اقرأ في هذا المقال
- دولة السلاجقة في عهد الخليفة المُقتدي بالله
- الأحداث والفتوحات التي جرت مع الملكشاه
- الأحداث التي جرت بعد وفاة الملكشاه
- شاه خوارزم
دولة السلاجقة في عهد الخليفة المُقتدي بالله:
بعد معركة ملاذكرد وهنت وازدادت ضعفها الدولة البيزنطية ضعفاً ظاهراً بحيث لم تُعد تقوى على شيء وخاصة أن إمبراطورها قد أسر في تلك الموقعة الشهيرة، فتقدّم السلاجقة في بلاد الأناضول ثم قامت إمارات سلجوقية لعل أبرزها الإمارة التي أسسها سُليمان الأول بن قطلمش بن أرسلان بن سلجوق والتي عرف السلاجقة فيها باسم سلاجقة الروم وكان مقرها قونية، وكانت هذه أول الإمارات السلجوقية في بلاد الأناضول ثم أعقب ذلك قيام إمارات أخرى.
ولمّا تأسست إمارات سلجوقية في الأناضول قامت كذلك إمارات أُخرى في أرمينيا إلى جانب دويلات أرمينية هذا بالإضافة إلى الأرمن الذين فرّوا نحو الغرب من وجه السلاجقة وأسسوا إمارةً لهم في كيليكيا في شمال غربي بلاد الشام وكانت مُستقلة وبقيت حتى انهارت على أيدي المغول في أواخر القرن السابع الهجري.
الأحداث والفتوحات التي جرت مع الملكشاه:
توسع ملك السلاجقة أيام ملكشاه كثيراً إذ ضمَّ إليه دمشق عام (468 هجري)، وانتهت بدعة (حي على خير العمل)، في الأذان، وسار صاحب دمشق الملك المُعظم الإقسيس وهو اتسز بن أوف الخوارزمي بملاحقة العبيديين إلى مصر عام (469 هجري). وألقى الحصار عليهم فيها غير أنه لم يتمكن من دخولها، وعندما عاد إلى دمشق سار إليه الملك المُظفر تاج الملوك تتش بن ألب أرسلان أخو ملكشاه، فلم يحسن الإقسيس استقباله لذا فقد قتله عام (471 هجري)، وحكم دمشق مكانه.
كما تمّ إضافة السلاجقة لديهم حمص وحلب، وبعد هذا الإضافة سار ملكشاه إلى بغداد عام (479 هجري)، ويرافقه الوزير نظام الملك، فذهبا وقاموا بزيارة معالم المدينة ومشاهدها وعادا بعدها إلى أصبهان في شهر صفر من عام (480 هجري)، وفي هذه الأثناء تزوج الخليفة ابنة السلطان ملكشاه. وضمَّ السلاجقة إليهم بخارى وسمرقند وبلاد ما وراء النهر كلها من أحمد خان عام (482 هجري).
ووصلوا إلى كاشغر في تركستان الشرقية، كما قاموا بحمل جزية الروم إلى الحاكم ملكشاه وهو في كاشغر ليشاهد رسول الإمبراطور البيزنطي كمية مُقتدرات وأملاك ملكشاه، وبعد ذلك اتجه ملكشاه إلى بغداد عام (484 هجري)، وعاد بعدها إلى أصبهان كما اتسع سلطان ملكشاه إلى اليمن وعدن، وانتصر على الغزنويين بعد أن هُزم عمه عثمان أمامهم وأسر وحمل إلى غزنة.
اختلف ملكشاه مع أخيه صاحب دمشق تتش، وجرى قتال بين الطرفين، كما أن أخاه الثاني تكش صاحب طخارستان قد استولى على بعضن أجزاء من خراسان. وانتصر ملكشاه على عمه تاروت صاحب كرمان وقتله. ولم يقتصر السلاجقة في أيام ملكشاه على توسعة نفوذهم في البلاد الإسلامية بل تخطوها فتوسعوا بانتشارهم في بلاد الروم، واستردوا بعض ما كان الروم قد أخذوه من المسلمين.
إذ استرد نصر بن محمود بن صالح بن مرداس منبج من الروم (468 هجري)، كما استرد سليمان بن قطلمش صاحب قونية من الروم مدينة إنطاكية عام (477 هجري)، وقد كانت بيد الروم منذ سنة (358 هجري). وعاد ملكشاه ثانيةً إلى بغداد، وكان فى هذه المرة يضمر الشرّ للخليفة، فما أن دخلها حتى طلب من الخليفة أن يغادرها ويتركها له ويرتحل إلى أية جهةٍ يشاء.
فطلب الخليفة من أن يمهله شهراً فرفض ملكشاه إمهاله ساعةً واحدةً فطلب الخليفة عندئذٍ من الوزير أن يرجو السلطان مهلة عشرة أيام على الأقل، غير أن السلطان قد غادر بغداد في أثناء ذلك، وتوجّه ملكشاه نحو أصبهان ومرض في الطريق، وما أن وصل إلى مقصده حتى أدركته منيته وذلك عام (485 هجري). كتمت زوجة السلطان (تركان خاتون) موته، واستدعت الأمراء، وأعلمتهم بالأمر، واستخلفت ابنها محمود وهو صغير السن إذ لا يزال في الخامسة من عمره.
كان ملكشاه من أفضل الملوك من حيث السيرة حتى كان يُدعى بـ (السلطان العادل). وكان ينصف للمظالم هو شخصياً، ويحلّ بين الناس بالقسطاس المستقيم، كما كان أبوابه مفتوحة لكل قاصد بحيث يستطيع أي شخص من أفراد شعبه أن يتصل به في سهولة ويسر لرفع ظلامته أو للتعبير عما لحقه من اضطهاد. وكانت السبل في أيامه آمنة، والقوافل تسير من بلاد ما وراء النهر إلى أقصى بلاد الشام في أمن وطمأنينة.
كما أن قام ملكشاه عمليات الحفر للآبار في طريق مكة، وأنشئ منارة القرون بالسبيعي في طريق مكة، وأنشئ منارة أخرى ببلاد ما وراء النهر، وأسقط المكوس عن حجاج بيت الله، وقد سارت مهارته في الصيد على كل لسان. واستوزر السلطان ملكشاه وزير أبيه السلطان ألب أرسلان وهو أبو الحسن علي بن إسحاق المعروف بنظام الملك، وكان ألب أرسلان قد عهد إليه بتنشئة ابنه ملكشاه.
فلمّا أخذ الولاية الأمر ملكشاه بعد والده ألب أرسلان استبقاه مما جعل به مُدبر ملكه ومستشاره الصادق، وكان نظام الملك صاحب علم، ودين، وجواد، وعادل، وحليم، كثير العفو طويل الصمت، وكان مجلسه حافلاً بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، واشتهر ببناء المدارس وخصص لها النفقات العظيمة، وأملى الحديث ببغداد ونيسابور، وكان قد تعلم العربية مُنذ صغره، وصدف عن الدنيا في أواخر حياته.
الأحداث التي جرت بعد وفاة الملكشاه:
خلف نظام الملك من بعده أبناءه الاثنا عشر على حكم الدولة بشكل قوي وكبير، وقُتل نظام الملك وهو صائم بالعاشر من رمضان عام (485 هجري)، على يد أحد غلمان الباطنية. وكان السلطان ملكشاه قد لقبه أتابك أي (الوالد الأمير)، ومات السلطان ملكشاه بعده بشهر وخمسة أيام. توفي ملكشاه في منتصف شوال عام (485 هجري)، وخلف عدداً من الأولاد أكبرهم بركيارق ولد عام (472 هجري)، ومحمد ولد عام (473 هجري)، وسنجر ولد عام (477 هجري)، ومحمود ولد عام (480 هجري)، أما ولده الكبير أحمد فقد توفي عام (474 هجري)، وكان يريد توليته العهد من بعده.
كما تمكّنت زوجة ملكشاه (تركان خاتون)، بمُسامندة الوزير تاج الملك تولية ابنها محمود الصغير السلطنة بعد أبيه ملكشاه، ووافق الخليفة بعد تردد على تلك التولية، وخطب له بعد الخليفة، وكان الوزير تاج الملك يقوم بالوصاية عليه. كان محمود بن ملكشاه في بغداد، وكان أخوه بركيارق في أصبهان، وخشيت تركان خاتون من منافسة بركيارق لأخيه الصغير محمود فأرسلت إلى أصبهان من قبض على بركيارق وسجنه.
غير أن أحد أولاد نظام الملك قد قام بإخراجه من السجن، وسار به إلى الريّ وجعله ملكاً، وافتعل القتال بين الجهتين، وهرب جيش محمود واعتصم بأصبهان، وحاصره أنصار بركيارق، وتم بعدئذ الصلح بين الطرفين مقابل مبلغ من المال يدفع لبركيارق. وقُتل في هذه الأثناء عام (486 هجري)، الوزير تاج الملك.
وعاد الخلافات بين الأخوين بعد أن قامت أم محمود (تركان خاتون)، على تحريض بركيارق خاله إسماعيل إلا أن إسماعيل قد هزم. وانتصر بركيارق في النهاية، واتجه إلى بغداد، ونودي به سلطاناً في مطلع عام (487 هجري)، (14) المحرم، على حين بقي محمود بأصبهان، ووافق الخليفة على سلطنة بركيارق وقلده، وفي اليوم التالي لهذا التقليد توفي الخليفة نفسه(15) المحرم.
شاه خوارزم:
كان أحد سقاة بلاط السلطان ملكشاه رجل يُدعى: (أنوشتكين) ووظيفة الساقي هي الإشراف على موائد القصر، وقد اشترك (أنوشتكين)، في القتال الذي دار بين السلاجقة والغزنويين، وكان له باع في إحراز النصر السلجوقي بعد الهزيمة التي حلت بهم فكافأه السلطان ملكشاه وأعطاه إقطاعية خوارزم (مدينة خيوه) الواقعة جنوب بحيرة خوارزم (بحر أرال) بمائتين وثلاثين كيلومتراً، فبدأ أنوشتكين مُلكه عام (470 هجري)، واستمر في حُكمه مُدة عشرين سنة حيث توفي وخلفه ابنه قطب الدين عام(490 هجري).