اقرأ في هذا المقال
- رأي ( دور كايم ) بحَتميَّة المشكلات الاجتماعية
- ماذا تقتضي حتميَّة المشكلات الاجتماعية وماذا تعني؟
- الفرق بين تقرير حَتميَّة المشكلات الاجتماعية كظواهر مُلازِمَة للمجتمع وبين الادِّعاء بحَتميَّة أشكالها وأنماطها
- نسبيَّة المشكلات الاجتماعية
- معنى نسبيَّة المشكلات الاجتماعية ببساطة
المشكلات الاجتماعية موجودة في جميع المُجتمعات بصورة حَتميَّة؛ لارتباطها بالتركيب الاجتماعي لأيِّ مجتمع، فكما أنَّ لكلِّ مُجتمعٍ نمطاً بنائيّاً خاصّاً بهِ فلهُ مُشكِلاته المُلازِمة والمُميّزة لهُ أيضاً، فمثلاً المجتمع التقليديّ الزراعيّ البسيط التركيب لهُ مشكلاتُه الخاصَّة البسيطة الشكل، وللمجتمع الصناعي المُعَقََّد التركيب مُشكلاته المُعَقّدة الأنواع بطريقة مُماثلة، ولكنَّ المشكلات الاجتماعية موجودة في هذا المجتمع أو ذاك على كلِّ حال بمستوى أو بآخر وبِلَون أو بآخر.
رأي ( دور كايم ) بحَتميَّة المشكلات الاجتماعية:
جادل دور كايم منذ حوالي قرن من الزمان أنَّه لو كان أمامنا دليل جدّي يؤكد لنا أنّ معدلات المُشكلات الاجتماعية تأخذ بالانخفاض مع تطوُّر المجتمع الإنساني من البساطة إلى التعقيد، أو تتَّجه نحو الهبوط مع تقدُّم الاكتشافات العلمية والوسائل التكنولوجية لدرجة يمكن فيها أن تختفي يوماً، لكان أمامنا بعض المُبررات لدراسة المشكلات الاجتماعية كظواهر مؤقَّته عابرة، وضمن حدود علم الاجتماع المَرَضي أو الباثولوجي.
ماذا تقتضي حتميَّة المشكلات الاجتماعية وماذا تعني؟
هناك بعض المُجتمعات البسيطة كانت تَعُدّ مشكلاتها الاجتماعية القليلة البسيطة في المناسبات غير السعيدة، وتُحصِي جرائمها وانحرافات أفرادها بأرقام العشرات على أسوأ تقدير، ولكنَّها اليوم لا تملك رغم تقدُّمها العلمي والتكنولوجيّ إلَّا أن تُخَصِّص لمشكلاتها اهتماماً بالغاً وتَحشُد لجرائمها وانحرافات أفرادها طاقات إحصائية وأمنية إضافية؛ لِتَحسبَ معدلاتها بالساعات، وفي كثير من الأحيان بالثواني والدقائق!
وهكذا تقتضي حَتميَّة المشكلات الاجتماعية، فهي لن تختفي يوماً، وإنما قدّ تكتفي بتغيير لونها وشكلها؛ وذلك لأنَّ السبب الذي يجعل مصادرها تَجِفُّ هو نفسه الذي يفتح أمامها فوراً مصادر جديدة للظهور، وذلك السبب العريض المُستمرُّ في البناء الاجتماعي للمجتمع، ولكي يتخلص مجتمع من مشكلاته الاجتماعية تماماً عليهِ أولاً أن يخرج من جَلَدِهِ، وأن يتخلَّص من بنائِه الاجتماعي ومقوّمات وجودهِ، واستمراره، وهذا طبعاً وبالتأكيد أمر مُستحيل.
الفرق بين تقرير حَتميَّة المشكلات الاجتماعية كظواهر مُلازِمَة للمجتمع وبين الادِّعاء بحَتميَّة أشكالها وأنماطها:
من الواضح أنَّ هناك فرقاً كبيراً بين تقرير حتميَّة المشكلات الاجتماعية كظواهر اجتماعية مُلازِمَة للمجتمعات جميعها وقابليَتها للتَشَكُل والتَّلَوّن، وبين الادّعاء بحَتميَّة جميع أشكالها وألوانها وأنماطها في جميع المجتمعات على الإطلاق، فالادّعاء الأخير ادّعاء غير معقول إذ تستطيع بعض المجتمعات أن تَدَّعي أنّ عندها أنواعاً مُعينة ومحدّدة من المشكلات الاجتماعية دون غيرها، ولكن لا يستطيع أيُّ مجتمع أن يَدَّعي أنه لا يعرف المشكلات الاجتماعية بشكل أو بآخر وبنمط أو بآخر وبمستوى أو بآخر.
فتفاوت المشكلات الاجتماعية أنماطاً ومعدلات وخطورة بين المجتمعات أمر نسبي، أمّا وجود المشكلات الاجتماعية نفسها فأمر حتمي.
نسبيَّة المشكلات الاجتماعية:
تعني النسبيّة هنا أنهُ لا وجود للمشكلات الاجتماعية خارج إطار المكان والزمان، وإنَّما دائماً ضمن إطار مجتمع مُعين وخلال فترة زمنية محدَّدة، ولا تُعرَف المشكلات الاجتماعية إلَّا ضمن محتوى اجتماعي ثقافي وسياسي واقتصادي مُعيَّن، فليست المشكلات الاجتماعية من المفاهيم العامَّة العائمة المُطلَقة، وإنما هي أحكام اجتماعية نسبية مُرتَبطة بثقافة المجتمع بكلِّ معاييرها الدينية والأخلاقية والعقائدية ومُمَارساتِها الاجتماعية.
ونظراً لاختلاف المعايير الاجتماعية وتفاوت المستويات الثقافية للمجتمعات ( بل وتباينها أحياناً داخل المجتمع الواحد غير المتجانس) يصبح من الصعب حقّاً الحكم على ظاهرة معينة كمشكلة اجتماعية أو إعلان فعل معين كجريمة، أو عنوَنة سلوك معين وانحراف بصورة مُطلقة، وفي كلِّ الثقافات والمجتمعات وفي جميع الحِقَب التاريخية ليست هناك مشكلات اجتماعية عالمية مطلقة؛ لأنَّ العالم ببساطة لم يوحّد اهتماماته، ولم يجمع مصالحه، ولم يتفق بَعد على مجموعة واحدة من المعايير الاجتماعية، ولم يُطَوّر بعد مستويات مُتجانسة من الأخلاقيات المقبولة في كلِّ مكان وزمان، وما يعتَبِره مجتمع اليوم أمراً مرغوباً فيهِ قد يعتبرهُ مجتمع آخر مُغاير ذو ثقافة مُغايرة مشكلة اجتماعية خطيرة.
معنى نسبيَّة المشكلات الاجتماعية ببساطة:
تعني الطبيعة النسبيَّة للمشكلات الاجتماعية ببساطة، أنَّ الإنسان مخلوق معياري، ولأنَّهُ كذلك يعلن شعوره الجَمعي، وحِسَه الأخلاقي دائماً في أي مجتمع، وفي أيِّ فترة من الفترات بأنَّ بعض الظواهر والأشكال السلوكية والمواقف الإنسانية تُمَثل بالنسبة إليه مشكلات، وأزمات واضطرابات ومخالفات وجرائم وانحرافات وذنوباً…الخ بدرجات متفاوتة.