دراسة الاقتصاد السياسي لفهم عدم المساواة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية

اقرأ في هذا المقال


دراسة الاقتصاد السياسي لفهم عدم المساواة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

يرى علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية البشر اجتماعيون في الأساس، وثقافتهم دائمًا مشتركة ونمطية، فهم يعيشون حياتهم في مجموعات، ومع ذلك ليست كل المجموعات تخدم احتياجات أعضائها، وبعض الناس لديهم قوة أكبر من الآخرين، مما يعني إنه يمكنهم الحصول على موافقة ضعيفة من خلال التهديد والإكراه، وداخل كل المجتمعات هناك فئات من الناس تحددها أنواع الممتلكات التي يمتلكونها أو أنواع العمل التي يمتلكونها، فابتداءً من الستينيات، بدأ عدد متزايد من علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية بدراسة العالم حولهم من خلال عدسة الاقتصاد السياسي.

ويعترف هذا النهج بأن الاقتصاد أساسي في الحياة اليومية ولكنه يضع سياق العلاقات الاقتصادية داخل هياكل الدولة والعمليات السياسية، والهياكل الاجتماعية والقيم الثقافية، ويركز بعض علماء الأنثروبولوجيا السياسية والاقتصادية على كيفية عمل المجتمعات، فقد تطورت الأسواق تاريخيًا بينما يتساءل الآخرون عن كيفية تعامل الأفراد مع القوى التي تقمع منهم، مع التركيز على الموروثات التاريخية للهيمنة الاجتماعية والتهميش.

فقد كتب عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية كارل ماركس الشهيرة، أن الرجال تصنع تاريخهم بأنفسهم، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم، كما إنه لا يجعلهم في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، ولكن في ظل ظروف موجودة بالفعل، ومعطى وينتقل من الماضي، بعبارة أخرى بينما البشر مبدعون بطبيعتهم، فإن إمكانياتهم كذلك مقيدة بالحقائق الهيكلية لحياتهم اليومية، وبالطريقة نفسها تقيد الاقتصادات السياسية خيارات الناس وتحدد الشروط التي يجب أن يعيشون بها، والأهم من ذلك ليست الهياكل فقط هي التي تحدد خياراتهم وأجراءاتهم، إذ يتم تشكيلها أيضًا بواسطة المجتمع.

ويفكر الناس في الخيارات المتاحة في الحياة اليومية على أنها ببساطة الترتيب الطبيعي للأشياء، ومع ذلك يعتمد المرء على مقدار القوة التي يمتلكها والدرجة التي يفهم بها الأبعاد الهيكلية لحياة المرء، وهذا التركيز على القوة والعلاقات البنيوية يوازي فهم الثقافة كنظام شامل في الأنثروبولوجيا، حيث العلاقات الاقتصادية لا توجد من تلقاء نفسها أبدًا، باستثناء المؤسسات الاجتماعية والسياسية.

العنف الهيكلي وسياسة المساعدة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

غالبًا ما يبحث علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية المهتمون بفهم التفاوتات الاقتصادية عن الأشكال الهيكلية، فالعنف الهيكلي هو شكل من أشكال العنف في المجتمعات التي يعملون فيها وهي بنية أو مؤسسة اجتماعية تلحق الضرر بالناس بمنعهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية، وبعبارة أخرى فإنه كيفية هيكلة القوى السياسية والاقتصادية للمخاطر ولأشكال مختلفة من المعاناة داخل تعداد السكان، ويمكن أن يشمل العنف الهيكلي أشياء مثل الأمراض المعدية والجوع والعنف كالتعذيب والاغتصاب والجريمة، إلخ.

ويميل علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية إلى التركيز على الأفراد والتجارب الشخصية، حيث يرون إنه إذا كان المرء يعمل بجد بما فيه الكفاية، يمكنه سحب نفسه من خلال الهجرة من هذا البلد والبحث عن الفرص الاقتصادية، وعكس هذه الأيديولوجية هو لوم الضحية، والمنطق هو إذا كان الناس فقراء فهذا خطأهم، ومع ذلك، فإن دراسة العنف الهيكلي تساعد علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية على فهم ذلك بالنسبة لبعض الناس، ببساطة لا يوجد تقدم وكل ما يأمله المرء هو البقاء على قيد الحياة.

على سبيل المثال، إن ظروف الحياة اليومية في هايتي، والتي ساءت بعد زلزال عام 2010، جيدة كمثال على كيف يحد العنف الهيكلي من الفرص الفردية، فهايتي هي أكثر البلدان غير المتكافئة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إذ يمتلك أغنى 20 في المائة من سكانها أكثر من 64 في المائة من إجمالي ثروتهم، في حين أن أفقر 20 في المائة يمتلكون بالكاد 1 في المائة، والتناقض الصارخ هو بين المناطق الحضرية والريفية، فما يقرب من 70 في المائة من الأسر الريفية في هايتي تعاني من فقر مزمن.

مما يعني أنهم يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ويفتقرون إلى الوصول إلى السلع الأساسية، وتعاني هايتي من البطالة والعمالة الناقصة على نطاق واسع، وأكثر من ثلثي الأشخاص في القوى العاملة ليس لديهم وظائف رسمية، والسكان ليسوا متعلمين جيدًا، ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمية، يعاني أكثر من 100،000 طفل هايتي دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد وواحد من كل ثلاثة أطفال يعاني من التقزم أو قصير بشكل لا رجعة فيه بالنسبة لسنهم، وفقط 50 في المائة من الأسر يمكنهم الحصول على المياه الصالحة للشرب، و25 في المائة فقط لديهم صرف صحي ملائم.

وفي 12 يناير 2010، ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.0 درجات هذه الدولة الفقيرة وغير المتكافئة للغاية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 160 ألف شخص وتشريد ما يقرب من 1.5 مليون آخرين، وبسبب أن مركز الزلزال كان بالقرب من العاصمة والقصر الوطني دمرت غالبية المكاتب الحكومية في هايتي بالكامل تقريبًا، وخسرت الحكومة ما يقدر بنحو 17 في المئة من القوى العاملة، والبنية التحتية الحيوية الأخرى، مثل المستشفيات وأنظمة الاتصالات والطرق، مما يجعل من الصعب الاستجابة للاحتياجات الفورية بعد الزلزال، واستجاب العالم بواحدة من أكثر المساعدات سخاءً في التاريخ الحديث.

وبحلول 1 مارس 2010، تبرع نصف جميع المواطنين الأمريكيين بإجمالي 1 مليار دولار لجهود الإغاثة، حيث درس عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية مارك شولر آثار الزلزال وسياسة الإنسانية في هايتي، ووجد أن القليل من هذه المساعدات يصل إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا في هايتي، وهم 1.5 مليون شخص والذين يعيشون في مخيمات المشردين داخليًا، وأقل من واحد بالمائة تم تقديم المساعدات إلى الحكومة الهايتية، وكان أكبر متلقي منفرد هو الجيش الأمريكي 33 في المائة، وتم توزيع غالبية المساعدات على المنظمات غير الحكومية التي تديرها جهات ومنظمات أجنبية العاملة في هايتي.

ويجادل عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية مارك شولر بأن هذا الفشل يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان للنازحين الهايتيين، وإنه مرتبط بتاريخ طويل من العلاقات الاستغلالية بين هايتي وبقية العالم، ويجادل عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية مارك شولر بأن النظام العالمي مستمر وقد مارس ضغوطًا على هايتي، واستنزف مواردها وأجبرتها على الدخول في عبودية الديون التي أبعدتها عن ذلك التطوير، وفي هذه العملية ساهم هذا النظام في الفائض الذي سمح للغرب التقوي على الدول النامية.

وحدد علماء الأنثروبولوجيا أشكال عدم المساواة الهيكلية في أماكن لا حصر لها حول العالم، حيث يمكن أن تكون الأنثروبولوجيا أداة قوية في المعالجة القضايا الاجتماعية الملحة في هذا العصر، فعندما يتم تقديم البحوث الأنثروبولوجية في شكل يسهل الوصول إليه ويسهل فهمه، يمكنه بشكل فعال تشجيع المحادثات العامة الهادفة حول الأسئلة مثل أفضل طريقة لتوزيع مساعدات الإغاثة بعد الكوارث الطبيعية.

أهم دروس الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

أحد أهم دروس الأنثروبولوجيا الاقتصادية هو أن الأشكال المتعددة للإنتاج الاقتصادي والتبادل تُهيئ حياة البشر اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية، حيث يشارك الناس في وقت واحد في كل من التبادلات السوقية والمتبادلة على أساس منتظم، وبناءً على هذه الفكرة الأنثروبولوجية للتنوع الاقتصادي، بعض العلماء يجادل بأنه من أجل معالجة التفاوتات الاقتصادية المحيطة بالبشر، يجب أن يعملوا بشكل جماعي لتحقيق ذلك البناء الاقتصادي المجتمعي، أو مساحة لصنع القرار الاقتصادي الذي يعترف ويتفاوض على اعتماد البشر المتبادل مع البشر الآخرين، والأنواع الأخرى وبيئتهم.

وفي قلب إطار اقتصاديات المجتمع هو فهم التنوع الاقتصادي الذي يوازي وجهات النظر الأنثروبولوجية، حيث إن جبل الجليد الاقتصادي هو صورة مرئية توضح هذا التنوع بشكل جيد، ففوق خط الماء توجد الأنشطة الاقتصادية التي تظهر في الحسابات الاقتصادية السائدة، وأشياء مثل العمل بأجر رسمي والتسوق لشراء البقالة في السوبر ماركت، وتحت خط الماء يتم العثور على مجموعة واسعة من الأشخاص والأماكن والأنشطة التي تساهم في رفاهيتهم، وهذا المفهوم يساعد على استكشاف العلاقات المتبادلة التي لا يمكن التقاطها من خلال ملاحظات السوق الميكانيكية.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: