دولة آل زنكي في عهد الخليفة المقتفي لأمر لله

اقرأ في هذا المقال


دولة آل زنكي في عهد الخليفة المقتفي لأمر لله:

زنكي هو لقب عماد الدين بن آق سنقر الذي كان والياً على حلب، وقُتِلَ عام (487 هجري)، وكان عمر ابنه عماد الدين يومذاك عشر سنوات. استولى كربوغا على الموصل عام (489 هجري)، فأخذ عماد الدين زنكي عنده، واعتنى به وأكرمه إكراماً لأبيه آق سنقر، وتوفي كربوغا عام (495 هجري)، فخلفه على الموصل شمس الدولة جكرمش، فقرّب عماد الدين زنكي إليه وأولاه حُبه، وظلَّ كذلك حتى توفي عام (500 هجري).

فخلفه على الموصل (جاولي سقاو) فبقيت علاقته مع عماد الدين زنكي جيدة، غير أن جاولي سقاو قد أعلن عصيانه للسلطان محمد السلجوقي، وانتقل إلى بلاد الشام عام (502 هجري)، فانفصل عنه عماد الدين زنكي. وفي عام (502 هجري)، عين والياً جديداً على الموصل هو مودود بن التونتكي فانضم إليه عماد الدين زنكي، وبقي بجانبه حتى قُتِلَ عام (507 هجري)، في دمشق، ورجع عماد الدين إلى الموصل لينضم إلى الوالي الجديد جيوش بك.

الأحداث التي جرت مع عماد الدين زنكي والأمير آق سنقر:

قام عماد الدين بالإنضمام إلى الأمير آق سنقر البرسقي الذي ذهب لقتال الصليبيين، وأبدى عماد الدين شجاعةً فائقةً في قتاله، وعندما انتهت حروبه طلب السلطان محمد السلجوقي من والي الموصل تقديم عماد الدين واستشارته في المهمات. وقاتل عماد الدين زنكي مع جيوش بك، ومسعود ضد السلطان محمود الذي خلف أباه محمد غير أنهم فشلوا في جعل مسعود يتسلم السلطنة، واستقر الأمر لمحمود.

وفي عام (514 هجري)، حاول جيوش بك أن يُجدد المحاولة لمسعود غير أن عماد الدين زنكي لم يوافقه، وعندما فشلت المحاولة الثانية عزل جيوش بك عن الموصل، وعرف السلطان محمود موقف عماد الدين زنكي، لذا فقد أوصى والي الموصل الجديد آق سنقر
البرسقي بتقديم زنكي وإكرامه.

عيّن آق سنقر البرسقي على العراق عام (516 هجري)، ورافقه عماد الدين زنكي، واشترك معه في حرب دبيس بن صدقة غير أنهما قد هزما، وولّى البرسقي عماد الدين زنكي على واسط، وكلفه بقتال دبيس فانتصر عليه وهذا ما جعل البرسقي يضيف إليه البصرة. واشترك الخليفة والبرسقي وزنلكي في قتال دبيس، واتبع زنكي خُطةً كان لها دور في التغلب على دبيس. وعندما ترك زنكي البصرة كلف أميراً لحمايتها تمكن دبيس من العودة إلى البصرة، وقتل أميرها.

فرجع زنكي إلى البصرة ففرَّ منها دبيس والتحق ببلاد الشام عام (517 هجري). أُعيد آق سنقر البرسقي والياً للموصل ليعمل على قتال الصليبيين فطلب من زنكي أن يسير معه، غير أن زنكي فضّل غير ذلك فقد ترك البصرة وسار إلى أصبهان ليلتحق بحاشية السلطان محمود. وفي عام (518 هجري)، كلّفه السلطان محمود بأن يسير إلى البصرة إذ غدت مسرحاً للحوادث بعده، وأقطعه إياها.

وكلفه في الوقت نفسه بالإشراف على واسط، وأن يصدّ عنها جيوش الخليفة إذا ما اتجهت نحوها، وفعلاً فقد صدّ جيوش الخليفة عنها عام (519 هجري). ووقع الخلافات بين الخليفة المسترشد وبين السلطان محمود، وسار الأخير نحو بغداد. وطلب من زنكي دعمه ضد الخليفة فلبى الدعوة، وسار بمقاتليه نحو بغداد، واضطر الخليفة إلى الصلح.

ورشح عماد الدين زنكي لتولية أمر العراق عام (520 هجري)، وصدر الأمر بتوليته وغادر السُلطان محمود بغداد بعد أن أمّن العراق ما دامت بيد عماد الدين زنكي. توفي عز الدين مسعود بن آق سنقر البرسقي والي الموصل بعد أبيه وذلك عام (521 هجري)، وتولى مكانه أخوه الصغير، واستبد بالأمر جاولي الوصي على الأمير الصغير غير أن السلطان عيّن عماد الدين زنكي على الموصل فسار إليها ولم يتول أمر العراق سوى أربعة أشهر.

الأحداث التي جرت مع عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة:

عندما أُعطي عماد الدين زنكي ولاية الموصل لقتال الصليبيين الذين استأسدوا بعد وفاة والي الموصل آق سنقر البرسقي عام (520 هجري)، وقيام ابنه عز الدين مسعود مكانه. تقدم عماد الدين زنكي إلى حلب عام (522 هجري)، ودخلها. سار دبيس بن صدقة إلى الملك سنجر سلطان السلاجقة في خراسان، وهو عم السلطان محمود، وقد تقرب دبيس من سنجر، وفي الوقت نفسه وصل السلطان محمود لتصفية الخلاف بينهما، وقد تم ذلك.

وعندما أراد السلطان محمود العودة طلب منه عمه سنجر أن يعزل عماد الدين زنكي عن الموصل، وأن يولي دبيس بن صدقة مكانه فوافق، وأخذه معة. طلب السلطان محمود من الخليفة تناسي الخلافات والسماح لدبيس بدخول بغداد، ووصل الخبر إلى عماد الدين زنكي فترك الموصل واتجه إلى بغداد، واستغرب كيف يُعطي ولاية الموصل من ساعد الصليبيين وحاصر معهم حلب، وإمارة الموصل من مُهمتها قتال الصليبيين!.

ووافقه الخليفة بسبب كراهيته وكراهية أهل بغداد لدبيس، ووافق السلطان محمود الذي من مصلحته أن يكون عماد الدين زنكي على الموصل ولا يكون دبيس الذي قد يكون عيناً عليه. توفي السلطان محمود عام (525 هجري)، وتولى مكانه ابنه داود، واختلف السلاجقة بعضهم مع بعض، ووقف زنكي بجانب سنجر، وقاتل الخليفة، وهُزِمَ وعاد إلى الموصل.

الأحداث التي جرت مع عماد الدين زنكي ومسعود السلجوقي:

تمكن مسعود السلجوقي من الانتصار على أقربائه وجلس على كرسي السلطنة. اختلف الخليفة مع زنكي، وسار الخليفة إلى الموصل وحاصرها، واضطر أن يرفع الحصار عندما سار السلطان مسعود إلى بغداد، وتصالح الخليفة مع زنكي عام (528 هجري)، وربما كان الصلح للخلاف مع مسعود، بل اشترك زنكي مع الخليفة في صراعه مع السلطان مسعود عام (529 هجري).

استمر التواصل بشكل غير طيب بين السلطان مسعود محمد وعماد الدين زنكي غير أن المُهادنة قد وقعت لانشغال عماد الدين زنكي بقتال الصليبيين ومطالبة رجالات مسعود بإبقاء إمارة الموصل حاجزاً ضد أطماع الصليبيين.

الصراعات التي جرت مع عماد الدين زنكي:

في الوقت الذي كان عماد الدين زنكي فيه يدخل في الصراعات الدائرة في العراق وبين الأسرة السلجوقية بعضهم مع بعض لم يكن ليولي وجهه نحو المشرق فقط بل كان أكثر الأيام مُتجهاً نحو الغرب يعمل على قتال الصليبيين أولاً ومن هذا الجهد كان يعمل على توحيد البلاد وتجميعها تحت إمرة واحدة ليُمكّن مقاومة الصليبيين وطردهم من البلاد إذ كانت بلاد الشام يومذاك مجزأة بين أُمراء المدن.

وكان أشهر هؤلاء الأمراء حكام دمشق أكبر مدن بلاد الشام ومقرها الرئيسي، وكانت بيد أسرة طغتكين أحد قواد الجيش السلجوقي، وقد كان في الأصل مملوكاً لتتش بن ألب أرسلان الذي كان والياً على الشام عند وفاة أخيه ملكشاه وطمع أن يمد نفوذه إلى حلب والجزيرة وأذربيجان، وقد قُتِلَ عام (588 هجري)، أثناء صراعه مع ابن أخيه بركيارق.

وبعد مقتله خلفه ابنه دُقاق الذي أناب عنه طغتكين في حكم الشام، فاستمر في ذلك حتى عام (597 هجري)، فجاء بعده ابنه تاج الملوك بوري حتى عام (522 هجري)، فشمس الملوك إسماعيل حتى عام (529 هجري)، فشهاب الدين محمود حتى عام (533 هجري)، فجمال الدين محمد حتى عام (534 هجري)، فمجير الدين أبق حتى استولى على دمشق نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي عام (549 هجري).

فتوحات عماد الدين زنكي:

توسع سلطان عماد الدين زنكي فقد ضم إليه بعد أن تولى أمر الموصل جزيرة ابن عمرو عام (521 هجري)، وحلب (522 هجري)، وستجار والخابور وحران عام (523 هجري)، وأربيل عام (526 هجري)، والرقة عام (529 هجري)، وعانة والحديثة عام (538 هجري)، وقد أسدى حُكام تكريت لعماد الدين زنكي معروفاً وهما الأخوان نجم الدين أيوب، وأسد الدين شيركوه، فلما أبعدوا عن تكريت انتقلوا إليه فأكرمهم وسلمهم بعلبك حينما استولى عليها عام (534 هجري).

وفي الوقت نفسه فقد ضم ديار بكر، وماردين، ونصيبين إليه وكذلك منطقة الأكراد. ضم عماد الدين زنكي إليه مدينة حماه عام (524 هجري)، غير أن إسماعيل بن بوري حاكم دمشق قد ارجعها مُنذ عام (527 هجري)، ثم دخلها عماد الدين زنكي ثانية عام (529 هجري)، وألقى الحصار على دمشق في ذلك العام، وفكر كثيراً في حكم دمشق وخاصة أن حاكمها مجير الدين يتسلط عليه (إنر) ويتعاون مع الصليبيين ضد زنكي بل قد سلمهم مدينة بانياس عندما كان نائبها يُعطي الطاعة لزنكي، وفشل عماد الدين زنكي في كل محاولاته لدخول دمشق.

قام عماد الدين زنكي بولاية ابنه سيف الدين غازي على منطقة الموصل فضلاً عن قيامه بولاية ابنه الثاني نور الدين محمود على حلب، وقد عمل محمود نور الدين على قتال الصليبيين وفق سياسة أبيه بتوحيد بلاد الشام، وحاول الصليبيون استرداد الرها غير أن نور الدين لم يمكنهم من ذلك، وكانت ذات أهمية كبيرة بنظر الصليبيين حتى قامت أوربا بإرسال الحملة الصليبية الثانية لاسترداد الرها غير أن هذه الحملة قد تركت هدفها الرئيسي.

واتجهت إلى دمشق حلفهم القوي ضد نور الدين محمود الأمر الذي جعل نور الدين محمود يتمكن من دخول دمشق عام (549 هجري)، لإنقاذ المدينة من أن تقع بأيدي الصليبيين بناءً على رغبة أهلها الذين كانوا يخالفونه من قبل، كما فتح عام (545 هجري)، مدينة أعزاز، وأسر (جوسلين)، وابنه في المعركة التي جرت معهما، واستمر في سياسته حتى توفي عام (569 هجري).

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (269 – 274)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: