دراسة الجنس كنوع بشري حسب علماء الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


دراسة الجنس كنوع بشري حسب علماء الأنثروبولوجيا:

إن علماء الأنثروبولوجيا مغرمون بالإشارة إلى أن الكثير مما يتم أخذه كأمر مسلم به على إنه طبيعي في منطقة الحياة هي في الواقع ثقافية، فهي ليست متأصلة في العالم الطبيعي أو في علم الأحياء ولكن اخترعها البشر؛ لأن الثقافة يتم اختراعها، فإنها تأخذ أشكالًا مختلفة في أماكن مختلفة وتتغير بمرور الوقت في تلك الأماكن، فالمرء الذي يعيش في القرن الحادي والعشرين، شهد مدى السرعة والدراماتيكية التي يمكن للثقافة القيام بها من حيث التغيير، من طرق التواصل إلى ظهور الزواج من نفس الجنس، وبالمثل يعيش الكثير في بيئات متنوعة ثقافيًا ويجربون مدى تنوع الاختراعات الثقافية البشرية.

فالجميع يتقبل بسهولة أن الملابس واللغة والموسيقى ثقافية وتم اختراعها وخلقها لقابليتها للتغيير، ولكن غالبًا ما نجد صعوبة في قبول أن جنس الإنسان ليست طبيعية ولكنها متأصلة بعمق في الثقافة وتشكلها، فهناك تكافح مع فكرة انقسام البشر إلى قسمين اثنين فقط من الفئات، “ذكر” و “أنثى”، وأن الذكر والأنثى هي مفاهيم ثقافية تتخذ أشكال مختلفة ولها معاني مختلفة عبر الثقافات، وبالمثل الجنس البشري ببساطة هو أحد أكثر الأشياء أهمية ثقافيًا من حيث تشكيلها وتنظيمها وترميزها على أساس القدرات البشرية.

كما إن مفهوم البشر على أنهم إما مغايرين جنسياً أو مثليين هو مفهوم ثقافي واختراع محدد تاريخيًا يتم الطعن فيه بشكل متزايد في أماكن متعددة، وجزء من المشكلة هو أن الجنس البشري له مكون بيولوجي، على عكس الأنواع الأخرى من الاختراعات الثقافية مثل ماكينة الخياطة أو الهاتف الخلوي أو القصيدة، فلدى أجساد البشر هناك بعض الاختلافات بين الذكور والإناث، بما في ذلك القدرات والأدوار الإنجابية، وإن كانت أقل بكثير مما كنا عليه في السابق.

ومع ذلك من نواح كثيرة الجنس البشري مثل الطعام، فالجميع لديه حاجة متجذرة بيولوجياً ليأكل من أجل البقاء ولديهم القدرة على الاستمتاع بتناول الطعام، لذلك السياقات والمعاني الثقافية التي تحيط بالطعام وأكل الإنسان تأثر بما هو الطعام، وما هو لذيذ أو مثير للاشمئزاز، فالعديد من العناصر التي يحتمل أن تكون صالحة للأكل ليست كذلك في سياقات ثقافية آخرى، كالجرذان والنحل الطنان والقطط، ومفهوم الطعام نفسه جزء لا يتجزأ من الاتفاقيات المفصلة حول تناول الطعام فهو اختراع ثقافي معقد.

وباختصار الجنس البشري مثل الأكل لهما مكونات بيولوجية، لكن الثقافات بمرور الوقت أقاموا صروحًا معقدة ومتقنة حولهم، مما خلق أنظمة معاني بالكاد في كثير من الأحيان تشبه ما هو طبيعي وفطري، وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية يختبرون الجنس البشري إلى حد كبير من خلال منظور الثقافة أو الثقافات التي تتعرض لها والتي نشأة عليها، فالجنس البشري هو في الواقع متجذر بعمق في شكل كل ثقافة.

وأحد الجوانب القوية للثقافة، والسبب الذي يجعل المعايير الثقافية تبدو طبيعية للغاية، هو أن المرء يتعلم الثقافة بالطريقة التي يتعلم بها لغته الأم، فبدون تعليمات رسمية، في السياقات الاجتماعية يلتقطها من الآخرين من حوله دون تفكير، وسرعان ما تصبح متأصلة بعمق في الدماغ، فالكل لم يعد يفكروا بوعي فيما الأصوات التي يسمعوها عندما يقول أحدهم مرحبًا تعني الترحيب، كما إنه ليس من الصعب معرفة الوقت على الساعة على الرغم من أن الوقت والساعات اختراعات ثقافية معقدة.

وتنطبق نفس المبادئ على الجنس البشري، فالكل يتعلم في وقت مبكر جدًا في سن الثالثة على الأقل عن فئات الجنس في ثقافتهم، حيث أن الأفراد إما ذكر أو أنثى وذلك بالتفصيل ترتبط المعتقدات والسلوكيات والمعاني بكل ثقافة، ويمكن التفكير في هذه المجموعة المعقدة من الأفكار كإيديولوجية جنس بشري أو نموذج ثقافي للجنس البشري، فكل المجتمعات لديها أيديولوجيات للجنس البشري فقط لأن لديهم أنظمة معتقدات حول مجالات مهمة أخرى من الحياة، مثل الصحة والمرض وطبيعية العالم والعلاقات الاجتماعية، بما في ذلك الأسرة.

أسس أنثروبولوجيا الجنس البشري:

من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا يمكن للكلمات أن تكشف عن المعتقدات الثقافية، وخير مثال على ذلك هو مصطلح الجنس البشري، ففي الماضي كان الجنس يشار إليه على حد سواء بالنوع البيولوجي لشخص ما ذكر أو أنثى، واليوم على الرغم من أن الجنس البشري لا يزال يشير إلى النوع البيولوجي لشخص ما، ألا إنه يعني الآن فئات الذكور والإناث، أو بشكل متزايد، الاحتمالات الأخرى بين الجنسين، ويعكس التغيير في المصطلحات تغييرات عميقة في أيديولوجية النوع الاجتماعي.

ففي الماضي تأثرت المعتقدات العلمية والبيولوجيا للجنس البشري خاصة فيما يتعلق بالقدرة على الإنجاب ببعض الثقافات التي كانت تنظر إليه حرفياً على إنه قدر، حيث كان يُعتقد أن الذكور والإناث العاديين على الأقل يولدون بقدرات وتفضيلات وأذواق وشخصيات مختلفة وميول للعنف والمعاناة الفكرية والجسدية والمعنوية، ومن المفارقات أن العديد من الثقافات في العصور الوسطى كانت تنظر إلى النساء على أنهن امتلاك في كثير من الأحيان.

ولكن بحلول القرن التاسع عشر كانت الثقافات تنظر إلى النساء من حيث القدرة على الإنجاب، وكان الهدف الأساسي لها هو الوظيفة الإنجابية، وربطت أنثروبولوجيا الجنس البشري في القرن التاسع عشر الجنس البشري بطرق أخرى، حيث تم تحديده إلى حد كبير من خلال ما إذا كان واحد يلتزم بأدوار النوعين التقليدية للذكور والإناث، كما تم تصوير المثلية البشرية ليس فقط على أنها تفضيل نوع بشري من نفس النوع ولكن أيضًا على أنها سلوك وأدوار غير مناسبة للجنس البشري.

وهذا واضح في الصور النمطية القديمة للمثليين، فالرجال يتصرفون كأنثى، ويرتدون أقمشة أنثوية مثل الحرير أو الألوان مثل اللون الوردي، والمشاركة في المهن الأنثوية مثل الباليه، والنساء يتصرفن كالرجال في قص الشعر، وركوب الدراجات النارية، وارتداء الجلد، ومرة أخرى تم الخلط بين ظاهرتين منفصلتين هما التفضيل وأداء دور النوع الاجتماعي بسبب المعتقدات التي ترسخت في علم الأحياء، باختصار استندت أنثروبولوجيا الجنس البشري إلى الحتمية البيولوجية.

وعلى هذا النحو من الناحية النظرية يُفترض أن الذكور والإناث يولدون بشكل مختلف تمامًا عن التكاثر وعن القدرات والتفضيلات الرئيسية، وكانت بشكل طبيعي بيولوجيًا تنجذب لبعضها البعض، على الرغم من أن الدافع للمرأة لم يكن متطورًا بشكل جيد مقارنة بالرجل.

رفض الحتمية البيولوجية في أنثروبولوجيا الجنس البشري:

عقود من البحث في النوع الاجتماعي والجنس البشري، بما في ذلك من قبل علماء الأنثروبولوجيا النسوية، تحدت هذه النظريات القديمة، وخاصة الحتمية البيولوجية، حيث تم فهم الآن أن الثقافات وليس الطبيعة خلقت إيديولوجيات النوع الاجتماعي التي تتماشى مع الولادة ذكراً أو أنثى وتختلف الأيديولوجيات على نطاق واسع، عبر الثقافات، فما يعتبر في بعض المجتمعات من عمل الإنسان، كالحمل الثقيل أو الزراعة، يمكن أن تكون عملاً نسائيًا في المجتمعات الآخرى.

وما هو المذكر والمؤنث يختلف وتم اختراعهما ثقافيًا للروابط بين النوعين البشريين واللون، حيث يمكن أن تكون التنانير والماكياج يرتديها الرجال، بل المحاربون، كما أن الذكور والإناث أصبحت معاني مزخرفة وصعبة للغاية للتمييز، على الأقل عن طريق القوالب النمطية الذكورية التقليدية.


شارك المقالة: