إن معتقدات أمم العالم لما طلع فجر الإسلام كانت مزيجًا من الخرافات واالمعتقدات والأساطير، فالأساطير والخرافات الساسانية واليونانية كانت تسيطر على فكر أمم كانت تُعتبر من أكثر الأمم رقيًّا، وقد دوّن التاريخ خرافات ومعتقدات كثيرة للناس في شبه جزيرة العرب، وبنظرة على مظاهر الحياة اليومية في الجاهلية يواجه المرء كثيرًا من الخرافات، والتي رسخت في عقول العرب الجاهليين، ولربما أن هذه الخرافات والأساطير كانت أحد عوامل التخلف عن سائر أمم العالم آنذاك.
أشهر الخرافات الجاهلية:
العدوى:
العدوى كما هو معروف هي أن ينتقل المرض من شخص لآخر، إذ كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن المرض ينتقل من شخص لآخر بطبعه وفعله، لا بفعل الله تعالى وتقديره، إلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دحض هذا الاعتقاد بقوله: ” لا عدوى ” وذلك؛ حفظًا لجانب التوحيد، وتأكيدًا على أن الأمور كلها تجري بأمر الله وقدره.
الهامة:
اختلف العرب في تفسير الهامة فقد قيل: أنه إذا قُتل أحدهم ولم يأخذ أهله بثأره، ستخرج من رأسه دودة وبعضهم قال هي طير، فتأخذ بالدوران حول القبر، وهي تقول: اسقوني، اسقوني، فإن أخذ أهله بثأره ذهبت وولت دون عودة، وإلا بقيت، وفي تفسير آخر لهذه الخرافة، أنه قيل: إن العرب كانوا يتشاءمون من البومة إذا حطّت على منزل أحدهم، فيقول: نعت إلي نفسي، أو أحداً من أهل داري، أي أنها أنذرت بموت صاحب المنزل أو أحد من أهله، ولكن نبيّنا – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك الأمر، بقوله: ” لا هامة “.
الصّفر:
المراد بالصَفَر هو ما كان يعتقده العرب في الجاهلية من أن في بطن المرء دابة تتهيج عند الجوع، ولربما قامت بقتل صاحبها، وكانوا يرونها أعدى وأشد بلاءً من الجرب، وقد قيل: إن العرب آنذاك كانوا يتشاءمون من شهر صفر، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الاعتقاد والخرافة وأبطلها، بقوله: ” لا صفر ” قصد أنه لا صحة لما تعتقدونه من تلك الخرافة والتشاؤم من شهر صفر.
الغول والاستسقاء بالنجوم:
خرافة الغول شاعت كثيرًا في الجاهلية، والغول هو المفرد من الغيلان، والتي هي نوع من الجن والشياطين التي ادّعى العرب أنها تتراءى للناس في الصحارى، وتظهر لهم في أشكال شتى، فتُضلّ الناس وتهلكهم، وقد أبطل النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله: ” لا غول “.
أما خرافة الاستسقاء بالنجوم فقد كان العرب يقولون أنه حين ينزل المطر: مُطرنا بنوء كذا، أي بنجم كذا، وذلك لاعتقادهم أن الكواكب فاعلة مؤثّرة تُنشئ المطر بنفسها، فجاء النبي_صلى الله عليه وسلم_ وأبطل هذا الاعتقاد، وبين أنه من الكفر بالله، “فعن زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – قال: صلى لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، ومؤمن بالكوكب”.
ضرب الثور لتشرب البقرة:
هذه الخرافة مضمونها أن العرب كانوا يردون بقطيع الأبقار الماء، وقد يُقدم الثور على الشرب، ولا تشرب الأبقار، فيرون ذلك الفعل من وجود الجن في قرون الثور، فيقومون بضرب الثور؛ لتشرب الأبقار، وهذا ما نجده في أشعارهم، إذ قال أحدهم: ” فإني إذًا كالثور يُضرب جنبه …. إذا لم يعف شربًا وعافت صواحبه.
كيُّ الجمل السالم لتصحّ الإبل :
هذه الخرافة محتواها أن العرب إذا مرضت الإبل وبدا في فمها، أوعلى أحد أطرافها قروح أو بثور، كانوا يجيئون بجمل سالم فيكوون شفاهه وساعديه وذراعيه، وتفسير ذلك الفعل لتصحّ سائر الإبل كما يصور لهم المعتقد الخاطئ و حسب خرافاتهم، وقد وضع بعض المؤرخين احتمالًا، أن ذلك كان عملًا وقائيًا بل هو علاج علميّ، غير أن ذلك لا يعدو كونه خرافة ووهمًا.
كانت تلك بعض المعتقدات والخرافات التي كان العرب في الجاهلية يؤمنون بها ويصدقونها، وبعد ذلك جاء الإسلام ليدحضها ويبطلها، وبالنظر لها نجد أنها ما هي إلا معتقدات وموروثات مبنية على الجهل والخرافة، فكان إبطال الإسلام لها دليل على عظمته وفضله في إنارة العقول وجلاء الأفهام وتكريم البشرية بإبعادها عن كل طريق يستبعد في العقل، وتتسلط فيه الأوهام على السلوك والمعتقدات .