أصبحت سلطة الكنيسة القوة الوحيدة الكبيرة التي ربطت أوروبا مع بعضها خلال الفترة الإقطاعية، فقد مسَّت الكنيسة حياة كل فرد في أوروبا بعدة طرق، فكانت تُعمّد الفرد عند ولادته وتقوم بمراسم الزفاف عند زواجه وكما تقوم بمراسم الدفن عند وفاته.
سلطة الكنيسة في أوروبا في العصور الوسطى:
أصبحت الكنيسة أكبر مالك للأراضي في أوروبا الغربية في العصور الوسطى، فقد قام السادة الإقطاعيين بمنح إقطاعات للكنيسة مقابل خدمات يؤديها رجال الدين، وفي بداية الأمر هيمن السادة الإقطاعيون على الكنيسة، إلا أن الكنيسة في الأخير حصلت على حريتها، وعلى الرغم أنه لم يكن لرجال الدين دور مباشر في الحروب الإقطاعية، إلا أنهم سيطروا على السادة بما كان لديهم من أنواع الأسلحة الخاصة بهم، فقد كان الحرمان الكنسي؛ أي الطرد من الملة النصرانية واحداً من أعظم أسلحة الكنيسة، وحرمانه من أمل الذهاب إلى الجنة الموعود بها في نظرهم.
حيث إذا استمر أحد السادة في التمرد بعد هذا الطرد، فإن السلطة الدينية تأمر بإغلاق كل الكنائس الموجودة في أرضها، وحينها لا يستطيع أي إنسان العيش في تلك الأرض، ولا يتم زواجه ودفنه بمباركة الكنيسة، كما أن أجراس الكنيسة لا تقرع أبداً فيها، وقد كان الناس في ظل هذه الحالة يتذمرون تذمراً شديداً إلى حد التمرد، الأمر الذي كان يجبر السيد في نهاية الأمر على الاستسلام للكنيسة.
حياة الناس في أوروبا في العصور الوسطى:
كانت أوروبا في القرن العاشر ميلادي فقيرة ومتخلفة وقليلة السكان، ولم يكن بإمكانهم زراعة نصف الأراضي، وذلك لكثافة الغابات والمستنقعات في أوروبا، كما أدت الحروب والأمراض والمجاعات فيها إلى حد كبير؛ ممّا جعل سكان أوروبا قليلي العدد وقد كان مستوى عمر الفرد حينه ثلاثون سنة، كما كان السفر والاتصال عندهم قليلاً.
وقد كان شعب أوروبا الغربية في العصور الوسطى يتكون من ثلاثة فئات، وهم طبقة السادة “اللوردات” الذين حكموا إقطاعات كبيرة وكان عملهم القتال، وطبقة رجال الدين الذين كان يعملون في خدمة الكنيسة، وطبقة الفلاحين والذين كانوا يعملون في الأرض من أجل كسب لقمة العيش لأنفسهم ولرجال الدين والسادة، وقد كان القتال محور حياة السيد، فقد كان السيد يعتقد أن الأسلوب الوحيد المشرف للحياة، هو أن يكون المرء محارباً محترفاً وقد قاتل السادة وفرسانهم، وهم يلبسون الدروع الثقيلة ويمتطون الخيول الحربية الضخمة.
وقد كان سلوك المقاتلين محكوماً بنظام، وقد كان نظام الفروسية يتطلب من الشخص، الذي ينال لقب الفارس أن يخضع لفترة تدريب طويلة وشاقة، وأن يقاتل وفقاً لقواعد محددة وأن يفي بوعده وأن يدافع عن الكنيسة، كما يشتمل نظام الفروسية على قواعد لحسن السلوك مع النساء، وقد كان السيد وفرسانه في أوقات السلم يستمتعون بالتدريب استعداداً للحرب.
وقد كان السيد يعيش في بيته الإقطاعي أو القلعة، وقد كانت القلاع الأولى حصوناً بسيطة، محوطة بأسيجة من جذور الأشجار، وأما الحصون التي تم تشيدها فيما بعد فقد كانت ضخمة وتم بناؤها من الحجر، وقد كان السيد وفرسانه يتناولون طعامهم وشرابهم، وكما كانوا يمارسون لعبة الشطرنج، وفي فترة العصور الوسطى، كانت السيدة “الليدي” زوجة السيد تتدرب على الخياطة والنسيج والغزل والإشراف على خدم المنزل.
وقد كانت الليدي في أوروبا في العصور الوسطى تتمتع بحقوق قليلة، حيث كان بإمكان السيد أن ينهي زواجه منها إذا لم تنجب له ولداً على الأقل، وكما كان يرى البسادة أن التعليم ليس ضرورياً للمرأة، فقد كانوا القليل منهن من تستطيع الكتابة والقراءة.
وقد كان رجال الدين والأساقفة، من أصحاب المراتب العليا، فقد كانوا من النبلاء وقاموا بحكم إقطاعات كبيرة، وكما كانوا يعيشون كما يعيش النبلاء تماماً وقد كان بعضهم في مستوى ثراء وسلطة كبيرة، وقد كان أن يعيشون الرهبان الذين يعيشون في أي دير من الأديرة، مطالبين أن يعيشوا وفقاً لقواعد ذلك الدير، فقد كان يجب عليهم أن يقضوا ساعات محددة في الصلاة والدراسة والقيام بجزء من المراسم الدينية، وكانوا الرهبان البارزين عندما يغادرون الدير يصبحون مستشارين للملوك.
وعمل عدد من الفلاحين، الذين أصبحوا في سلك رجال الدين قساوسة في القرى، وكان قِس القرية يعيش في كوخ صغير بالقرب من الكنيسة، وكان يقوم بتقديم العون والنصيحة للفلاحين، ويعمل على تسوية النزاعات فيما بينهم، وقد كان القساوسة يجمعون أجور التعميد والزواج والدفن وقد كان معظم القساوسة من الطبقة الفقيرة.
وأما بالنسبة للفلاحين، فقد كانت حقوقهم قليلة جداً ويعيشون تحت أمر سادتهم بشكل كامل، وقد كانت أسرة الفلاح تعمل معاً في أرض السيد، كما كانوا يقومون بتقطيع الخشب وتخزين الحبوب وإصلاح الطرق، وقد كانوا يعيشون في أكواخ بسيطة وكانوا ينامون على أكياس مليئة بالقش.