اقرأ في هذا المقال
- تطور قوة البويهيين في العصر العباسي
- الأحداث التي جرت بين مرداويج وعلي بن بويه
- الأحداث التي جرت بين المظفر بن ياقوت وعلي بن بويه
تطور قوة البويهيين في العصر العباسي:
تعريف بنو بويه: هم سلالة يرجع أصلهم من بلاد الديلم (جنوب بحر الخزر)، وقد بسطت حكمها في غربيّ العراق وإيران عدة أعوام ويرجع أصلهم بنو بويه من مرتفعات جبال الديلم وينحدر في أصولهم إلى ملوك الساسانية. استمدوا اسمهم من أبو شجاع بويه، والذي لمع اسمه أثناء عهد الدولتين السامانية ثم الزيارية. لقد بدأت شموسهم تعلو عندما ولى مرداويج بن زيار الديلمي علي بن بويه بلاد الكرج إلى الجنوب الشرقي من همذان وكان علي بن بويه يتصف بالسماحة والحلم والشجاعة مما فاده في اكتساب القلوب.
فلدى وصوله الى الريّ في طريقه إلى ولايته ووصول غيره من القواد كذلك الذين أقطعهم مرداويج أعمالاً عرض علي بن بويه بغلة له ليقوم ببيعها ليستعين مبلغها وكان مبلغها ثلاثة آلاف درهم فاشتُريت البغلة للحسين بن محمد الملقب بالعميد وزير مرداويج ورأى علي بن بويه أن يُجامل الوزير فأخذ عشرة دنانير فقط وردّ الباقي الى العميد وجعل معه هدية جميلة إليه مما كان له أحسن الأثر في نفس العميد.
وفي تلك الأثناء عمل مرداويج على رجوعه عن قراره بتقليد هؤلاء الرجال تلك الأفعال فبعث إلى أخوه وشمكير في الريّ وإلى وزيره بأن يعطيهم أوامر بفسخ تلك العقود وبمنعهم من المسير إلى أعمالهم بل أنه أمرهما بردّ من كان خرج فعلاً. ولمّا كانت الكُتب تعرض على العميد قبل عرضها على وشمكير، فإن العميد رأى أن يرُدّ الجميل إلى علي بن بويه، فأرسل اليه يحثه على السير من ساعته إلى عمله، وقد أسرع على فعلاً في سيره فسار في وقت المغرب الى عمله.
وفي الصباح عندما قرأ شمكير الرسالة قام بتوقيف سير القواد إلى أعمالهم ومنعهم من الخروج من الريّ، وأخذ منهم ما أعطاهم أخوه مرداويج من العقود، وأراد أن يُرسل خلف علي بن بويه من يرده، فنصحه العميد بألا يفعل وقال له : (إنه لا يرجع طوعا، وربما قاتل من يقصده ويخرج عن طاعتنا).
الأحداث التي جرت بين مرداويج وعلي بن بويه:
في ولاية مرداويج للكرج ذهب علي بن بويه سيرة حسنه في الناس وفي العمال، مما قام بجعل هؤلاء إلى أن يرسلوا إلى مرداويج بن زيار يشكرون له توليته لذلك الوالي العادل، ويصفون له سيرته فيهم، وكيف أنه أحكم الأمور وضبطها. ومن ناحية أُخرى تمكن علي بن بويه من استغلال مواهبه الحربية فافتتح قلاعاً للخرمية، وحصل نتيجة لذلك على أموالٍ وافرة استغلها في التمكين لنفسه في ولايته عن طريق شراء القلوب بالصلات والهبات.
ولم يكن ذلك بالأمر الذي يُرضي مرداويج فأراد إثارة القلاقل لعلي ابن بويه، فأرسل اليه جماعة من قواده لينالوا أرزاقهم من ولاية علي. ووزن علي بن بويه الأمور، ورأى أن يستفيد من هؤلاء القواد حتى يأتيه النفع من حيث أراد له مرداويج الضرر، فاستمالهم وأرضاهم وأنعم عليهم بالصلات، وكانت النتيجة أن صاروا من رجاله.
وأدرك مرداويج خطأه وأراد تداركه باسترجاع هؤلاء القادة فكتب إلى علي بن بويّه وإلى القادة في هذا الشأن، ولكنه لم يصل إلى ما أراده، وذلك أن علي بن بويه خوف هؤلاء القادة من عودتهم إلى مرداويج وأخذ عليهم العهود لنفسه فأجابوه جميعاً إلى ذلك. وكان هؤلاء القادة في تصرفهم هذا، ينظرون إلى مصلحة أنفسهم، ولم يكن شأنهم شأن الرعية المُستقرة التي تطيع إذا أمرت. وشاءت الظروف آنئذ أن ينظم إلى علي بن بويه أحد قواد الديلم وهو شيرزاد فقويت نفسه بذلك.
ومع ما وصل إليه علي بن بويه من قوة فإنه كان يُدرك أنه قبل كل شيء أحد عمال مرداويج، وأن مرداويج لن يسكت عنه، وأن يد مرداويج قد تصل إليه في أي وقت فلا بأس من أن يطمح ببصره الى الدخول في طاعة الخلافة ليكون في خدمتها، بدلاً من خدمة مرداويج. سار علي بن بويه في ثلاثماة من جنده قاصداً أصبهان.
الأحداث التي جرت بين المظفر بن ياقوت وعلي بن بويه:
راسل أصحاب أصبهان المظفر بن ياقوت الذي تجهز لقتاله في عشرة آلاف فارس بعد أن رفض مطلب علي بن يويه بتحريض من أبي علي رستم صاحب خراج أصبهان، وساندت الظروف علي بن بويه بوفاة أبي رستم على آنذاك، والتقى بجند المظفر ياقوت على مقربة من أصبهان، ونجح علي ابن بويه في استمالة ستمائة رجل من جند المظفر مُستغلا ما يربطهم بجنده من رابطة العصبية حيث كانوا من الجيل والديلم، وكانوا قد علموا من خصال علي بن بويه ما حببهم في الانضمام إليه.
وهكذا تمكن علي بن بويه يعدّ قتال شديد من تحقيق النصر على المظفر بن ياقوت والاستيلاء على أصبهان، وكان لهذا النصر صداه في جانب الخلافة وفي جانب مرداويج، ففي حين استعظمت الخلافة ذلك رأى فيه مرداويج خطراً لابد من حسمه، والقضاء عليه وذلك أنه خاف على ما بيده من البلاد، أما الناس فقد عظم في عيونهم علي بن بويه لأنه في تسعمائة رجل هَزَمَ ما يُقارب عشرة آلاف رجل.
على أية حال رأى مرداويج أن رجلاً مثل علي بن بويه لا يُمكن القضاء عليه إلا بأعمال الحيلة، فارسل إليه رسالة يُعاتبه فيها ويحاول استمالته، وأظهر كانما كان يقّره على ما فعل ولكن على شرط أن يظهر طاعته لله، وأنه على استعداد لإمدادة بما يحتاجه من جند حتى يتمكن من فتح ما يريد من البلاد. وأنه لا يطلب منه سوى الخطبة له في البلاد التي يتولى عليها.
وكانت خطة مرداويج تقتضي على عدم انتهاز الفرصة لعلي بن بويه لكثير تفكير في رسالته، ففي الوقت الذي قد يداخل فيه علي بن بويه شيء من الطمأنينة لرسالته إليه يكون جيشاً كبيراً بقيادة أخيه (وشمكير) قد فاجاه بالنزول عليه، وتسربت أخبار تلك الحملة إلى علي بن بويه فرحل دون انتظار لمواجهة قد يخسر فيها وذلك بعد أن جبى خراج أصبهان مدة شهرين. وكلى علي بويه يرى أن بقاءه في أصبهان لن يُبعده كثيراً عن سطوة مرداويج، كما أن بقاءه فيها سيثير سخط الخلافة عليه من ناحية أُخرى لأنها كانت حريصة على موقع أصبهان.
سار علي بن بويه عن أصبهان ميمما شطر مدينة أرجان، التي تقع في منتصف الطريق بين أصبهان وشيراز، وتمكّن في ذي الحجة سنة (321 هجري)، من الاستيلاء عليها دون قتال حيث أدرك صاحبها أبو بكر ابن ياقوت عدم قدرته على مواجهة علي بن بويه الذي هَزَمَ والي أصبهان الذي كان أكثر قوة، وآثر أبو بكر بن ياقوت أن ينسحب جنوباً قاصداً رامهرمز، لعله يفلح مع غيره في التمكن من الوقوف في وجه ابن بويه.
ومن ناحية أُخرى تمكّن جيش وشمكير من دخول أصبهان، ولكن يبدو أن الخلافة كانت تنتظر بعين الحذر إلى وجود مرداويج في أصبهان لذلك أرسل الخليفة القاهر بالله إلى مرداويج يأمره بتسليم المدينة الى محمد بن ياقوت، فأطاع مرداويج أمر الخلافة ووليها محمد.
وبقي علي بن بويه في أرجان مُدة، تمكّن في خلالها من إراحة جنده، ومن الحصول على مال يتقوّى به، وهناك وافته كتب أبي طالب زيد بن علي يحثه على السير الى شيراز، ويهون له أمر ياقوت صاحبها وأمر اصحابه، وأن شيراز لن تكون مع ياقوت عليه وذلك لتهور ياقوت واشتغاله بجباية الأموال وكثرة مئونته ومئونة أصحابه، وثقل وطأتهم على الناس مع فشلهم وجبنهم.
ورغم ذلك فإن علي بن بويه كان يخشى وقوعه بين ياقوت من جهة وابنائه من جهة أُخرى ففضل المكوث في أرجان، غير أن كتب أبي طالب لاحقته بخبر جديد يمثل خطورة على علي بن بويه وذلك أن مرداويج قد كتب إلى ياقوت حتى يجتمع معه على مُحاربة عدوهما المشترك.
وخوفه أو طالب من أنهما إذا اجتمعا على مُحاربته لم يكن له بهما طاقة، وأوضح له رأيه بقوله: (إن الرأي لمن كان فى مثل حاله أن يُعاجل من بين يديه، ولا ينتظر بهم الاجتماع والكثرة أن يحدقوا به من كل، جانب فإنه إذا هَزَمَ من بين يديه خافه الباقون ولم يقدموا
عليه.
وقَبِلَ علي بن بويه بالدخول صوب النوبندجان بمواطاة من مالكها الذي قد تنحى عنها إلى بعض القرى، وقام بإمرة وكلاءه بتقديم الخدمات لعلي بن بويه، ومن هناك بعث علي بن بويه أخوه الحسن بالتوجه إلى كازرون، وبعض أعمال فارس لاستجلاب أموال تعوضه عن خسائره وتمكّن الحسن من هزيمة جيش لياقوت، عند كازرون رغم قلة جنده، وعاد مُحملاً بالأموال والغنائم إلى أخيه.
لم يجد علي بن بويه طريقة إلا الخروج من النوبندجان عندما عَرِفَ صدق المُراسلات بين مرداويج ووشمكير من ناحية وياقوت من ناحية أُخرى وخاف من اجتماعهم عليه وتمكن من الوصول إلى اصطخر ثم إلى البيضاء وياقوت يسير في أثره، وتمكن ياقوت في النهاية من أن يسبق علي بن بويه إلى قنطرة، يعلم مسيره إليها في طريقه إلى كرمان.
ومنع ياقوت علي بن بويه من المرور مما أدى بعلي بن بويه طريقه الوحيد هو مُحاربته، وتمكّن بفضل ما أبداه من بسالته وسياسته في جنده أن يُحقق النصر، فقد جمع علي بن بويه أصحابه وحمسهم على خوض القتال ووعدهم حُسن المكافاة وفي ذلك يقول مسكويه: (فاستدعى علي بن بويه أصحابه ليلة الخميس وأعلمهم أنه يترجل معهم ويُقاتل كأحدهم ووعدهم ومناهم، واستوثق منهم الإيمان في الثبات والجهاد والجد.