اقرأ في هذا المقال
دولة الغزنويون في عهد القادر بالله:
توفي سُبكتُكين عام (387 هجري)، وخلفه ابنه الأصغر إسماعيل وكان ضعيفاً، فاتصل قادة الجُند بأخيه محمود وشجعوه على تسلم الأمر، وهو الكبير، فتمَّ له ذلك عام (388 هجري). كان محمود الغزنوي قوياً وهو أول من تلقّب من الغزنويين بلقب سلطان، وكان يُعرف من قبل بالأمير، ولقبه الخليفة العباسي القادر بيمين الدولة وأمين الملة.
أنهى محمود الغزنوي على سُلطان البويهيين في بلاد الجبل والريّ وقام بالقبض على مجد الدولة بن فخر الدولة وابنه أبي دلف. ودخل بلاد قزوين وصلب عدداً كبيراً من أصحاب الباطنية، ونفى المُعتزلة إلى خراسان، وأحرق كُتب الفلاسفة، والمعتزلة، والنجوم. وحارب الأتراك الغز أصحاب أرسلان بن سلجوق، وكانوا يقطنون صحاري بُخارى، وقبض على كبيرهم أرسلان ونفاه إلى بلاد الهند. وهرب قسم منهم إلى خراسان فتتبعهم وقد قويت شوكتهم هناك.
وسيطر على خراسان، وأنهى نفوذ السامانيين منها. واستولى على سجستان من صاحبها خلف بن أحمد عام (393 هجري). وقاتل الغور وهم جماعة يُقيمون في المناطق الجبلية بين هراة وغزنة، وكانوا لا يدينون بالإسلام، ويقطعون الطريق، ويُخيفون الناس فأخضعهم لسلطانه وعمل على نشر الإسلام بينهم، وأرسل إليهم جماعة من المسلمين يُعلِمونهم أُصول الدين.
الأحداث التي جرت مع الملك جيبال ومحمد الغزنوي:
ولعل أكثر ما اشتهر به محمود الغزنوي إنما هي فتوحاته في بلاد الهند إذ أنه ضمَّ أجزاء جديدة إلى بلاد الإسلام، وعمل على نشر هذا الدين بينهم لأن حروبه السابقة إنما كانت في بلاد الإسلام بأكثرها، بينما قتاله في بلاد الهند حملت صفة الجهاد، وقد زادت حملاته إلى بلاد الهند على اثنتي عشرة حملة بدأها عام (392 هجري)، إذ انتصر على ملك البنجاب (جيبال) وأسره، كما أسر أكثر من نصف مليون إنسان.
ثم أطلق سراح الملك (جيبال) وكان من عادة الهنود أنه إذ وقع أحد منهم بالأسر وكان رئيساً ألا تعود له الرئاسة فيما بعد إذا تخلّص من الأسر، فلما فدى (جيبال) نفسه عاد، وحلق رأسه، وألقى نفسه بالنار وترك ملكه لابنه أنندبال، وقد قضى السلطان محمود على هذه العادات الجاهلية بنشر الإسلام في تلك الجهات.
وفي عام (394 هجري)، قصد إقليم (ملتان) جنوب البنجاب ودخله وعمل على نشر الإسلام هناك، وولّى على الإقليم أحد المسلمين وعهد إليه بتعليم الإسلام للأهالي. وفي عام (396 هجري)، سار السلطان محمود إلى مدينة ملتان، وقد سار إليها عن طريق البنجاب ولما لم يسمح له ملك البنجاب أنندبال بن جيبال بالمرور عبر بلاده قاتله وانتصر عليه وتابع طريقه، ومن المعلوم أن الملتان كانت قد فتحت أيام محمد بن القاسم الثقفي عام (92 هجري).
وكان يحكمُها أبو الفتوح داود ولكن يأخذ بمبدأ القرامطة فلما سمع بمسير السلطان محمود إليه فرَّ إلى جزيرة سرنديب (سيلان) فقضى محمود على مُقاومة أهلها وفرض عليهم الجزية بصفتهم يدعون مذهباً خاصاً. وفي عام (397 هجري)، سار إلى ولد أنندبال الذي اعتنق الإسلام على يد السلطان محمود ثم عاد فارتد وشق عصا الطاعة فحاربه وانتصر عليه وضمّ البنجاب إلى مملكته.
وجرّد حملة لقتال إيلك خان الذي استولى على بلاد ما وراء النهر من السامانيين وبينما كان السُلطان محمود مشغولاً في تلك الحملة إذ علم أن ملوك الهند قد شكلوا حلفاً لقتاله فسار إليهم عام (398 هجري)، وعبر نهر السند، وانتصر عليهم انتصاراً رائعاً إذ غنم غنائم لا تُحصى فانتثر عقد هذا الحلف وفقد ملوك الهند هيبتهم.
وعاد داود أبو الفتوح صاحب الملتان إلى بلده الملتان وعاد إلى مبدأ القرامطة فشن السُلطان محمود عليه حملتان عام (400 هجري)، و (401 هجري)، ودخل إثرها الملتان، وأخذ داود أسيراً حيث نفاه إلى بلاد الغور وبقي في منفاه حتى مات. وغزا الهند عام (404 هجري)، وهدّم صنم (سومنات) المشهور وغنم غنائم كثيرة.
وشنّ غزواتٍ ثلاثاً على بلاد كشمير في سبيل ضمّها إلى سلطانه، ولكنه لم يوفق فيها رغم تعددها، وعلى التوالي في السنوات (404 هجري)، و (405 هجري)، (406 هجري)، إذ فقد كثيراً من جنده، وقد ذهب أكثرهم غرقاً في فيضان الأنهار. واشتغل عام (407 هجري)، بقتال خوارزم إذ كان مأمون شاه خوارزم قد تزوج أخت السلطان محمود، واعترف بسلطانه على بلاده غير أن بعض قواده قد قتلوه وأجلسوا ابنه مكانه فسار السلطان محمود إلى بلاد خوارزم، واستولى عليها، وعاقب الثوار القتلة، وولّى على خوارزم أميراً من قبله.
سار السلطان محمود بعد ذلك بإتجاه كشمير فقام بإخضاع حاكمها الذي أسلم على يديه، كما أسلم بعض راجات الهند عندما اقترب السلطان محمود الغزنوي من بلادهم إذ كان يتملكهم الخوف والفزع، وفي كل مكان يدخله كان يُحطم الأصنام التي كان بعضها مصنوعاً من الذهب. ثم سار محمود الغزنوي نحو قنوج على نهر الغانج فهرب منها صاحبها، فهدم الأصنام، واستولى على قلاعها.
وبدأ راجات الهند يجمعون أنفسهم، وانضم إليهم من سبق له وخضع لغزنة فسار إليهم السُلطان محمود عام (409 هجري)، وفلّ جموعهم، ووطد الأمن في المناطق الجبلية التي كان بعض قُطاع الطرق يعيثون الفساد فيها. وفي عام (416 هجري)، سار نحو الهند فقطع صحراء ثار، وتجمع أُمراء كوجرات بعد فرارهم. وكانت آخر غزواته لبلاد الهند عام (418 هجري)، التي أعد لها أُسطولاً إذ غدا لدولته منطقةً ذات ساحل.
نهاية محمد الغزنوي:
وعندما حضرت الوفاة السلطان محمود الغزنوي عام (421 هجري)، أوصى من بعده لابنه محمد، وهو الأصغر، وكان نائباً له ببلخ، بينما ابنه الأكبر مسعود والذي كان ولياً لعهده من قبل قد أزال عنه العهد، وجاء محمد إلى غزنة، وأخذ البيعة وانشغل باللهو فأساء ذلك بعض القادة فدعوا أخاه مسعوداً وبايعوه بعد أن قبضوا على محمد، وبعد أن وقع خلاف بين الأخوين.
تولى مسعود الأمر عام (421 هجري)، واستولى على مكران عام (422 هجري)، وأصبحت الدولة الغزنوية تضُم أكثر أجزاء المشرق الإسلامي بل سار مسعود إلى خراسان لفتح العراق إلا أن استغلال نائبه في لاهور ذلك فُرصةً للوثوب على ما تحت يده قد حال دون ذلك وعاد مسعود إلى مقره في غزنة.