خطابات المشاكل الاجتماعية هي عبارة عن المعلومات والأفكار والمصطلحات التي يتم جمعها حول مواضيع وقضايا اجتماعية من ثم تنظيمها من أجل إجراء التحقيقات والمحادثات التي تسعى إلى ما وراء النظريات أو وجهات النظر أي تطبيق هذه المعارف والأفكار بتوجيهها إلى الجهات المعنية لمعاجتها ووضعها في سلم أولوياتها.
خطابات المشاكل الاجتماعية
جادل بعض علماء الاجتماع على غرار عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل فوكو، بأن وجهة نظر الأيديولوجيا التي تم تطويرها من قبل علماء الاجتماع ضيقة جدًا بسبب الارتباط الذي تخلقه بين مجموعات الأفكار ومصالح مجموعات اجتماعية معينة، على سبيل المثال في تحديد الأيديولوجية الرأسمالية كما لو كانت الأفكار تدور مع لوحات أرقام على ظهورها مما يسمح بمعرفة من هم مفكريها، ويقترحون بأن هناك حاجة إلى رؤية أكثر تعقيدًا لكيفية تنظيم المعارف الاجتماعية وتوزيعها وعواقبها على العمل الاجتماعي.
واستخدم ميشيل فوكو مصطلح الخطابات بدلاً من الأيديولوجيات، ودرس كيف ظهرت المعارف حول مجموعة من القضايا الاجتماعية وشكل أنماط العمل الاجتماعي، بما في ذلك نقاط محورية مثل الجنون ونظام السجون والجنس، وتعتبر فكرة الخطابات فكرة مهمة لدراسة البناء الاجتماعي للمشاكل الاجتماعية، حيث إنه يعتمد على المعنى اليومي لكلمة خطاب للحديث عن أو للتأكيد على أن المعرفة يتم نقلها وإعادة إنتاجها من خلال الحديث والكتابة.
كخطاب المجتمعات حول مشاكلها الاجتماعية وسياساتها الاجتماعية بطرق متنوعة في البيانات السياسية والبرامج التلفزيونية ودراسات العلوم الاجتماعية والمحادثات اليومية، لكن رؤية ميشيل فوكو للخطابات تخطو خطوة إلى الأمام، حيث يقترح أن يتم تنظيم كل خطاب أو تنظيمه حول موضوعات وارتباطات مركزية وهذه تحدد المصطلحات التي يمكن من خلالها إصدار البيانات وإجراء التحقيقات وإجراء المحادثات، على سبيل المثال عند الحديث عن الفقر يكون المرء بالفعل داخل خطاب يشكل ما يمكن قوله.
وقام علماء الاجتماع بألقاء نظرة على بعض هذه المبادئ المنظمة للخطابات حول مشكلة الفقر وعواقبه:
1- إن الحديث عن الفقر يعني اعتبار عدم المساواة فرقًا بين موقفين، ويمكن تقسيم السكان إلى غير فقراء وفقراء، وهناك وجهات نظر أخرى حول عدم المساواة أي خطابات أخرى لا تأخذ هذا الرأي، لكنها ترى إنه هيكل أكثر تعقيدًا، إما بطبقات مختلفة أو كعملية علائقية.
2- إن التمييز بين غير الفقراء والفقراء يعني أن الاهتمام يتركز على الفقراء، ويعني هذا الخطاب إذن أن الحجج ستركز على كيفية تعريف الفقراء، وعدد الفقراء هناك، وما إذا كانت الأعداد قد ارتفعت أو انخفضت، وكيفية تفسير حالتهم، وعلى الرغم من إنه قد تكون هناك نظريات مختلفة عن الفقر، إلا أنها تجادل وتقدم تفسيراتها المتنافسة في خطاب الفقر.
3- إن التركيز على الفقراء في خطاب مشكلة الفقر يعني أن الانتباه والتفسيرات تميل إلى التركيز على ما يجعلهم فقراء، وهذا يعني عادة البحث عما يجعلهم فقراء بالأحرى مواقفهم وشخصياتهم وسلوكهم التي تجعلهم يصبحون أو يظلون فقراء.
4- ونتيجة لذلك، أصبح الفقراء موضوع تحقيقات واستفسارات ودراسات مصممة لفحصهم وأشكال حياتهم، كما إن خطاب مشكلة الفقر يعني أن الجميع يعرف الكثير عن كيفية عيش الفقراء أكثر من أي فئة اجتماعية أخرى، فالجميع يعرف عن سكنهم وأنماط إنفاقهم وعاداتهم الغذائية والطرق التي يربون بها أطفالهم وكيف يقضون أيامهم وأنماطهم الصحية وحتى كيف يموتون ويدفنوا في قبر الفقير، وينظم خطاب مشكلة الفقر المعرفة الاجتماعية بطرق معينة.
5- إن أنظمة القيام بشيء ما بشأن مشكلة الفقر وما كان يطلق عليه في القرن التاسع عشر “توفير الإغاثة السيئة” اشتملت دائمًا على أنواع مختلفة من الاختبارات التي يتعين على الفقراء اجتيازها لإثبات حاجتهم، على سبيل المثال كان هناك توافر لاختبارات العمل، حيث يجب على الفقراء إثبات استعدادهم لمساعدة أنفسهم من خلال الحصول على عمل إذا كان متاحًا.
6- وعلى الرغم من أن السياسات المختلفة المتعلقة بمشكلة الفقر تهدف إلى القيام بأشياء مختلفة، فقد تم تأطيرها من خلال خطابات المشاكل الاجتماعية كمشكلة الفقر من حيث أنها ترى الفقراء كأهداف لسياسة الأشخاص الذين يقومون بالأشياء غالبًا من أجل مصلحتهم الخاصة.
أهمية خطابات المشاكل الاجتماعية
1- تنبه فكرة خطابات المشاكل الاجتماعية إلى عدد من القضايا المتعلقة بالبناء الاجتماعي للمشاكل الاجتماعية، حيث أنها تشير إلى الحاجة إلى النظر إلى ما وراء النظريات أو وجهات النظر المتنافسة للنظر في كيفية تنظيم المعرفة حول موضوعات مركزية تسمح للنظريات المختلفة بالتنافس.
2- تحدد خطابات المشاكل الاجتماعية ماهية المشكلة، ولأن النظريات تشترك في تعريف المشكلة يمكنها أن تنافس وتتجادل وتواجه وجهات النظر التي تبدأ في مكان آخر أو لا تشارك تعريف المشكلة بصعوبة كبيرة في جعل نفسها مسموعة أو مفهومة.
3- تتناسب اختصاصات خطابات المشاكل الاجتماعية مع ما تمثله القواعد الهيكلية، فهي تسمح بمناقشة مشكلة الفقر سواء كنتيجة لسلوك الأغنياء أو كنتيجة لعدم المساواة الاجتماعية.
4- تشكل خطابات المشاكل الاجتماعية أنواع المعرفة ذات المغزى، والتي تستحق امتلاكها و صدقها، فإن خطاب مشكلة الفقر يعني أن يتم البحث عن المعرفة وجمعها وستخدامها عن الفقراء بالإيحاء بعدم وجود هذه الفئة من الأشخاص، أو إنه لا ينبغي محاولة معرفة المزيد عن ما يبدو بلا معنى.
5- توجه فكرة خطابات المشاكل الاجتماعية إلى أهمية النظر إلى الطرق التي يتم بها تنظيم الترتيبات الاجتماعية وعلاقات القوة، إذ إن دار العمل والمنظمات الخيرية ومكاتب الإعانات واختبارات الوسائل وقواعد التعايش وما إلى ذلك هي طرق تم فيها إضفاء الطابع المؤسسي على خطاب أي مشكلة.
6- خطابات المشاكل الاجتماعية تعكس أيضًا أنواعًا مختلفة من النظريات والسياسات ووجهات النظر في المشاكل الاجتماعية، كما إنها تنطوي على علاقات قوة بين مجموعات من الفاعلين الاجتماعيين المطالبين والمقيمين والعاملين في القضايا والمحققين في الاحتيال، وما إلى ذلك.
7- يمكن رؤية خطابات المشاكل الاجتماعية كطرق لتنظيم المعرفة، وكطرق لتحديد ما هي المشكلة، حيث يقول علماء الاجتماع أن ما يستحق المعرفة وما يمكن قوله ينتج المعايير التي يتم على أساسها تمييز الانحراف أو الشذوذ كمعيار عدم كون المرء منحرفاً.
8- خطابات المشاكل الاجتماعية ليست مجرد كلمات، إذ تتشكل الخطابات وتصبح مؤسسية في السياسات الاجتماعية والمنظمات التي يتم تنفيذها من خلالها، وهذه ليست مجرد مسألة أفكار سياسية كبيرة الضغط من أجل فعل شيء ما حيال المشاكل الاجتماعية ولكن أيضًا الترتيبات الدقيقة التي يتم من خلالها فعل شيء ما.
9- تتعلق خطابات المشاكل الاجتماعية بالعلاقات التي تنظم المواقف والأماكن في مجال السلطة، لذا فيما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية فإنهم يمكّنون ويمنحون وكالات الدولة لرصد أو تقييم أو التدخل في حل ومعالجة هذه المشاكل، كما إنها تمكن بعض الوكالات سواء الحكومية أو التطوعية من تقييم قيمة الفوائد أو الخدمات.
10- وقد تعمل خطابات المشاكل الاجتماعية أيضًا بشكل مشروط على تمكين الناس أو منحهم القوة، فقد يتم تمكينهم من خلال البحث عن عمل، وأخذ دورات والحصول على مزايا إضافية كالاحتفاظ بأطفالهم، طالما أنهم يثبتون أنهم النوع المناسب للمساعدة.