اقرأ في هذا المقال
الخليفة المستنجد بالله:
هو يوسف أبو المظفر المستنجد بالله بن محمد المقتفي لأمر الله ولد سنة (518 هجري)، وأُمه أم ولد كرجية تدعى (طاووس).
الأحداث التي جرت في دولة العبيديين:
توفي الخليفة العبيدي الفائز عام (555 هجري)، وعمره أحد عشر عاماً، وكان يدبر أمور دولته الوزير الملك الصالح فارس الدين أبو الغارات طلائع بن رزيك، وتولى بعد الفائز ابن عمه العاضد أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ واستمر طلائع بن رزيك في تيسير أمور الدولة غير أنه قُتِلَ عام (556 هجري)، وتسلم بعده ابنه رزيك أبو شجاع الملك العادل، وكان يُحذر نائبه على الصعيد شاور بناءً على وصية أبيه، وهو الذي قدمه، وشاور هو أبو شُجاع بن مجير الدين السعدي.
استطاع شاور أن يخلع رزيك بن طلائع وأن يحل محلّه في الوزارة، وفي عام (558 هجري)، قُتل طي بن شاور رزيك بن طلائع، وكان لهذا القتل أثره في نفوس الأهلين، فأجمع أنصار الملك العادل على القيام بثورة ضد شاور، واستغل هذا الحقد أحد المُقدمين وهو ضرغام وقام بحركة ضد شاور الذي فرَّ إلى بلاد الشام، وتمكّن ضرغام من الانتصار وقتل ولدي شاور وسجن الثالث، وتسلّم ضرغام الوزارة مكان شاور.
طلب شاور بن مجير الدين الغوث من نور الدين محمود، وتعهل له بدفع نفقات الحملة، وتقديم ثُلث خراج مصر إلى نور الدين محمود لقتال الصليبيين، فوافقه نور الدين محمود، وفي رغبته حُكم مصر ليستطيع تنفيذ مهمته في حصار الصليبيين وخاصة أنه يعلم أن العبيديين على درجة من الضعف لا يستطيعون معه الوقوف أمام الصليبيين. فأرسل مع شاور حملة بقيادة أسد الدين شيركوه بن شادي.
كان المصريون يدفعون أتاوةً للصليبيين، واختلف ضرغام مع عموري ملك بيت المقدس الصليبي، فسار عموري إلى مصر عام (559 هجري)، ليفرض أتاوةً سنوية كبيرة على مصر، وليفرض رأيه، وانتصر على ضرغام في بلبيس وأراد ضرغام أن يتجنب الهزيمة الأكبر ففتح السدود على النيل وكان وقت الفيضان بل في أوسع مدىً له، فأغرقت الدلتا واضطر عموري أن يُعود إلى مقرّه، وتمّ لضرغام ما أراد.
بعد أن عاد عموري وذهب إلى مسامع ضرغام عن عملية اتفاق شاور مع نور الدين محمود فأسرع إلى عقد حلف مع عموري وزاد من قيمة الأتاوة التي يدفعها للصليبيين. غير أن شاور وصل وأسد الدين شيركوه وصلاح الدين بن نجم الدين أيوب قبل أن يصل عموري، والتقى الفريقان في بلبيس، وانتصر أسد الدين شيركوه، واستولى شاور على الفسطاط بينما كان ضُرغام في قصر القاهرة وقد قُتِلَ وهو يُحرّض الناس إذ تخلّى عنه أنصاره.
وأخذ شاور الوزارة، وقام بالتصالح مع الخليفة العبيدي العاضد، وحسَّ بقوته فرفض أن يدفع لأسد الدين شيركوه نفقات الحملة بل نقض عهده معه، وطلب منه أن يرجع إلى بلاد الشام، فلم يستجب أسد الدين لطلبه، فحالف شاور الصليبيين، وحاصروا أسد الدين شيركوه في بلبيس فاضطر أن يعود إلى بلاد الشام بعد حصار دام ثمانية أشهر.
ولم يتمكن من فك الحصار عنه إلا بعد أن قام نور الدين محمود بهجوم على الأجزاء الشمالية التي بيد الصليبيين، وانتصر على جموعهم، وأسر أُمراءهم وفتح حارم وبانياس، فأجبر الصليبيون في بلبيس إلى فكّ الحصار والاتجاه نحو الشمال للوقوف في وجه نور الدين محمود. أفاد أسد الدين شيركوه من هذه الحملة حيث عرف أوضاع مصر وطبيعة أهلها، واختلاف أبنائها.
ورأى من المهم بمكان امتلاكها كي يتمكّن من القضاء على الصليبيين فبدأ يُعدّ العدّة، واستمر في إعداد حملة قوية مُدة عامين. سار أسد الدين شيركوه بن شادي بجيش كبير إلى مصر، ووصل إلى بلبيس وهزم المصريين، غير أن شاور قد استنجد بالصليبيين فجاءوا إلى مصر بأعدادٍ كبيرةٍ، وحاصروا شيركوه في بلبيس، وأجبروه على العودة إلى الشام.
وبعد مدة رجع الصليبيون أيضاً إلى مناطقهم في فلسطين. وقامت ثورة يحيى بن الخياط الذي طلب الوزارة لنفسه، وهو من أنصار طلائع بن رزيك، وقد قمع هذه الثورة شاور لكن قامت ثورات مُتعددة لكنها كانت كُلها أقل أهمية من ثورة ابن الخياط. وبلغ شاور أن نور الدين محمود يُعدّ العدّة لغزو جديد لمصر، ورأى شاور أن يستنجد ثانية بالصليبيين، ووعدهم بموطن دائم في بلده.
ذهب أسد الدين شيركوه من الشام عام (562 هجري)، وفي الوقت نفسه اتجه الصليبيون نحو مصر أيضاً ومشى الجيشان على شاطئ نهر النيل، والتقيا في معركة جنوب مدينة المنياء وقد انتصر شيركوه، وانسحب الصليبيون نحو القاهرة حيث كان معسكر أميرهم عموري. ولم يجد أسد الدين شيركوه نفسه قادراً على السير إلى القاهرة لذا فقد وطد أقدامه في الصعيد، وجبى الخراج، ثم سار عن طريق الصحراء إلى الإسكندرية فدخلها من دون مقاومة، فولّى عليها ابن أخيه صلاح الدين، وترك معه نصف الجيش، وعاد هو إلى الصعيد.
وذهبت القيادات المصرية والصليبية بإتجاه الإسكندرية وقامت بمُحاصرتها براً وبحراً إذ جاء أسطول صليبي إلى مياهها، واستمر الحصار أربعة أشهر، واستنجد صلاح الدين بعمه أسد الدين شيركوه فجاء إليه مُسرعاً، وجرى صلح بين الطرفين ينسحب بموجبه أسد الدين شيركوه من مصر مقابل خمسين ألف دينار.
ولم يقبل الصليبيون عملية الصلح إلا لأن سلطتهم قد ضَعُفت ورأوا من المصلحة السير بقوتهم إلى الشمال حيث سار نور الدين محمود ومعه أخوه قطب الدين مودود إلى البلاد التي يسيطر عليها الصليبيون في منطقة طرابلس حيث فتحا صافيتا، وأغارا على عرقة وحلبا. قرر الصليبيون احتلال مصر إذ رأوا أن الوقت مناسب لهم، فزحفوا عليها فما كان من شاور إلا الاستنجاد بنور الدين محمود فأرسل إليه حملة بإمرة أسد الدين شيركوه، ومعه أخواه، وابن أخيه صلاح الدين.
وقد وجد نور الدين في التعاون مع شاور الانتصار على الصليبيين ثم يمكن بعدئذ التخلص من شاور وحكم مصر، وعندها تقوى جبهة المسلمين حيث تصبح واحدة ويمكن وقتئذٍ طرد الصليبيين من المناطق التي سيطروا عليها.
الأحداث التي جرت مع صلاح الدين وولايته:
سار الصليبيون في صفر عام (564 هجري)، إلى مصر، ودخلوا بلبيس وأساءوا إلى الأهالي، ثم اتجهوا إلى القاهرة فأحرق شاور الفسطاط كي لا يدخلها الصليبيون، فالتجأ أهلها إلى القاهرة، وخاف الناس من وصول الصليبيين إليهم لِمَا سمعوا من أفعالهم في بلبيس والمناطق التي مروا عليها لذا أخذت الحماسة أهل القاهرة، وقرروا مُجابهة الصليبيين بكل إمكاناتهم.
بدأ شاور يفاوض عموري قائد الصليبيين، ووصل شيركوه إلى القاهرة في جمادى الآخرة ولا يزال عموري على أسوارها وقد رأى أنه لا قبل له بقتال شيركوه لذا فضّل الإنسحاب والعودة إلى فلسطين دون قتال، ودخل شيركوه القاهرة فاستقبله المصريون بالترحاب كعادتهم مع كل قادم قوي.
رأى شيركوه أن الأمر لا يستقر إلا بالتخلص من شاور وقد قام صلاح الدين بهذه المُهمة وتخلص من شاور عام (564 هجري)، وولّى العاضد الوزارة إلى شيركوه الذي توفي عام (565 هجري)، فخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب ولُقِبَ بالملك الناصر. وفي الوقت نفسه استولى نور الدين محمود في بلاد الشام على قلعة جعبر وأخذها من أيدي الصليبيين.
كسب صلاح الدين ثقات أهل مصر، غير أن الخليفة العبيدي العاضد كان يخاف من صلاح الدين للخلاف بينهما في العقيدة لذا بدأ يُحيك المؤامرات ضده ومنها مُحاولة قتل صلاح الدين بيد نجاح، وهذا ما جعل صلاح الدين يقتل نجاحاً، وعندما ثار أتباعه انتصر عليهم غير أن حركتهم بقيت عدة سنوات.
عمل الصليبيون والبيزنطيون على اتفاقهم بعملية القيام بحملات مُشتركة ضد مصر، وساروا بحملةٍ بحريةٍ نزلت بالقُرب من دمياط، فأسرع صلاح الدين إلى دمياط وتحصن فيها، كما أن نور الدين محمود قد أسرع إلى غزو البلدان التي يسيطرون عليها، فحاصر الكرك، وأرسل نجدة إلى صلاح الدين وكانت القوة تتحرك إثر القوة وكان على رأس إحداها أبو صلاح الدين يوسف نجم الدين أيوب وقد نصحه نور الدين محمود عندما أرسله أن يأمر ابنه صلاح الدين بالدعاء للخليفة العباسي المستنجد.
استمر حصار الصليبيين لمدينة دمياط خمسين يوماً اضطروا بعدها إلى رفع الحصار عنها نتيجة الإمدادات التي كانت تصل إليها من نور الدين محمود، وشدّة مقاومة صلاح الدين، ودعم الخليفة العبيدي العاضد، واستيلاء نور الدين محمود على أجزاء من مملكة الصليبيين فى بيت المقدس.
غادر الصليبيون دمياط، وتفرغ صلاح الدين لتوطيد أقدامه، فجاءت أُسرته من بلاد الشام، وعيّن أباه على بيت المال، وأسند مناصب القضاء إلى جماعة من المسلمين بدلاً عن العبيديين، وضَعُفَ بهذا أمر الخليفة العبيدي العاضد، وخاصة بعد أن أسند صلاح الدين إلى أنصاره بعض قيادات الجيش، وعزل من يشك في إخلاصهم له.
وأقام صلاح الدين على قصر الخليفة العاضد بهاء الدين قراقوش، وقام بمُحاصرة الأُسرة العبيدية في جناح خاص من القصر، وعقد مجلساً للأُمراء واستشارهم في الخطبة للخليفة العباسي المستضيء فوافقوه وتم ذلك، وتوفي العاضد في مطلع عام (567 هجري)، ولم يدرِ ما تمَّ، وبذا انتهت الدولة الفاطمية بموت العاضد، وتسلّم صلاح الدين أمر مصر كلها.