دراسات المنطقة وما بعدها في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


دراسات المنطقة وما بعدها في الأنثروبولوجيا:

بحلول منتصف القرن العشرين كانت المفاهيم الرئيسية في المكان المناسب للانضباط الأنثروبولوجي هي الثقافة والمقارنة والإثنوغرافيا كعمل ميداني للمشاركة، والمفهوم التنظيمي هو دراسات المنطقة، فالأنثروبولوجيا عادة ما تنظم الأقسام ومناهجها الدراسية حول دورات دراسات المنطقة التي تدرس حول إفريقيا والشرق الأوسط وشرق آسيا والصين وأمريكا اللاتينية وأوروبا وما إلى ذلك، حيث يتعلم الطلاب عن الجغرافيا والتاريخ والخوض في مواضيع محددة مثل الدين والقرابة والأقليات والمواضيع اللغوية التي تؤهلهم لفهم عام لمنطقة جغرافية معينة.

وتخصصات المنطقة مفيدة للحصول على التمويل والبحث عن الوظائف والتعيينات خاصة في الأقسام الكبيرة، ففي الآونة الأخيرة بحثت الأبحاث النقدية في أصول دراسات المنطقة في المتاحف وفي الارتباط بالجيش، وكان الإمبريالي الأمريكي ألفريد ثاير ماهان أول من أطلق على المنطقة الواقعة بين أوروبا والهند والشرق الأوسط دراسات المنطقة، كما أن دراسات المنطقة مفيدة لكنها يمكن أن تسبب التفكير الاعمى الذي يحد من التحليل الأنثروبولوجي والخيال.

وفي بعض الأحيان يخضع أولئك الذين يتجاوزون حدود المنطقة للرقابة، مما أثار السؤال التالي: هل يمكن أن يكون العلماء باحثين في المنطقة ومقارنين يبحثون عن أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافات، أو حتى ناشرين يدرسون انتشار الأفكار الثقافية من منطقة إلى أخرى، حيث لا تزال دراسة المستعمرين وليس المحتلين تطارد عملهم، ففي عام 1989 كان على السير إدموند ليتش أن يعيد التأكيد على أن الأنظمة الاجتماعية منفتحة وليست كذلك محصورة، فالبشر يعيشون في عالم معولم.

وكان موضوع البحث الأنثروبولوجي يتوسع من المناطق المعزولة إلى المناطق الحضرية لمدن مثل نيجيريا في بيزنطة السوداء، كدراسة عالم الأنثروبولوجيا كورا دو بوا في العلاقة بين الثقافة والشخصية والاستعمار الأوروبي الأمريكي في شعب ألور عام 1944، وفي عام 1949 نشر كلايد كلوكوهن كتابه عن مرآة الإنسان وعلاقة الأنثروبولوجيا بالحياة الحديثة، ولقد حان الوقت لاستخدام دراسة الآخرين لفحص ثقافاتهم ولاختبار الافتراضات التي قد تكون عرقية.

ونشرت مارغريت ميد بالفعل كتاب عام 1928، والتي درست فيه مشكلة المراهقة على أنها مشكلة تنبع من الثقافة وليست جسدية ونتيجة حتمية للهرمونات كما هو شائع في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وهكذا من خلال الطريقة المقارنة قد يتم تعلم إنه بينما يواجه البشر بعض المشكلات الشائعة، مثل النضوج يعالج كل منهما تلك المشاكل بطرق مختلفة، وتم النظر في النتائج التي توصلت إليها مارغريت ميد على أنها مثير للجدل من قبل البعض، وبالتالي فليس من المستغرب أن يحملها جون بياتريس وايتنج بعد بضع سنوات من خلال مقارنة مضبوطة بين ست ثقافات، من بينها دراسات عن تربية الأطفال عام 1963، وكان أحدها حديثًا في إنكلترا.

وتدريجيًا لم تعد الأنثروبولوجيا لدراسة المتوحشين أو الأوائل، وأصبحت لدراسة كل الثقافات البشرية، كما أشارت عالمة الأنثروبولوجيا روث بنديكت في كتابها أنماط الثقافة الأكثر مبيعًا عام 1934، فإن شعب الثقافات المختلفة تفسر الحياة بشكل مختلف، وأشارت ملاحظتها إلى إنه لا يمكن لأحد أن يحكم على ثقافة واحدة متفوقة على الآخرى، وتحدث كل من فرانز بواس وبرونيسلاف مالينوفسكي بالتفصيل عن النسبية الثقافية.

ففرانز بواس على وجه الخصوص ضغط بشدة ضد الاتجاه العام للحكم على الآخرين من خلال ثقافة المرء بدلاً من الافتراضات الأساسية للثقافة قيد الدراسة، وكان يحارب ظاهرة تسمى التعصب العرقي، حيث يرى العالم من خلال نظرته الخاصة، إذ سمحت النزعة العرقية للناس برؤية أو تصنيف الآخرين على أنهم إلى حد ما أقل من أو أدنى من البدائية وبحاجة إلى المساعدة أو التنمية.

المفاهيم المركزية في الأنثروبولوجيا:

مفهوم الثقافة والحضارة في الأنثروبولوجيا:

المفهوم المركزي في تخصص الأنثروبولوجيا هو فكرة الثقافة، وهو مفهوم غيّر طريقة شرح الاختلافات البشرية، حيث كان عالم الأنثروبولوجيا إدوارد بورنيت تايلور من الكويكرز الإنجليز الذين لم يتمكنوا بسبب التحيز الديني من الالتحاق بأي جامعات إنجليزية ولذا ذهب للعمل في أعمال والده، ولكن في منتصف العشرينيات من عمره أصيب بالمرض وأوصى طبيبه بالراحة والسفر، وسافر إدوارد بورنيت تايلور أولاً إلى كوبا ثم إلى المكسيك لمدة ستة أشهر، وفي حين أن فكرة الثقافة لم تكن جديدة، استخدم تايلور مفهوم لفهم ما تعلمه من أسفاره.

ففي كتابه عام 1871، حول الثقافة البدائية هو حدد فكرة الثقافة أو الحضارة بمعناها الأنثروبولوجي، فهي الظاهرة المعقدة التي تضم المعرفة والأفكار والفنون والمعايير الأخلاقية والمبادئ القانونية والأعراف وأي أمكانات وعادات أخرى مكتسبة من الإنسان كعضو في المجتمع، فالناس جميعهم بشر وهو شيء لم يكن كولومبوس متأكدًا منه عام 1492 عندما واجه الكاريب لأول مرة أو بشكل عام الهنود الحمر، وقبل إدوارد بورنيت تايلور، تم تفسير الاختلافات على أنها بسبب الاختلافات المناخية أو حتى على أنها اختيار الله، والأفكار الخاطئة عنها فرق، وفتح نهج إدوارد بورنيت تايلور عبر الثقافات آفاقًا جديدة في أنثروبولوجيا القرن التاسع عشر.

وفي أمريكا الشمالية عالم الأنثروبولوجيا لويس هنري مورغان كان محامي نشأ وسط الإيروكوا، وكتب (League of the Iroquois) في عام 1851، ولاحظ أن شروطهم لأقاربهم لم يتم تصنيفها في نفس طريقة المصطلحات الإنجليزية، حيث كانت المصطلحات الخاصة بأبناء العم مختلفة اعتمادًا على ما إذا كان خط الأم أو الشقيق يُنسب إليه، وبصفته محاميًا للسكك الحديدية المركزية في نيويورك، فقد لاحظ الآخر الاختلافات بين المتحدثين باللغات الأخرى أيضًا، وبدأ لويس هنري مورغان في جمع مصطلحات القرابة من جميع أنحاء العالم، وفي عام 1871 نشر عمله الرئيسي أنظمة القرابة والتقارب، مما سيؤثر على عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي ستراوس.

ونشأت أسئلة جديدة، فهل يمكن أن تكون المصطلحات مفتاحًا لفهم التنظيم الاجتماعي للمجتمعات الصغيرة؟ فأذا كان الإيروكوا من الأم يتم تحديد العضوية في العشيرة عن طريق الروابط النسائية فقط، وكان والد أحدهم وأخواته وإخوته ينتمون إلى عشيرة مختلفة، ودون الخوض في المزيد من التفصيل يجب أن يكون واضحًا أن اختراع مفهوم الثقافة مهد الطريق لشرح الاختلافات بين الشعوب، إذ تفرق الثقافة بين الناس، ولكن في هذه العملية يجب تذكر أن الجميع أعضاء في نفس النوع.

فقد يتم تحديد الآخرين حسب لونهم، لكن كل الشعوب في كل مكان يتشاركون في الحاجة إلى النجاة من المرض، وكل مجتمع لديه مجموعات أساسية مثل العائلات التي وظيفتها الأساسية هي إنجاب الأطفال وتربيتهم.

مفهوم الشمولية في الأنثروبولوجيا:

الأب المؤسس الآخر للأنثروبولوجيا هو فرانز بواس المولود في ألمانيا، وهو عالم تدرب أصلاً في الفيزياء، وتحول إلى الأنثروبولوجيا بعد رحلة استكشافية لمدة عام إلى جزيرة بافين، أي أرض الإنويت في القطب الشمالي الكندي، وبدأ في دراسة لغتهم، حيث عُرف بأنه والد الأنثروبولوجيا الثقافية، وأكثر من أي شخص صاغ فرانز بواس الانضباط حول مفهوم الشمولية، حيث أخذ نظرة واسعة للأسس التاريخية والثقافية للسلوك بدلاً من عزو الاختلافات إلى علم الأحياء الذي يفكك مفهوم العرق.

وعلى الرغم من إنه شدد على الاختلافات الثقافية، فقد أوضح هذه الاختلافات من حيث التطور التاريخي لكل ثقافة، ففي كتابه العرق واللغة والثقافة عام 1940، شدد على فكرة إنه لا يوجد ارتباط ضروري بين العرق واللغة والثقافة، وأن المظهر الجسدي للفرد لا يحدد ثقافة الفرد أو قدرته على تعلم أي لغة، كما لوحظ فرانز بواس لتطويره لمفاهيم النسبية الثقافية والحتمية الثقافية، حيث أن جميع الاختلافات السلوكية بين الشعوب ناتجة عن أسباب ثقافية وليست عرقية أو وراثية.


شارك المقالة: