنيا يضعون قيمة أكبر على إظهار سمعة الرجل القوي وكونه ماهرًا في القتال، واكتشف باحثون آخرون ممن استخدموا بيانات تمثيلية على الصعيد الوطني في نهج كمي أنّ الشباب ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى هم أكثر عرضة لارتكاب العنف والجريمة؛ لأنّهم اكتسبوا تعريفات مواتية للعنف من خلال التفاعل مع أفراد من محيطهم الاجتماعي وخاصة الأسرة.

وأيضًا كشفت الدراسات أنّ المواقف غير التقليدية تتوسط المسار بين الموقف الطبقي للممثلين والعنف، وما تنقله المجموعة الأخيرة من النتائج هو أنّ النظم الثقافية الفرعية هي في الواقع بنيوية في الأصل وتنتجها عوامل رئيسية في التنشئة الاجتماعية التي تشكل نفس الموقف الطبقي للفرد.

تفنيد علاقة البنية الطبقية بحدوث الجريمة

فرع آخر من نظرية الثقافة الفرعية طوره ولفغانغ وفيراكوتي ينحرف عن تلك الموصوفة بالفعل من حيث أنّه يعطي القليل من القوة التفسيرية للعوامل الهيكلية في إنتاج أنماط العنف، وتعتبر نظرية ثقافية فرعية خالصة ونقية لأنّها تتجاهل دور العوامل الهيكلية الأوسع، ففسر وولفغانغ وفيراكوتي معدلات جرائم العنف بين الجماعات والعصابات كدليل على أنّ المجموعة -على سبيل المثال الأمريكيون من أصل أفريقي- لديهم مواقف تفضل السلوك العنيف، وتعمل نظريتهم الخاصة بالثقافات الفرعية على ربط أنماط العنف المتمايزة عنصريًا بتوجهات القيم المعارضة، مما يفسر العوامل الهيكلية الاجتماعية بأقل قدر ممكن من القوة التفسيرية.

شدد ولفغانغ وفيراكوتي على أنّ الثقافة الفرعية لا يمكن أن تختلف تمامًا عن الثقافة الأوسع، ووفقًا لوجهة النظر هذه تميل المجتمعات إلى أن يكون لها نمط قيم مشترك لدرجة أنّه حتى الثقافات الفرعية تظل داخل الثقافة الأوسع، والثقافة الفرعية والثقافة الأوسع هي في جوهرها ثقافات في صراع، وجادل وولفغانغ وفيراكوتي كذلك بأنّ المجموعات الاجتماعية تعدل قواعد السلوك، ولكي تكون معايير السلوك أو القيم بارزة يجب أن تكون ثابتة من حيث الموقف، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنّها لا تعكس أي ولاء دائم.

علاوة على ذلك تتطور النظم المعيارية حول القيم في تلك القيم تولد المعايير المعيارية المتعلقة بالاستجابات السلوكية المناسبة، ومع ذلك فإنّ نظرية الثقافة الفرعية البحتة تسمح للقيم بالتأثير على السلوك المستقل عن القرب من الآخرين ذوي التفكير المماثل، على عكس الحسابات القائمة على الإجهاد وحتى تلك الخاصة بمدرسة شيكاغو.

قياس القيم مع السلوك الإجرامي الظاهر

وفقًا لولفغانغ وفيراكوتي فإنّ المدى الذي يتم فيه تعريف الأشخاص بالقيم الثقافية الفرعية يكون واضحًا للمراقب في ضوء أفعالهم، وتركز نظريتهم إلى حد كبير على فهم الأساس الثقافي الكامن وراء أعمال القتل العاطفية أو غير المتعمدة، فبالنسبة للجناة الذين يرتكبون هذه الفئة من الجرائم فإنّهم ينسبون الثقافة الفرعية للعنف، ويحتل الناس ثقافة فرعية من العنف بحكم كونهم عنيفين، واستنتج العديد من العلماء مع ذلك أن هذا النهج هو حشو، ويصر المنظرون على أنّه من بين المجموعات التي تظهر أعلى معدلات القتل يجب أنّ تكون ثقافة العنف الفرعية أكثر كثافة.

يعكس اندماج الممثل في الثقافة الفرعية (المقاسة بالسلوك) درجة التزامه بوصفاته الخاصة بالسلوك، ولا يمثل العنف أسلوب العمل المستمر بين أعضاء ثقافات فرعية، وجادل ولفغانغ وفيراكوتي أنّه إذا كان هذا هو الحال، فإنّ النظام الاجتماعي نفسه سيصبح منهكًا، وفي هذا الصدد فإنّ منظورهم محدود نسبيًا من حيث النطاق لأنّه يضيء فقط مجموعة القيم التي تترجم المواقف إلى عنف بدلاً من مجموعة القيم الكاملة التي يحتفظ بها موقع الطبقة.

دور البنية الطبقية في نشوء ثقافة فرعية وحدوث الجريمة

فيما يتعلق بمسببات التقاليد الثقافية الفرعية فإنّ النظرية الثقافية الفرعية النقية التي دعا إليها ولفغانغ وفيراكوتي تظل صامتة عن عمد، حيث إنه يعني أن العوامل الهيكلية قد تساهم في نشأة الثقافات الفرعية من خلال العملية المفترضة في الحسابات القائمة على الإجهاد، ومع ذلك يشير النموذج إلى أنّ المعايير التي تفضل العنف ربما تكون مرتبطة سببيًا بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال يشير إلى أنّ تركيز التوجه الثقافي الفرعي بين الأمريكيين من أصل أفريقي كما يتضح من تورطهم في جرائم القتل والاعتداء قد يكون نتيجة للتدهور الحضري والتفاوتات الاقتصادية التي تؤثر على هؤلاء السكان.

ومع ذلك لم يقدموا بيانًا متسقًا ودقيقًا حول العلاقة بين العوامل الهيكلية الاجتماعية والتقليدية الثقافية الفرعية التي حددوها، ومن المثير للاهتمام مع ذلك أنّ المنظرين يبدو أنّهم يؤكدون أنّ العوامل الهيكلية مثل الفقر والحرمان هي التي تفسر انتقال الثقافة الفرعية عبر الأجيال، والأشخاص الذين تحاصرهم الظروف الفقيرة يصبحون محبطين وعدوانيين، ويُفترض على الآباء أن ينقلوا هذه التجربة إلى أطفالهم الذين تتطور لديهم بشكل كامل إلى ثقافة فرعية من العنف.

لذلك ولمنع التدوير المستمر للتقاليد الثقافية الفرعية تقترح النظرية الثقافية الفرعية الصافية أو النقية أنّ الأشخاص الذين يحملونها يجب أن يتم تفريقهم بقوة وإعادة توطينهم في نظام الطبقة الوسطى، وبالنسبة لبعض المحللين فإنّ هذا التضمين البرنامجي لنظريتهم يجعلها أقل قبولًا بشكل عام.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: