حروب الروم في عهد الرشيد

اقرأ في هذا المقال


حروب الروم في عهد الرشيد:

كان الحرب في بلاد الروم لا يتوقف، وتكاد تكون أيام الصيف كلها حروباً، أما أيام الشتاء فقلما تحدث فيها الحروب لأن البرد شديد في بلاد الروم وخاصة أن الثغور يقع مُعظمها في أعالي جبال طوروس حيث تتغطى بالثلج أغلب فصل الشتاء والربيع.

سار على رأس الصائفة عام (171 هجري)، سليمان بن عبد الله البكاء. وقادها عام (172 هجري)، إسحاق بن سليمان بن علي. واتجه الرشيد بنفسه إلى بلاد الروم عام (181 هجري)، وافتتح حصناً يقال له الصفصاف. كما غزا في العام نفسه بلاد الروم عبد الملك بن صالح ووصل إلى أنقرة. وفي العام التالي (182 هجري)، سار على رأس الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فوصل إلى بلدة أصحاب الكهف. وفي هذا العام سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن أليون، وخلعوه، وأقرّوا أمه (ريني) على الحكم، وتلقب (أغسطه).

وفي عام (183 هجري)، خرجت الخزر من ثلمة أرمينيا على الناس فسبوا كثيراً من المسلمين وأهل الذمة، وقيل: إن عدد السبي قد زاد على مائة ألف، فأرسل الرشيد إلى تلك الجهات خُزيمة بن خازم، ويزيد بن مزيد فأصلحوا ما أفسدت الخزر، وطردوهم من تلك الديار.

وفي عام (187 هجري)، تم نقض العهد الذي كان بين الروم وبين المسلمين، والذي عقده الرشيد مع الملكة (ريني)، إذ أن الروم قد خلعوها، وسملوا عينيها، وولوا عليهم (نقفور). ويقال: إنه من سلالة آل جفنة إذ من المعلوم أن جبلة بن الأيهم الغسّاني قد فرَّ إلى بلاد الروم بعد أن ارتد عن الإسلام وبقيت أُسرته هناك على النصرانية.

وذهب القاسم بن الرشيد على رأس الصائفة فقام بمُحاصرة الجيش الرومي حتى افتدوا أنفسهم بعددٍ كبير من أسرى المسلمين الذين كانوا بيد الروم يطلقونهم على أن يرجع عنهم. وبعد مُدة كتب (نقفور) إلى الرشيد: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثاله إليها، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فأردد إليّ ما حملته إليك من الأموال وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك.

فلما تمعنَّ هارون الرشيد بالرسالة أشتد عليه الغضب حتى لم يستطيع أحد من النظر إلى وجهه، ولا يستطيع مُكالمته، وأشفق عليه من حوله خوفا منه، ثم أخذ يستدعي بدواةٍ وكتب على ظهر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم. قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه والسلام.

ثم شخص من فوره وذهب حتى وصل بباب هرقلة فقام بفتحها وجعل ابنة ملكها، وحصل من الأموال شيئاً كثير، ودمر وأحرق، ما كان رد أن طلب نقفور من توديع على خراج يعمل به في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك، فلما رجع من غزوته وصار بالرقة نقض الكافر العهد وخان الميثاق، وكان البرد قد اشتد جداً فلم يقدر أحد أن يجيء فيخبر الرشيد بذلك لخوفهم على أنفسهم من البرد. حتى يخرج فصل الشتاء.

وفي العام التالي (188 هجري)، خرج على رأس الصائفة إبراهيم بن إسرائيل فدخل بلاد الروم من درب الصفصاف فخرج نقفور للقائه، فانهزم نقفور، وجُرِحَ ثلاث جراح، وقُتل من جيشه أربعون ألفاً. وفي عام (189 هجري)، رابط القاسم بن الرشيد في مرج دابق. وفادى الرشيد الأسارى من المسلمين الذين كانوا ببلاد الروم، حتى لم يبق أسير واحد.

الأحداث التي جرت في بلاد الروم في عهد الرشيد:

وفي عام (190 هجري)، خرج الرشيد لغزو الروم، فخرج إليه نقفور بالطاعة، ودفع الجزية حتى عن نفسه، وعن ابنه، وكان مقدار الجزية خمسة عشر ألف دينار سنوياً. وطلب نقفور من الرشيد جارية أسرها المسلمون، هي ابنة ملك هرقلة، فاشترط الرشيد عليه ألا يُعمّر هرقلة، وأن يدفع ثلاثمائة ألف دينار سنوياً. ورجع الرشيد، واستناب على الغزو عقبة بن جعفر. ونقض أهل قُبرص العهد فغزاهم معيوف بن يحيى، فسبى من أهلها كثيراً وقتل كثيراً.

وفي عام (191 هجري)، ذهب يزيد بن مخلد الهبيري بعشرة آلاف مُقاتل إلى بلاد الروم، فحاصرت عليه الروم المضيق فقاموا بقتله بخمسين من أصحابه، على فترتين من طرسوس، وفرَّ الباقون، وولّى الرشيد غزو الصائفة لهرثمة بن أعين، وضمَّ إليه ثلاثين ألفاً. وخرج الرشيد إلى ثغر (الحدث) ليكون قريباً من الغزو.

وأمر الرشيد بهدم الكنائس والأديرة، وألزم أهل الذمة بتمييز لباسهم وهيئاتهم في بغداد وغيرها من البلدان. ثم سار الرشيد في بلاد الروم فدخل مدينة هرقلة في شوّال فخرّبها، وسبى أهلها، وبثّ الجيوش والسرايا بأرض الروم إلى عين زربة، والكنيسة السوداء. وولى الرشيد على سواحل بلاد الشام ومصر حميد بن معيوف فدخل قبرص، فسبى أهلها، وباعهم. وفي عام (192 هجري)، ولَى الرشيد على الثغور ثابت بن نصر بن مالك فدخل بلاد الروم، وفتح بلدة مطمورة، ثم جرى صلح بين المسلمين والروم.


شارك المقالة: