إن طقوس الزار ما هي إلا طقوس دينية علاجية خرافية، جذورها ممتدة إلى المنطقة الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى في أفريقيا، وهذه المراسم تستخدم بشكل خاص لمعالجة الأمراض العقلية، والتي تُفسرعلى أنَّها “مسٌّ من الجن”، وهذه الطقوس تقودها كاهنة أو كما تُسمى “شيخة”.
حيث يتم إحياؤها كذلك لتهدئة الأرواح الشريرة بأن تقدّم الأضاحي والقرابين، وتُتلى الرقية وتُحضّر الأرواح بالرقص، يقول أحد الباحثين عن طقوس الزار إنها عادات ومعتقدات تناقلتها الأجيال على مدار السنين لاعتقادهم بأنها تبعد الحسد وتبعد الشيطان والأرواح الشريرة، ودق الزار تلك الطقوس الشعبية التي تعمل في معتقداتهم على طرد الجن، وتعتمد على دقات معينة صاخبة على الدفوف وإطلاق البخور، ولذلك فالزار حسب من يعتقدون به له وظيفة علاجية.
طقوس الزار عالم من الخرافة:
بدخولنا الى عالم الزار وسردابه المحكم بظلام الخرافة نرى أن رزانة البعد الانساني تزول في مجالسه، وتصبح الأمكنة فضفاضة للرقص العنيف والحركات الهستيرية على إيقاع الطبول الصاخبة والصراخ المشروخ كحشرجات تخرج من بين اضلاع الراقصين، فيها خيوط الدخان والبخور، حيث تتم سيناريو الزار الذي يعتبر أخطر الخرافات التي تجد صداها في نفوس بعض الحاضرين.
وضّح كثير من الباحثين والمهتمين بهذه الخرافة وتداعياتها، بأن ما يحدث في حفلات الزار في المجتمعات التي تسود فيها مثل هذه الحفلات، ما هو إلا وهم يُبتغى بها السيطرة على العقول وجلب المال وتحصيله ممن يعتقدون بهذه الخرافة، وسواء كان الزار حقيقة كما يعتقد ضحاياه، أو مجرد وهم فقد ذهب البعض الى أن ما يحدث فيه هو مسّ من الجان يتخبط بصاحبه فتتصدرعنه تلك الحركات اللإرادية.
البعض يرى أن حركات رقصة الزار هي إفرازات “هرمونية” تتحكم بصاحبها فيتصرف دون وعي أو إدراك منه، واعتقد آخرون أن هذه الإيقاعات الصاخبة ما هي إلا رقصات الحروب كانت تُدق لبث الحماسة في نفوس المقاتلين.
تشرف على حفلات الزار ما يسمى بالمشيخ أو المشيخة، وقد وصف أحد هؤلاء المشايخ حفلات الزار بأنها رقص نسائي تُطرد خلالها الأرواح التي تتلبس بالإنس، أو تُسترضى عبر إيقاعات متسارعة على دقات دفوف تُقرع لجلب الراحة للنساء من آلامهن، وتقوم المشيخة بالتصدي لتلك الأرواح، ويقول المشيخ: إن الزار معروف منذ القدم، ومن يصاب به فعلاجه الرقص في هذه الحفلات التي قد تستمر لأكثر من يوم، وربما ترقص المرأة المصابة مرات عديدة ولساعات طوال من حين لآخر، والمصابات به مؤخرًا، فلا يتوقفن عن الرقص في هذه الحفلات.
تبدأ ليالي حفلات الزار بوليمة غداء للفرقة التي تدق طبل الزار، بعدها يتحينون موعد العشاء الذي يتناولونه مع الجميع، وما يتبقي من طعام يُترك بعيدًا عن الأعين في مكان معتم، ثم يعاودون دق الطبول والمزمار ويبخرون المكان بروائح البخور من مستكة وجاوي وعطور مخلطة، ومن ثم تنطلق الإيقاعات المختلفة فمنها اليمني والبحري والشامي والشيبة “السيف” والهليلي، وهذه الإيقاعات تُدقّ بواسطة خمسة أشخاص: ثلاثة منهم واقفون أحدهم يمسك بالزلفة، والآخر بالمكزة، والثالث بالبوص، بينما يفترش الاثنان الباقيان الأرض ليستحضرا الجان عبر دقّ أحدهما على الطبل والآخر على الزير.
إن طقوس الزار في المفهوم الديني الإسلامي هي طقوس محرمة؛ إذ أنها تشتمل على مجموعة من الأمور التي تتعارض مع الدين من ناحية أن من يمارسونها يستحضرون الجن لأغراض مختلفة منها معالجة الأشخاص المصابين، أو ليظهروا خوارق العادات على أيدي من يمارسون هذه الرقصات الوثنية، وهي موروثات ورقصات وطقوس وثنية قادمة من أفريقيا، تتصادم كليا مع ما جاء به الإسلام من تحريم الاستغاثة بغير الله لطلب العلاج أو استخدام السحر أو الجن لأي غرض كان.