الخرافة وما يشتق منها من كلمات يتناقلها الناس بشكل دائم، كالخرف أوالتخريف، وهم يقصدون بها الكذب والابتعاد عن الحقيقة والمعقول، كما أن الإشارة عند البعض حين يقولون: أنهم سمعوا خبرًا خرافة، فهم يقصدون أنه خبر مكذوب وغير منطقي ومن صنع الخيال، والتفكير الخرافي يفتقر إلى السببية العلمية؛ إذ إن لكل الظواهر الاجتماعية والطبيعية سبب أو مجموعة من الأسباب، والتي من الممكن السيطرة عليها من خلال حصرها ضمن أسبابها وفهمها بشكل صحيح إلى أن نتحكم فيها.
هل تبني الخرافات مجتمعًا متقدمًا؟
يبحث التفكير المتعلق بالخرافة عن تأويل الظواهر الطبيعية والاجتماعية بعيدًا عن إطار أسبابها الواقعية، وفي الألب يكون البحث عن أسباب غيبية ميتافيزيقية، وتشيع الخرافة بشكل واسع كلما زادت صعوبة ظروف الحياة، وحين تزيد الأخطار المتعددة سواء كانت اقتصادية أواجتماعية أو أمنية، والتي تهدد مجتمعًا معينًا دون إيجاد الحلول الطبيعية والمستطاعة لذلك.
تشيع الخرافة في كثير من الأوساط الاجتماعية المختلفة، ذات الثقافات الفرعية مهنية كانت أو دينية أو طائفية، في بوتقة المجتمع العام، حيث يسود الاضطراب والقلق وانعدام الحلول الواقعية وعدم الاستقرار، ونشأت الخرافة في عصر سبق عصر الفلسفة، وهي أولى محاولات الإنسان ليفهم العالم حوله كي يقهره ويتغلب عليه.
عندما عجز وقصر الإنسان البدائي وانعدمت كفاية الوسائل المادية ونقصت خبراته عن حل المعضلات التي تواجهه، كل ذلك قاد خياله الساذج البسيط لانتقاء الخوارق كبديل للفهم المنطقي العقلي، وكذلك السقم والحزن والمصائب وضعف القوى العقلية ووهن الجسم فقد أخذت به إلى الإيمان بالسحر الذي لا يقف أمامه المستحيل، فهناك رابط قوي وثيق بين مستوى تقدم الفكر والتقنية وبين العقلية البدائية، فكلما كان الإنسان متأخرًا في فكره ومنطقه وأدواته التقنية، كان شديد الالتصاق بالخوارق والسحر والشعوذة والعكس صحيح.
إن التفكير الخرافي ما هو إلا عالم الخداع، فبالخرافة يوهم الإنسان نفسه، ويظن انه يسمتع بفرط العلم والمعرفة، وبها يؤول كل شيء، لقد كان أكبر انقلاب يحققه الفكر والعقل البشري من الناحية العقلية هو وعيه للخرافة على أنها خرافة ثم تمرده وثورته عليها في فجر التاريخ. ومنذ ذلك الوقت أخذ هذا التمرد يقوى ويشتد ساعده، وقد أُبعدت الخرافة مع الزمن من العلوم الطبيعية والاجتماعية والفلسفة وبتأصيل مناهج البحث العلمي في مختلف الظواهر.
يجدر بالذكر أن تقدم المجتمعات وتحررها من التخلف مرهون بالارتكاز على العلوم التقنية والاقتصادية والاجتماعية، فقد بُنيت الحضارات الإنسانية المعاصرة بالارتكاز على التراكم االعلمي لمعرفي في مجالات مختلفة نشهدها اليوم، ولم تشيد الخرافات أي عالم معاصر؛ ذلك أنها لا تلبي منطقيًا حاجات الأشخاص المتواصلة في عيش كريم وفي إيجاد حلول لمشكلاتهم.
وفي الوقت الذي تكاد تختفي فيه الخرافة من المجتمعات المتقدمة، إلا أنها تبقى في دوائرها الفردية الضيقة، فهي تنتشر بشكل كبير في المجتمعات المتأخرة، وتشكل تهديدًا لبناء المستقبل، لا يمكن الاستهانة به، بل أن البعض يستعين بها لتشييد المستقبل، وأي مستقبل هذا الذي يُبنى بالخرافة. والأكيد أن الخرافة ستبقى تلعب دورًا كبيرًا في نفسية الأفراد والمجمتعات مهما تقدمت العلوم والمعارف.
لا تُشيّد الدول الحديثة بالخرافة، حيث أن كل من دولة المواطنة والكرامة ودولة الديمقراطية والدستور والتداول السلمي للسلطة ودولة إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا بالرجوع إلى المعارف والعلوم، والاستفادة مما تركته لنا الحضارة الإنسانية من كم هائل من الإنجازات في مختلف المجالات، فهي ملك للجميع وليست فقط للدول المرجعية،فبهذا الشأن علينا أن نستثمرعوامل بقائنا واستمرارنا قبل الفناء.