حرص معاوية بن أبي سفيان على توطيد الأمن في خلافته

اقرأ في هذا المقال


من القواعد التي قامت عليها سياسة معاوية بن أبي سفيان الداخلية نشر الأمن في جميع أنحاء الدولة الأموية، ومن أجل تحقيق الخليفة هذا الهدف قام بالعديد من الأمور.

الأمور التي عمل بها معاوية بن أبي سفيان لتوطيد الأمن في خلافته:

1- الحاجب:

كان الخليفة معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام؛ وذلك حتى يحمي نفسه من أي محاولة اغتيال، وكان أيضاً يعتبر مظهراً من المظاهر الملكية في تلك الحقبة التاريخية، وعبر ابن خلدون عن ذلك وقال: كان أول شيء بدأ به في الدولة شأن الباب وستره دون الجمهور، لما كان يخشون على أنفسهم من اغتيال الخوارج وغيرهم، كما حصل مع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
وما يعزز من أراء ابن خلدون اتخاذ معاوية بن أبي سفيان بعد محاولة الخوارج في اغتياله، ووضع الحاجب في مقصورته، والحراسه في الليل، ووقوف الشرطة عند رأسه في صلاته، وكان الخليفة يعيش هو بنو أمية وفي الشام، وكانوا قريبين من أعدائهم الروم.
وكان الشرط الذي يوضع للحاجب: أن يعرف منازل الناس وطبقاتهم وأنسابهم؛ حتى يستطيع التعرف على الشخص الذي يسمح له بالدخول، فالحاجب يقوم بإخبار الخليفة بمن يريد الدخول، والخليفة يقبل أو يرفض.

2- الحرس:

كان معاوية بن أبي سفيان أول من قام باتخاذ الحرس في الدولة الأموية؛ وذلك خوفاً من خطر الخوارج الذين كانوا يسعون لقتله، فقد أعطى أمره بوضعهم في المقصورات والجوامع، وكان لا يقوم بدخولها إلا من يثق بهم من الحراس، ولم يكتفي معاوية بهم بل اتخذ أيضاً المقاصير؛ لزيادة التشدد، وذكرت كتب التاريخ أسماء رؤوساء الحرس في عهد معاوية، وهم: المختار أبو المخارق، ويزيد بن الحارث العبسي.

3- الشرطة:

كان مهمة الشرطة تقتضي في الحفاظ على أمان الدولة، والقبض على السارقين والجُناة، بالإضافة إلى الدفاع عن الخليفة، وكانت لاتتدخل في أصد أي محاولة هجوم على الدولة، وعمل معاوية بن أبي سفيان على تنظيمها وتطويرها في الشام، وذكر المؤرخون أربعة من رؤوساء الشرطة الذين عينهم معاوية وهم: قيس بن حمزة الهمذاني، ويزيد بن الحر العنسي، وزمل بن عمرو العذري، والضحاك بن قيس الفهري.
وكان وجود الشرطة لا يقتصر على عاصمة الخلافة بل في الولايات الإسلامية كاملة، وكانوا يتبعون الولاة الذين يقومون باختيارهم وتعيينهم، وكان وجود الشرطة مهماً جداً في الدولة؛ لأنهم يحافظون عليها بقمعهم للمتمردين، والقضاء على الثورات، وكانت أحياناً تحل مكان الجند في حال غيابهم في الغزوات، وكلف الخلفاء الأمويون الشرطة بأعمال كثيرة داخل بلاد الشام وخارجها؛ فالضحاك بن قيس أرسل إلى يزيد بن معاوية وصية أبيه والبيعة له.

4- حسن اختيار الرجال والأعوان:

وفق معاوية بن أبي سفيان في اختيار أفضل الرجال والأعوان؛ فقد كانوا يتميزون بولائهم ووفائهم وخبرتهم الإدارية، بالإضافة للحكمة والدهاء، ومنهم: عمرو بن العاص السهمي، والمغيرة بن شعبة الثقفي،وزياد بن أبيه الثقفي، ويزيد بن الحر العبسي، والضحاك بن قيس الفهري، وعبد الله بن عامر بن كريز، وبالإضافة للعديد من المقاتلين الأشداء مثل: المهلب بن أبي صفرة، وعقبة بن نافع الفهري، ومالك بن هبيرة، وجنادة بن أمية الأزدي.
وكان عمرو بن العاص يقول: أنا للبديهة، ومعاوية للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها، وساهم كل رجاله في جميع ما يخص الدولة من الفتوحات والتصدي للأعداء، وكان لهم دور كبير في ومميز في ترسيخ وتوطيد وتثبيت الأمن ودعائم الخلافة الأموية.

5- استخدام المال في تأكيد ولاء الأعوان وتأليف القلوب:

اُعتبر معاوية بن أبي سفيان من أجواد العرب؛ لأنه استطاع استمارة القلوب ببذله وعطائه، كما أنه كان يجود بالمال مع المداراة، وكان إذا وصل له أي شيء عن شخص يكرهه يقوم باسكاته باعطائه المال.

6- اتباع سياسة الشدة واللين في الوقت نفسه حسب الظروف والأحوال:

ظهرت سياسة معاوية بن أبي سفيان هذه بشكل واضح بعد أن استطاع توطيد وتثبيت دعائم الخلافة الأموية، وقام بالكتابة إلى زياد بن أبيه في ذلك وقال: إنه لا يصلح أن أسوس وتسوس في الناس بسياسة واحدة، إنا إن نشتد جميعاً نُهلك الناس ونحرجهم، وإن نلن جميعاً نبطرهم، ولكن تلين وأشتد، وألين وتشتد.

7- اتباع سياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم:

لم يستطع معاوية بن أبي سفيان أن يقوم باتباع سياسة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ولا شك بعد أن زادت الأموال والخيرات في الدولة الأموية واتساعها أصبح اللجميع يطمع للتنعم فيها، وقد قال معاوية عن ذلك بشكل صريح: غير أني سلكت طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة، وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم.

8- اتخاذ سياسة إعلامية للإشادة به وبخلافته وجعل الناس يميلون له:

كان معاوية بن أبي سفيان يقول: أحب الناس إلي أشدهم تحبيباً لي إلى الناس، وعمل على سياسته هذه الخلفاء الأمويون من بعده فقد عملوا على استمالة العشرات من الشعراء، وأصرفوا عليهم الكثير من الأموال، فأشادوا بهم ووجوب الخلافة لهم وحقهم بها، كما ألحوا على الجميع بالطاعة لهم ونصرتهم.
واهتم معاوية بن أبي سفيان كثيراً بفن الدعاية والإعلام، وأعطى هذا العمل للعديد من الرجال الذين يهمهم أمره وينصرونه، فكان يُكثر من أُعطيات الشعراء وشيوخ القبائل؛ حتى يقوم بكسبهم، ويضمن وقوفهم إلى جانبه، وكان يُعطي مجالاً واسعاً إلى ولاته حتى يحققوا البعض من المكاسب السياسية والإعلامية والأمنية.
وكان معاوية بن أبي سفيان يقوم بامتصاص غضب الشعراء بصفة الحلم والعفو التي كان يتميز بها، فعندها هجا يزيد بن مفرغ الحميري بني زياد عندما كان مع عباد بن زياد في سجستان، فاشتغل عنه بحرب التُرك فاستبطأه وأثصيب عباد مع بعض الجنود، وكان عُباد عظيم اللحية، فأنهى شعره إلى عُباد وقيل: ما أراد غيرك، فطلبه عباد، فهرب منه، وهجاه بقصئد كثيرة.
وعندما هجا ابن المفرغ عُباد فارقه مقبلاً إلى البصرة، وعبيد الله كان قادم إلى معاوية بن أبي سفيان، فكتب عباد إلى عبيد الله ببعض ما هجاه به، فعندما قرأ عبيد الله الشعر دخل على معاوية فأنشده إياه، واستأذنه في قتل ابن المفرغ فرفض، وقال: أدبه ولا تبلغ به القتل.



شارك المقالة: