اقرأ في هذا المقال
- الملك عبد العزيز والسياسة الخارجية
- علاقة الملك عبد العزيز في القوى المجاورة
- العلاقات السعودية الروسية
- العلاقات السعودية البريطانية
- العلاقة بين السعودية وأمريكا
الملك عبد العزيز والسياسة الخارجية:
على الرغم من المعارك التي قام بها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وتم النصر فيها له في ساحات المعركة، نلاحظ وجود معارك سياسية له كتب الله النصر فيها من دون قتال، إنما بقوة الحق وسلامة المنطق والذكاء السياسي. فلم يحمل الملك سيفه فقط؛ لكي يتوسع ملكه ويمتد سلطانه كما يفعل كثير من الملوك والحكام، وإنما كان الملك يقوم في كل معاركه لهدف أجل وأعظم من مجرد التوسع وامتداد النفوذ والسلطان.
لقد استرد عاصمة دولة آبائه وأجداده عام ۱۳۱۹ هجري الموافق ۱۹۰۲ ميلادي وقام في توحيد مملكته، ولكن أعدائه ومن كانوا معهم لم يسمحوا في بقاء الأمير الشاب في دولة آبائه وأجداده ينعم بالسلام؛ لأنهم كانوا يطمحون إلى التوسع واكتساب المزيد من الأرض والنفوذ والمغانم فاضطر الملك إلى مقاتلتهم دفاعاً عن وطنه وشعبه وكان يعلم أنّ أعوانه قد وحدوا شبه الجزيرة، فكان أمل الوحدة يراوده في كل معارکه.
ونشير إلى أنّ الملك لم يستخدم السيف في وجه الأعداء إلا بعد أن أجبرته الخيل والسياسة، فاضطر إلى قتالهم وكتب له النصر في ساحة المعركة، وفي ميدان السياسة نجد في المعارك التي خاضها الملك عبد العزيز مع ابن رشيد مثلاُ لما نقول لقد كان ابن رشيد قبل بداية صعود نجم الملك عبد العزيز واسترداد الرياض يسيطر على نجد، ويستعين بالقوى الخارجية.
ومنذ ظهور الملك عبد العزيز في ساحة القتال حيث كان يختلف عنه وعن غيره من حكام وقته ويتميز بأنه بطل آل سعود الذين توحدت شبه الجزيرة على أيديهم في الدولة السعودية الأولى (۱۱۰۷ – ۱۲۳۳ هجري ۱۷44 – ۱۸۱۸ ميلادي) وكانت صفات الشاب وشجاعته وعراقة أسرته توجهه لأن يتطلع إلى ما حققه آباؤه من قبل وربما كان ذلك غائباً عن عقول أمراء عصره وسواهم ممن كان لهم سلطان على أرض شبه الجزيرة أو نفوذاً فيها من القوى الكبرى التي كانت تتم بالمنطقة بأسرها.
لقد قدم أعداء الملك عبد العزيز لسنوات طويلة الكثير من الفرص للملك؛ حتي يتمكن النصر عليهم بالسيف أو بالسياسة فبعضهم فام الاندفاع إلى معركة فاشلة وبعضهم كان يتظاهر بالمودة لعبد العزيز ومحبة أعدائه في بعض الأحيان والقوى الكبرى في المنطقة كالأتراك والبريطانيين كانوا يسعون للسيطرة والنفوذ والسلطان، دون هدف ظاهر يخدم أهل شبه الجزيرة العربية.
تخلى الملك عبد العزيز في مراحل حياته منذ أصبح أميراً على الرياض عن الأنانية والرغبة في السيطرة على الشعب والحصول على المكاسب وتخلى أيضاً عن الإعجاب بالنفس، وتحلى بكل ما يجذب إليه الناس في شبه الجزيرة من البدو والحضر من الكرم والسخاء، والتواضع لله واللين في القول وتقدير الناس حتى ولو كانوا أعداء له وتحلى بالعفو عند المقدرة واتخذ والصبر وسيلة للتدبير و التفكير.
علاقة الملك عبد العزيز في القوى المجاورة:
بينما قام بعض أعدائه في العداوة معه وغرورهم الذي رافقهم أحياناً، حيث كانت معارك عبد العزيز السياسية أعظم تأثيراً في معاركه التي حدثت في ساحات القتال. وفي ساحة القتال تكامل انتصار الملك عبد العزيز على أعدائه وعلى القوى الكبرى في شبه الجزيرة . لقد أشرنا من قبل إلى بعض من المعارك التي خاضها الملك في ساحات القتال مع خصومه من أمراء العصر ومع بعض القبائل التي تنقض عهودها مع الملك ولكن هؤلاء جميعاً كانوا من أهل شبه الجزيرة وشعبها، والتعامل معهم هو فرض للأمن، وردع للخروج على السلطان وأساساً في الوصول إلى التوحيد السياسي للمملكة. وأما سياسة الملك مع القوى التي كانت تسيطر على بعض مناطق في شبه الجزيرة فهي جانب مهم من السياسة.
نشير إلى علاقة الملك عبد العزيز مع الأتراك التي انتهت بمغادرتهم لشبه الجزيرة العربية. وعلاقة الملك عبد العزيز مع البريطانيين التي استفاد فيها البريطانيون بظهور حاكم قوي في شبه الجزيرة واستفاد الملك من هذه العلاقة لاستكمال طريق الوحدة التي حققها بالسيف والسياسة.
كانت تلك الإنجازات السياسية للملك عبد العزيز رحمه الله هي أعظم الإنجازات السياسية العربية في عصره. وكذلك أقام الملك عبد العزيز دولة موحدة مستقلة في ظل ظروف الحرب العالمية الأولى ۱۳۳۲- ۱۳۳۷ هجري ۱۹۱۹-۱۹۱۸ميلادي والحرب العالمية الثانية.
ومع انتشار التشتت والانقسام بين أنحاء شبه الجزيرة العربية بسبب القوى الكبرى العالمية ومصالحها نجح الملك عبد العزيز في إقامة تلك الدولة الإسلامية الموحدة، مع قلة الموارد المتوافرة فيها وضعف الدعم من البلاد العربية التي كانت مشغولةبقضاياها الوطنية الكبرى.
وفي تقديرنا أن الله تعالى أنعم على المملكة بالثروة بعد أن وحدها عبد العزيز آل سعود رحمه الله، جزاء له على الإخلاص لله واعتماده في العمل بالقرآن الكريم وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والعدل بين الناس، وتحقيقاً لوعد الله ميراث الأرض لعباده الصالحين: وفي جانب الإنجاز الكبير الذي حققه الملك عبد العزيز رحمه الله لشعبه في المملكة العربية السعودية ولأمته العربية والإسلامية، في إقامة الدولة العربية الإسلامية الموحدةالمستقلة.
لقد عاصر الملك بداية مشاكل الشعب الفلسطيني عندما بدأ الاحتلال الصهيوني في السيطرة على أرضه ووطنه كانت بداية المحنة وسط أجواء عالمية تحذر بوقوع الكارثة فقد كانت الدول العربية في جملتها في المشرق والمغرب تعاني من الاحتلال وسيطرة النفوذ الاستعماري، وكانت مشغولة بالسعي والجهاد من أجل تحقيق استقلالنا، ومما ساعد على تلك المحنة خروج الحرب العالمية الثانية منتصرين وهم أكثر الناس ارتباطاً بالقوى الصهيونية، وأشدهم حرصاً على تحقيق مصالحها لا سيما حين يتعلق الأمر بحقوق العرب أو المسلمين. كان للملك عبد العزيز موقف من قضية شعب فلسطين مشهود أمام العالم العربي والإسلامي وهو في ميزان حسناته بإذن الله وهو موقف جدير بأن يذكره ويشكره كل فلسطيني وعربي ومسلم عليه.
العلاقات السعودية الروسية:
استطاع الملك عبد العزيز آل سعود أن يقود السياسة في دولتة بعالم تعقدت فيه العلاقات الدولية وما أن نشأت الدولة على يد الملك عبد العزيز حتى بدأت تثبيت موقعها على الساحة الدولية في سياسة خارجية اتسمت بالحكمة والرزانة العقلية فكانت روسيا السوفيتية (الاتحاد السوفيتي سابقاً) أول دولة غربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية لتؤسس لروابط تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وذلك في السادس من فبراير من العام 1926م وأقامت معها علاقات دبلوماسية وصفت بالوفاق والتعاون طغت عليها المصالح المشتركة للبلدين من مقاومة الاستعمار حتى اعتبر الاتحاد السوفيتي المملكة السعودية من حركات التحرر الوطني في العالم المناهض للاستعمار الغربي وأولاها اهتماماً خاصاً.
وكذلك كانت السعودية أول دولة عربية تعمل في علاقات سياسية مع روسيا السوفيتية قام الاتحاد السوفيتي بتعين سفيراً مسلماً. وعمل كل من البلدين على دعم الصداقة والتعاون بينهما وكان الحدث الأهم بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز في مايو 1932 لموسكو وكان حينها نائباً للملك على الحجاز ووجهت الدعوة لسموه من رئيس مجلس السوفيت الأعلى ميخائيل كالينين فعملت الزيارة على مد جسور التعاون بين البلدين بشكل اعمق وحظيت الزيارة باهتمام كبير من قبل المسؤولين السوفيت حيث لاقى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ترحيباً كبيراً واهتم الإعلام السوفيتي بكل وسائله بالزيارة.
العلاقات السعودية البريطانية:
تفردت وزارة الخارجية البريطانية بتلك العلاقات عندما قام الملك عبد العزيز بالتعاقد مع الحكومة البريطانية معاهدة جدة في عام 1345هجري / 20 مايو 1927ميلادي. وكانت أساس هذه العلاقات السعودية البريطانية ترجع إلى عهد الدولتين السعودية الأولى والثانية فقد اتخذت تلك العلاقات وضعاً جديداً على عهد الدولة السعودية الثالثة. وترجع العلاقات السياسية بين المملكة وبريطانيا إلى عام 1927 ميلادي عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين.
العلاقة بين السعودية وأمريكا:
بالنظر في علاقة المملكة بالولايات المتحدة نجد أنها بدأت متوحدة عن أي تطور في القوى في ذلك الوقت بين بريطانيا والولايات المتحدة التي ظهرت فيما بعد أثناء الحرب العالمية الثانية، كما ان العلاقات السعودية الأمريكية بدأت من خلال بحث الحكومة السعودية وعلى رأسها الملك عبد العزيز عن تأسيس علاقات سياسية مع جميع الدول التي لها وزنها السياسي والاقتصادي وليس غريباً القول ان السعي نحو تأسيس تلك العلاقات في تلك الفترة تم في وقت لم يكن النفط فيه عنصراً في معطيات العلاقات على الإطلاق.
وعندما عملت الولايات المتحدة بتعين العلاقة الدولية للدولة السعودية وجدت أنها مترابطة بالعديد من الدول سواء سبياسية أو حتى اتفاقيات تجارية مثل اتفاقية الملك عبد العزيز في عام 1929ميلادي مع بريطانيا. نتيجة لذلك بعثت وزارة الخارجية الأمريكية معاون الملحق التجاري بالإسكندرية السيد رالف تشيزبروف إلى جدة في صيف عام 1930 ميلادي كي يقوم بتقييم الأوضاع هناك والكتابة عن انطباعاته، وجاء هذا التحول الأمريكي نتيجة لدوافع اقتصادية في الدرجة الأولى كي تعزز علاقاتها مع المنطقة في المجالات الاقتصادية.
وفي عام 1931ميلادي قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتأسيس العلاقات مع مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها وقال وزير الخارجية الأمريكي بنفسه مع الرئيس الأمريكي هوفر الذي أصدر أوامره بالبدء في التحضير لتأسيس تلك العلاقات بين البلدين، وفي العام نفسه تسلَّم حافظ وهبة وزير الملك عبد العزيز المفوض في لندن رسالة من مستشار السفارة الأمريكية بلندن جاء فيها استعداد الحكومة الأمريكية لتأسيس العلاقات السياسية وتوقيع اتفاقية بهذا الشأن بين البلدين.
وبدأت المفاوضات لتوقيع اتفاقية التعاون وكان من المتوقع أن تسير بشكل سريع إلا أن المفاوضات استمرت عامين قبل التوقيع النهائي الذي تم في عام 1352هجري – 1933 ميلادي، ما يدل على عمق السياسة الخارجية السعودية وارتكازها على المبادئ قبل المصالح، كما تدل أيضاً على عمق الموقف السعودي في العلاقات الخارجية والمفاوضات واستقلالية القرار السعودي.