بدايات في حياة مسلمة بن عبد الملك
مسلمة بن عبد الملك هو أحد أبناء عبد الملك بن مروان، والذي يعتبر المؤسس الثاني للدولة الأموية، وهو الأخ غير الشقيق للخلفاء سليمان ويزيد وهشام والوليد، ويُذكر أن أمة كانت جارية لذلك لم يتولى الخلافة على الرغم من أنه أكبر منهم وأجدر بالخلافة.
كان مسلمة قائدًا شجاعًا وسياسيًا محنكًا، خاض الكثير من الحروب والمعارك وقاد العديد من الحملات على داغستان وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وروسيا والعراق و الأناضول، حقق الكثير من الإنجازات وفتح الكثير من المناطق، وقضى على الكثير من الثورات التي حاولت الإطاحة بالدولة الأموية.
يُذكر أن والده الخليفة عبد الملك بن مروان أوصى أولاده بعدم التفريط بأخيهم مسلمة، وأخذ مشورته في أمور الحكم، لأن أمهات أبناءه أحرار وأم مسلمة جارية والسبب الأهم هو معرفة وثقة الخليفة بابنه الذي يمتلك الجرأة والشجاعة والقدرة في قيادة الجيوش وخوض المعارك.
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، فاستطاع المسلمون إسقاط الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وسيطروا على بلاد الشام ومصر من الإمبراطورية البيزنطية، وبذلك أصبحت مناطق شمال وجنوب الأناضول مناطق حدودية بين البلدين، ومناطق نزاعات دائمة.
وبذلك كانت الإمبراطورية البيزنطية هي العدو الأكبر للدولة الأمويّة وبذلك استمرت الحروب والنزاعات بين الدول الإسلامية المتعاقبة والدولة البيزنطية لمدة طويلة ومن ضمنها هذه الحروب حملات فتح القسطنطينية -عاصمة البيزنطيين- والتي استمرت حتى تم فتحها عام (1453) على يد محمد الفاتح.
كان مسلمة بن عبد الملك دائمًا في صبحة عمه محمد بن مروان والي بلاد أرمينيا وأذربيجان، ومن هنا بدأت إنجازات مسلمة بن عبد الملك، حيث قام عمه بتسليمه قيادة إحدى الحملات على الرغم من صغر سنه، حيث كان في العشرين من عمره، وبذلك رافق عمه بالكثير من الحملات من ضمنها فتح دربند، وقد عاش (54) عامًا أمضى منها (35) عامًا في قيادة الجيوش، كان حلم المسلمين متوارثًا بالنسبة لفتح القسطنطينة، فقد قاموا بالعديد من الحروب والفتوحات من أجل الوصول لهذه اللحظة.
حملة مسلمة بن عبد الملك على القسطنطينية
من عام (715) كان مسلمة القائد العام لحملة فتح القسطنطينية في عهد أخيه الخليفة سليمان لفتح العاصمة البيزنطية القسطنطينية، حيث كان سليمان نفسه مريضً بحيث لم يتمكن من قيادة الحملة بنفسه، قاد مسلمة جيشًا كبيرا، أفادت المصادر أنه بلغ (125) ألف جندي و(1800) سفينة، في نهاية عام (715)، اتجهت قوات الاستطلاع العربية جبال طوروس إلى الأراضي البيزنطية، ولحقت بها قوات مسلمة في ربيع (716) بالجيش الرئيسي والأسطول.
وقد ساعد الأمويون الصراع الداخلي الذي عانى منه البيزنطيين منذ عام (695)، حيث تم الإطاحة بالإمبراطور أناستاسيوس الثاني من قبل ثيودوسيوس الثالث في عام (715)، والذي عارضه بدوره استراتيجيو موضوع الأناضول، ليو الإيساوري.
استغل مسلمة بن عبد الملك الخلافات بين البيزنطيين وبدأ اتصالات مع ليو، لكن الأخير استخدم المفاوضات لخداع القائد مسلمة وقام باحتلال مدينة عمورية الاستراتيجية، التي كان مسلمة ينوي استخدامها كقاعدة شتوية له.
بعد ذلك ذهب مسلمة إلى المناطق الساحلية الموجودة في الغرب وهناك قضى الشتاء، بينما اتجه ليو إلى القسطنطينية في مارس (717)، تحرك مسلمة مع جيشه من آسيا إلى أوروبا فوق الدردنيل، وقاموا بمحاصرة القسطنطينية من البر والبحر.
تمت محاصرة الأسطول البحري الأموي باستخدام النيران اليونانية، ولأنّ جيشه لم يتمكن من القضاء على الدفاعات البرية للقسطنطينية، استمر الحصار حتى فصل الشتاء، والذي كان شديدًا بشكل خاص في ذلك العام، مع تساقط الثلوج على الأرض لمدة ثلاثة أشهر.
جلب مسلمة الكثير من الإمدادات لكنها نفدت أو ضاعت فقد خدع القائد البيزنطي مسلمة مرة أخرى أثناء المفاوضات لتسليم أو تدمير جزء كبير من الإمدادات المخزنة لديه وبدأ الجيش يعاني من الجوع والمرض.
في الربيع، وصلت التعزيزات على شكل أسطولين كبيرين من مصر وإفريقية، لكن قسمًا كبيرًا من أطقمهم، ومعظمهم من المسيحيين الذين تم تجنيدهم، ذهب إلى البيزنطيين، وتمكن أسطول ليو من تدمير أساطيل الدولة الأموية والاستيلاء عليها.
قام البيزنطيون بهزيمة جيشًا أمويًا سار من أجل مساعدة المحاصرين عبر آسيا الصغرى(تركيا)، بينما كان جنود مسلمه بن عبدالملك يواجهوا هجمات البلغار، والتي راح ضحيتها الكثير من الجنود، وبذلك لم ينجح حصار القسطنطينية، وأمر الخليفة الجديد، عمر الثاني (717-720)، مسلمة بالانسحاب، في (15) أغسطس (718) وذلك بعد مرور سنة وشهر من الحصار رحل الأمويين، على الرغم من فشل الحملة، إلا أن محاولة مسلمة للاستيلاء على القسطنطينية أصبحت مشهورة في الأدب الإسلامي اللاحق وكُتب عنها الكثير.