قبل أن نتعلم بالتفصيل عن نظريات علم الإجرام النسوي والتفسير النسوي لجريمة الإناث والتأثير والإحصاء وما إلى ذلك، يجب أن نعرف أولاً الحاجة وأهمية دراسة وجهات النظر النسوية في علم الإجرام، والسبب في ذلك هو أنّ علم الجريمة والدراسات ذات الصلة تجاهلت المرأة إلى حد كبير، وكانت هناك سيطرة ذكورية على تطوير وبناء المعرفة الإجرامية ونشرها، وإنّ القول بأنّ المرأة ليست الوحيدة التي يجب تجاهلها واستبعاد الإناث من الدراسة يستدعي بعض الأسئلة الأساسية التي تحتاج إلى معالجة حول مدى كفاية التحليلات التي يتم إجراؤها.
علم الإجرام النسوي والنظريات النسوية
اعتبارًا من الآن حان الوقت للنسويات اللاتي يعملن في علم الإجرام لإجراء المزيد من الأبحاث حول النساء، ولكن ليس فقط من خلال تجميع الدراسات الاستقصائية وغيرها من المعلومات بدلاً من تحليل أطر علم الإجرام النسوي خارج مكان التضامن، وبالتالي نحن بحاجة إلى تفكيك الأطر الحالية المتعلقة بعلم الجريمة وإعادة بنائها مع إيلاء الاهتمام الأساسي للمشروع النسوي السائد.
وعلى الرغم من أهمية الأفكار التي برزت الجنس في علم الجريمة النسوي فأنّه لا يوجد نهج نسوي واحد، وبدلاً من ذلك علم الإجرام النسوي كجزء من النظرية النسوية تم إعلامه من خلال مجموعة متنوعة من وجهات النظر النسوية.
تفسير الجريمة من منظور نسوي ليبرالي
تناول بعض العلماء دراسة الفتيات والنساء والجريمة من منظور نسوي ليبرالي، حيث يرى هذا المنظور الحرمان بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية الأخرى التي تواجهها المرأة كنتيجة مباشرة لمجتمع يعتبر المرأة غير متساوية مع الرجل، ويعتقد أنّه إذا كان التمييز ضد المرأة فهي المشكلة، حيث إنّ القوانين التي تفرض المساواة في المعاملة على أساس الجنس هو الحل.
غالبًا ما يشير العلماء الذين يتبنون هذا التقليد إلى عدد لا يحصى من النساء والرجال الذين عوملوا بطرق غير متكافئة من قبل نظام العدالة الجنائية، مثل عدم السماح للنساء في هيئات المحلفين حتى منتصف القرن العشرين والصعوبات التي واجهتها النساء في الالتحاق بكليات الحقوق خلال معظم القرن العشرين، ويستخدم المدافعون عن الرأي الليبرالي التعليم والتكامل والتقاضي لمعالجة عدم المساواة بين الجنسين.
تفسير الجريمة من منظور نسوي راديكالي
ترى النسويات الراديكاليات أنّ النظام الاجتماعي القائم لا سيما النظام المتجذر في النظام الأبوي (الترتيبات المؤسسية التي تفرض امتياز الذكور) أمر حاسم لفهم وضع المرأة (وجريمة المرأة)، وهكذا تتجاوز النسويات الراديكاليات مجرد استخدام البنية الاجتماعية كإطار تفسيري.
كما تتحدى بشكل مباشر النظام الحالي كطريقة واحدة لموازنة قوة ومكانة الرجل والمرأة داخل المجتمع، وبالتالي رفع الوضع العام لجميع النساء، وكان العلماء الذين يتبنون هذا المنظور مسؤولين عن الإبلاغ عن طبيعة ومدى إيذاء الإناث (على وجه الخصوص ضرب الزوجة والاعتداء الجنسي) على أيدي الذكور غالبًا في علاقات حميمة وغير متوازنة في السلطة.
تفسير الجريمة من منظور نسوي ماركسي
يرى العلماء الماركسيون أنّ الأنظمة الرأسمالية تشكل إشكالية خاصة للمجتمعات بشكل عام، فالعلاقات الطبقية غير المتكافئة حيث يمتلك الأفراد في الطبقات العليا القدرة على التحكم في من هم في الطبقات الدنيا (على سبيل المثال من خلال الأجور والوصول إلى سن القوانين ومؤسسات السلطة الأخرى)، وتثبت أنّها إشكالية بطرق لا تعد ولا تحصى للأشخاص الذين ليس لديهم سلطة، ومن الواضح أنّ هذا المنظور يركز على جرائم الأقوياء والتي لا تتم ملاحقتها في كثير من الأحيان في حين يتم المبالغة في جرائم الضعفاء ومراقبتها بشدة.
تفسير الجريمة من منظور نسوي اشتراكي
تماشياً مع الرأي الماركسي ترى النسويات الماركسيات أنّ الرأسمالية هي الهيكل الاجتماعي الأكثر أهمية، وهو هيكل يضع النساء في وضع غير مؤاتٍ مجتمعيًا على الرجال لأنهن أكثر تهميشًا اقتصاديًا من نظرائهن من الرجال، حيث تشير النسويات الاشتراكيات إلى أنّ اثنين من أهم الظروف البنيوية الاجتماعية وهما الرأسمالية والنظام الأبوي وتضعان المرأة في وضع غير مؤات، وبالتالي يميل هؤلاء العلماء إلى أخذ نظرة أكثر شمولية حول كيفية وضع المرأة في المجتمع من حيث القوة والمكانة.
على المستوى الإجمالي تحتل النساء بشكل عام سلطة ومكانة أقل مقارنة بالرجال، وهكذا ترى النسويات الاشتراكيات أنّ العيوب التي تواجهها المرأة كنتيجة مباشرة لهذا التنسيب، ومن هذا المنظور سيحتاج المجتمع إلى إعادة هيكلة كاملة بعيدًا عن كل من الرأسمالية والنظام الأبوي للتخفيف من عدم المساواة بين الجنسين والطبقية.
تفسير الجريمة من منظور الموجة الثالثة
تركز النسويات من الموجة الثالثة على كيفية تقاطع الجنس والعرق والطبقة لوضع بعض النساء في وضع غير مواتٍ أكثر من غيرهن، فبالنسبة للعديد من الباحثين النسويين يمثل هذا المنظور تحسنًا مهمًا مقارنة بالآخرين لأنّ الأثر السابق كان أنّ جميع النساء يقعن على قدم المساواة داخل المجتمع، ومع ذلك فقد أوضحت النسويات من الموجة الثالثة نقطة مهمة وهي أنّه يجب ملاحظة الفروق البارزة في الاختلافات الطبقية والعرقية.
بعبارة أخرى على الرغم من أنّ النساء مقارنة بالرجال يعانين من الحرمان فليس كل النساء متساويات في المكانة والتقدير داخل المجتمع، ومن المؤكد أنّ للجنس تأثير كبير على وضع الشخص في الأنظمة الاجتماعية والطبقية وأنظمة السلطة في المجتمع ولكن كذلك الأمر بالنسبة للعرق والعرق والطبقة.
أهم ما خرجت به الأبحاث النسوية
تتضمن بعض الجوانب الأكثر بروزًا للجنس فيما يتعلق بالجريمة ونظام العدالة الجنائية والتي أبرزتها الأبحاث النسوية:
1- أنّ فكرة الفتيات والنساء في نظام العدالة الجنائية أكثر عرضة من الفتيان للإيذاء الجنسي والجسدي.
2- كما أنّ النساء في نظام العدالة الجنائية غالبا ما يكونن وحدهن من يقدمن الرعاية للأطفال المعالين.
3- أخيراً أنّ الإساءة التي ميزت طفولتهم تستمر حتى مرحلة البلوغ.
إلى جانب هذه الاختلافات تشترك الفتيات والنساء المجرمات مع نظرائهن من الذكور في سمات معينة، وهي من المرجح أن تأتي الفتيات والنساء اللائي يرتكبن جرائم من مجتمعات مهمشة اقتصاديًا وكثير منهن لهن تاريخ وظيفي متقطع للغاية والعديد من الفتيات والنساء في السجن ينتمين إلى مجموعات الأقليات العرقية، ومن المهم أن نلاحظ أنّ دراسة الذكورية ظهرت أيضًا حيث ركزت النسويات على الدور الذي يلعبه الجنس في التسبب في الجريمة.
ومن خلال دراسة النوع الاجتماعي والجريمة والإيذاء أعاد الباحثون النسويون تركيز الانتباه على المذنبين الذكور والدور الذي لعبه توقعات الذكور بين الجنسين في الجريمة، ومرة أخرى اعتبر الكثير من الفكر الإجرامي أنّ السلوك الإجرامي هو مجرد سلوك إجرامي ذكوري، وهناك قلة تساءلوا على وجه التحديد كيف تؤدي التنشئة الاجتماعية للذكور أو الإناث إلى المشاركة في الجريمة والعنف، وكذلك من المهم أن نلاحظ أنّه على الرغم من عدم وجود نظرية نسوية واحدة فإنّ كل هذه النظريات القائمة على النسوية لها الجنس.
عادةً ما يكون الجنس الأنثوي باعتباره الشاغل المهيمن في بحثهم العلمي، وضمن علم الجريمة والعدالة الجنائية تنظر هذه النظريات النسوية على وجه التحديد في العيوب التي تواجهها الفتيات والنساء في المجتمع وكيفية ارتباطها بالإيذاء والوظائف الإجرامية، وأخيرًا غالبًا ما تقدم هذه المنظورات النظرية اقتراحات لتحسين محنة الفتيات والنساء في المجتمع لتقليل حاجتهن للانخراط في السلوك الإجرامي.