طبيعة الحركة وأهدافها:
مما لا شك فيه أن حركة الزَّنج التي قامت في عام (225 هجري)، وأنهت دولة الخلافة
العباسية، قبل أن تنهي عليها، مما يُلفت الانتباه، وتدعو الباحث إلى معالجتها من وللوقوف على طبيعة الحركة، لا بد لنا من سبر أغوار العناصر والفئات التي أيدتها أو شاركت فيها.
والواقع أن عماد الحركة تُمثل في بادىء الأمر، ببعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم. أما الفئات التي شاركت فيها، فهي متنوعة، الزَّنْج أهل القرى، العرب الضعفاء، عشائر عربية ثائرة على السلطة.
علي بن محمد الفارسي:
أما من حيث الشخصيات التي قادت هذا الجمعات. فمنها، علي بن محمد الفارسي الأصل. وهو شخصية مُحيّرة فعلاً، حيث يُلاقي الباحث صعوبات جمّة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعاً للظروف التى كان يمر فيها. واتصف بأنه رجل طموح وموهوب جداً وبعيدٌ عن الزهد لأنه شارك في السلب والنهب.
ويظهر أن حياته كانت غير طبيعية، فقد بدأ حياته كشاعر أولاً في ساحة الخلفاء بسامراء، ثم حاول القيام بنهضة ضد النظام في البحرين لمحاولة وصوله إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه. فسلك نهجاً جديداً. وظهر كقائد ديني ومتنبىء ونبي، فادعى نسباً مُحاولاً أن يستثمر من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحله أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج.
ويظهر أن مجموعة كثيرة العدد في البحرين قد نكروا له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب. وادّعى فيها النسب على أنهُ يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب، استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هُزْم وفرَّ إلى البصرة. ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية، حيثُ كان المجتمع البصري مُنقسماً على نفسه. فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل.
وفي الوقت نفسه، شاهد في حياة العبيد، فمنهم الذين يعملون في المستنقعات المجاورة، فرصة لتحقيق تطلعاته. لكنه طُرِدَ منها، فذهب إلى بغداد. استنبط في بغداد نسباً جديداً فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد. ثم حاول الوثوب إلى السلطة مُستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة. ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام (225 هجري)/(869 ميلادي)، ليتزعم حركة ثورية، مُدعياً أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يُعانونه من بؤس. كما اذعى العلم بالغيب وانتحل النبوة.
والظاهر أن فكرة المهدي المنتظر قد اصطحبت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية، فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة طالبيين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها. وركز كثيراً على عراقة أصله وكتبها على نقوده، وسمى نفسه (المهدي علي بن محمد) المنقذ.
وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذي تلائم مبادئه ميول أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة. وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون والآخر لون الخوارج.
لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفاهيمه لها، التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفْر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه، فقد جعلته خارجياً مُتطرفاً، يُضاف إلى ذلك، فقد عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزَّنج من أرقاء إلى مُلّاكين للعبيد.
والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يُفرّغها من أي صيغة عقائدية، ويجعلها حركة مُسلحة ضد النظام، ليس إلا كما يجعل من قائدها رجُلاً مغامراً طموحاً إلى السلطة. ومما لا شك فيه أن طموحات علي بن محمد السياسية المتمثلة بالاستيلاء على السلطة. تُعتبر الدافع الحقيقي لحركته مما حدّ من اندفاعها لدرجة كبيرة، وحصرها في فئة من الزّنج، وأبعد عنها تدريجياً الفئات الأخرى التي شاركت فيها.
دوافع الاستجابة لحركة الزَّنج:
حركت هذه الجماعات المتعددة التى التفت حول علي بن محمد دوافع مختلفة منها:
- تحدي الحكومة المركزية للخروج من دائرة البؤس والشقاء.
- الحصول على المغانم عن طريق السلب والنهب .
- التخلص من العمل الشاق أو من ضنك العيش.