اقرأ في هذا المقال
- الملك سنوسرت الأول
- الملك أمنمحات الثاني وابنه سنوسرت الثاني
- الملك أمنمحات الثالث وابنه سنوسرت الثالث
- الملك أمنمحات الرابع
الملك سنوسرت الأول:
تابع سنوسرت الأول سياسة خطى والده وثبت أقدامه ليست في مصر وحدها بل في البلاد التي كانت على حدودها. وتوسع جنوباً، وبدأت كلمة (كوش)، ترد بكثرة في النصوص كمنطقة امتد إليها النفوذ المصري. وعني سنوسرت عناية كبرى باستغلال مناجم الصحراء، فنجد اسمه على لوحات أقامها رؤساء بعثاته إلى الصحراء يذكرون فيها تاريخ عملهم ويمجدون فيها الملك الذي كانوا يعملون باسمه.
وكانوا يستخرجون الذهب أو النحاس وغيرهما من بعض تلك المناجم، كما كانوا حريصين أيضاً على استغلال بعض الأحجار نصف الكريمة مثل الفيروز من سيناء والجبمشت (الأماتيست)، من وادي الهودي. كما حرصوا أيضاً على الحصول على أصلب الأحجار مثل الجرانيت الذي كانوا يستخرجونه من أسوان ومن وادي الحمامات، والديوريت الذي كانوا يجلبونه من جبال النوبة في منطقة إلى الجنوب الغربي من أبو سمبل وهي المحاجر التي استغلها المصريون منذ أقدم العصور لأجل عمل الأواني، وكان خوفو وخفرع من ملوك الأسرة الرابعة يحصلون منها على الأحجار اللازمة لتماثيلهم.
كما تم المعرفة باهتمام سنوسرت باستغلال محاجر المرمر في حتنوب في شرقي النيل على بعد يقرب من خمسة وعشرين كيلو متراً من تل العمارنة الحالية. وشيد سنوسرت آثاره في كثير من جهات مصر، نجدها في الكرنك وفي كثير من بلاد النوبة وفي الدلتا وفي الصعيد، وكان للفيوم نصيب خاص من عنايته، وشيد هرمه على مقربة من هرم أبيه في اللشت.
وكان من أهم أعمال تشييده من جديد لمعبد رع في مدينة هليوبوليس (إيون – عين شمس). بدأ ذلك في العام الثالث من حكمه وعندما أتم الثلاثين سنة على العرش واحتفل بعيده الثلاثيني، أقام أمام المعبد مسلتين من الجرانيت ما زالت إحداهما قائمة حتى الآن في مكانها هناك.
كما شيد في الكرنك بناء صغيراً كان يستخدم أثناء الاحتفالات لتستريح فيه سفينة أمون رع، وقد عثر على أحجاره داخل الصرح الثالث الذي شيده الملك أمنتحوتب الثالث، وقد كان عند هدمه كاملاً ولهذا عثروا في السنوات الماضية على جميع أحجاره تقريباً، وأعادت مصلحة الآثار تركيبها وهو قائم الآن في المعبد نفسه ولا يبعد إلا قليلاً عن مكانه الأصلي، ونقوشه من أجمل ما أخرجته يد الفنان المصري في أي عصر من العصور. وطال حكم سنوسرت الأول حتى أربي على (44) عاماً (1928 – 1972)، منها عشرة مع أبيه وأقل من ثلاث سنوات مع ابنه الذي أشركه معه في الملك في عام (1930 ق.م.).
الملك أمنمحات الثاني وابنه سنوسرت الثاني:
لم يكن أمنمحات الثاني كوالده أو جده في أنشطته الحربية أو المعمارية، فقد كانت الأحوال الداخلية آمنة مستقرة بفضل جهود من سيقوه، كما كانت رابطة مصر بغيرها من الأمم رابطة صداقة ومحبة، وكان يرسل هداياه إلى أمراء سورية وغيرها ويتلقى منهم أيضاً كثيراً من تلك الهدايا. وقد عثر منذ وقت غير بعيد تحت أرضية معبد الطود جنوبي الأقصر على كمية كبيرة من أواني الذهب والفضة، والحلي مع غيرها من الأشياء غير المصرية. وكان نشاط أمنمحات الثاني موجها بصفة خاصة إلى استغلال مناجم المعادن والأحجار نصف الكريمة، وإرسال البعثات إلى الصحراء لتأمينها.
وكذلك كان حال من بعده سنوسرت الثاني فقد تشابه في كل من سياسته الداخلية والخارجية ولكن زاد عليه في عمل مهم وهو تكريس جزء كبير من جهده لعمل مشروعات ري كبيرة في إقليم الفيوم، وقد شيد هرمه في اللآهون وعثر على مقربة منه على القرية التي أقامها للعمال والموظفين الذين أشرفوا على تشييد الهرم وما يلحقه من معابد، وظلت هذه القرية مسكونة حتى عصر الهكسوس، وعثروا فيها على كثير من أوراق البردي المهمة وعلى غيرها مما كان يستخدمه الناس في حياتهم اليومية من أدوات.
وعلى مقربة من هرمه أقاموا عدداً كبيراً من المصاطب لأهل بيته، وعلى بعد غير قليل منها قامت جبانة كبيرة كانت مدفناً للكثيرين من رجال بلاطه. وفي مقبرة من مقابر الأميرات عثرت إحدى بعثات الحفر الأجنبية في عام (1920)، على مجموعة كاملة من الحلي داخل صندوق مخبأ في فجوة في الجدار الصخري غاب عن أعين اللصوص القدماء، وأكثر هذه المجموعة يوجد الآن في متحف المتروبوليتان في نيويورك.
الملك أمنمحات الثالث وابنه سنوسرت الثالث:
لم يزد حكم سنوسرت الثاني على تسعة أعوام، بما في ذلك الفترة التي اشترى فيها مع أبيه أمنمحات. وعندما ترك العرش سنوسرت الثالث (1897 ق.م.)، استقبلت مصر ملكاً كان مُقدراً له أنّ يكون من أعظم من جلس على عرش الفراعنة في جميع العصور.
طال حكم سنوسرت الثالث حتى زاد على ثمانية وثلاثين عاماً (1841 – 1879)، وترك وراءه في أكثر بلاد مصر آثاراً تدل على نشاطه، فبنى المعابد الكثيرة وأقام آثاراً له في أشهر المعابد التي شيدها من سبقه من الملوك ولكن أهم أعماله تركزت في أمرين، أحدهما قضاؤه التام على نفوذ حكام الأقاليم، والثاني أعماله الحربية سواء في فلسطين أو في جنوب الوادي، وما قام به من حروب ضد القبائل التي أغارت عليه، وتشييده الكثير من الحصون الحربية في تلك المنطقة التي جعلت منه بطلاً أسطورياً للأجيال القادمة. أما قضاؤه على نفوذ حكام الأقاليم فكان سياسة ناجحة أزالت من البلاد كل أثر لِمَا كانوا يتمتعون به من نفوذ، وكل أثر للإقطاع.
لقد نقم كثير من رؤساء تلك العائلات القوية على منتوحوتب الثاني عندما وحد البلاد وأخضعهم لسلطته، وقد استغل أمنمحات الأول ما في أنفسهم من حفيظة، فأبقى لهم الكثير من نفوذهم بعد أنّ وضع الحدود بين تلك الأقاليم فظلوا سادة في ديارهم طالما كانوا يدفعون الضرائب ويقدمون الولاء، ويرسلون رجالهم ليحاربوا عندما يطلب إليهم الملك ذلك.
ولكن مع قضاء الوقت أخذ نفوذ أولئك الحكام يزداد وثرواتهم تعظم، فكان من الضروري وضع حد لهذا الأمر، ولم يكن هناك من هو أقدر من سنوسرت الثالث لتسديد هذه الضربة فجردهم من مزاياهم وخلع عنهم ألقابهم التقليدية التي كانوا يورثونها لأبنائهم، فلم يصبح حكام الأقاليم منذ عهده إلا موظفين عاديين كغيرهم.
ولم يقل اهتمام سنوسرت الثالث بالفيوم ولكنه لم يشيد هرمه هناك بل شيده كبعض من سبقه من ملوك هذه العائلة في منطقة دهشور، وقد عثر في عامي (1898 – 1899)، على مجموعة عظيمة من حلي أميرات بيته اللاتي دفن على مقربة من هرمه، وهي تزين الآن قاعة الحلي في المتحف المصري بالقاهرة. وفي أواخر أيامه أشرك معه في الحكم ابنه أمنمحات الثالث (1792 – 1841 ق.م.)، الذي طالت أيام جلوسه على العرش أكثر من جميع من سبقه أو جاء بعده من ملوك هذه الأسرة.
حصد أمنمحات الثالث ثمار حروب أبيه وإصلاحاته فنعم بعهد من الرخاء والأمان انصرف فيه إلى أعمال الإنشاء، فشيد كثيراً من المباني في مختلف أنحاء البلاد. والتفت إلى الري، وحظي إقليم الفيوم أكثر من أي إقليم آخر بجهوده، فأتم ما بدأه جده سنوسرت الثاني من أعمال لاستصلاح جزء كبير من أراضي تلك الواحة، بعمل الجسور العظيمة لتحديد البحيرة الطبيعية التي فيه، وشيد القناطر عند هوارة وعند مدخل الفيوم (روحنت – اللآهون)، وشق الترع وبنى على شاطئها الذي أصبح على منسوب جديد.
كثيراً من المعابد التي أبقى الزمن على كثير من بقاياها وبخاصة في الجنوب الغربي من الإقليم مثل معبد مدينة ماضي الذي بناه في أواخر سني حكمه عندما كان ابنه أمنمحات الرابع شريكاً معه في الملك، كما بنى معبداً آخر في مدينة شدت (مدينة الفيوم الحالية – كيمان فارس)، وأقام هرمه عند بلدة هوارة، وبنى إلى الشرق منه معبده الشهير الذي أسموه فيما بعد (اللابيرنت)، والذي كتب عنه اليونان والرومان الشيء الكثير، ولكن لم يبق من آثاره إلا بضعة أحجار متناثرة هناك.
وقد عثر في صيف عام ((1956، على مدفن ابنة له تُسمى (نفرويتاح)، وعثر في داخل حجرة الدفن على ثلاث أوانٍ كبيرة من الفضة وعليها اسمها واسم أبيها أمنمحات الثالث، ولم يعثر في تلك الحجرة على شيء آخر ذي أهمية. وقد وجد تابوتها سليماً لم يفتحه اللصوص، ولكن لم يعثر على موميائها سليمة في داخله بما تحللت جثتها من مياه الرشح ولم يكن معها إلا القليل من الحلي، ويظهر أنها دُفنت على عجل في ذلك الوقت المضطرب من تاريخ مصر.
الملك أمنمحات الرابع:
أتى على العرش ابنه أمنمحات الرابع، الذي لم تتوافر فيه مزايا أسلافه العظماء، فلم نعرف عنه إلا القليل إذ ورد اسمه على بعض لوحات موظفيه، ومنهم من ذهب إلى المحاجر في النوبة وإلى محاجر وادي الهودي لاستحضار الجمشت، كما ورد اسمه أيضاً على جدران معبد مدينة ماضي بالفيوم. وتذكر بردية تورين أنه حكم تسعة أعوام وثلاثة شهور وسبعة وعشرين يوماً، ولسنا نعرف تماماً أين دفن وإن كان الرأي الأرجح أنه كان مدفوناً في أحد الهرمين اللذين ما زالت بقاياهما القليلة قائمة حتى الآن خلف قرية مزغونة إلى الجنوب من أهرام أجداده في اللشت.
وانتهت أيام تلك الأسرة المجيدة نهاية محزنة. فقد رأينا الضعف ينتشر في أوصالها بعد أمنمحات الثالث، وها هي تنتهي عندما تولت ابنة الملك أمنمحات الثالث عرش مصر، ولم يستمر حكمها أكثر من ثلاثة أعوام وأربعة أشهر وعشرين يوماً كما جاء في بردية تورين بين أعوام (1782) و (1778)، قبل الميلاد. ومن المحتمل أنَّ تلك الملكة واسمها (سوبك – نفرو)، شيدت هرمها على مقربة من هرم أمنمحات الثالث في هوارة، فقد عثر على بعض آثار باسمها على مقربة من ذلك الهرم في القرن الماضي. فإذا ما تساءلنا عما حدث وما الذي قضى على حكم تلك الأسرة، وربما على الملكة أيضاً. فربما كان ضعف الأسرة ناشئاً عن اضطرابات داخلية ومنافسات بين أفراد العائلة الحاكمة، فقد رأينا مظاهر هذا الضعف منذ أيام أمنمحات الرابع.