سياسة البويهيون مع الخلفاء العباسيين

اقرأ في هذا المقال


سياسة بنو بويه مع الخلفاء العباسيين:

كان لازدياد النفوذ الشركي في الدولة العباسية أثر سيء على الإدارة المركزية للدولة، فقد أصبحت عاجزة تماماً عن ضبط أمور الأقاليم التابعة لها، وبالتالي أخذ نفوذ الخلافة العباسية ينحسر شيئاً فشيئاً عن كثير من تلك الأقاليم. وفي أوائل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي).

أصبح معظم أقاليم الدولة العباسية يخضع لحكومات إقليمية مُستقلة إلى حد كبير ولا يربطها بالدولة العباسية إلا رباط شكلي يتمثل في ذكر اسم الخليفة العباسي في الخطبة، وأصبحت رُقعة الخلافة العباسية الفعلية تنحصر في بغداد وجزء صغير من منطقة السواد. في الوقت الذي وقعت فيه الخلافة العباسية ذاتها تحت نفوذ أُسرة حاكمة جديدة برزت على مسرح الأحداث آنذاك. وهي (الأسرة البويبهية) ومن أشهر أفرادها الأخوة الثلاثة علي والحسن وأحمد أبناء أبي شجاع بويه بن فناخسرو، وكان زعيماً لاحدى قبائل الديلم.

من أبرز حركات علي بن بويه وأخوته:

ارتفع ذكر بني بويه، واشتهر أمرهم على يد أكبر الأخوة الثلاثة علي بن بويه، وكان قائداً في جيش الزعيم الديلمي ماكان بن كالي،‏ ثم انفصل عنه وانضم الى منافسه القوي مرداويج بن زيار الديلمي، ويبدو أن مرداويج أراد أن يستفية من جهود بني بويه، فولّى علي بن بويه أعمال الكرج،‏ فكانت هذه الولاية نقطة الانطلاق لاقامة دولة بني بويه.

استطاع علي بن بويه بفضل قدراته السياسية العسكرية والإدارة التي انشأها، والكرم، وإحسانه مع الناس لأتباعه، من إنشاء جيش قوي، قام به بخلع أغلبية بلاد فارس في خلال مُدة قصيرة، كما جعل من مدينة شيراز قاعدة لحكمه، ولمّا توفى القائد مرداويج بن زيار، وكان أكبر قواد الديلم آنذاك، نجح علي بن بويه في استخلاص بلاد الجبل من أخيه وشمكير بن زيار. ولمّا جاءت سنة (325 هجري)، أصبح لنفوذ بني بويه يشمل بلاد فارس والريّ وأصبهان وبلاد الجبل.

أراد علي بن بويه أن يكسب حُكمه صفة شرعية، فراسل الخليفة العباسي الراضي بالله (322 – 329 هجري)، وطلب منه أن يضمنه ما تحت يديه من البلاد مُقابل أن يدفع لخزينة الخلافة مبلغ ثمانية آلاف ألف درهم، فوافق الخليفة وأرسل اليه الخلع والعهد واللواء، ولكن علي بن بويه لم يدفع المبلغ المتفق عليه.

لم يقنع بنو بويه بِمَا وقع تحت أيديهم من بلاد، بل تطلعوا إلى الاستيلاء على العراق، وشجعهم على ذلك الصراع العنيف الذي كان قائماً بين أمير الأمراء، وبين منافسيه على السلطة في بغداد. وفي نطاق هذا الصراع أُتيحت الفرصة لبني بويه لتحقيق مطامعهم، فاستولوا في سنة (326 هجري)، على مدينة الأهواز، كما نجح الجيش البويبي في دخول مدينة واسط بعد عدة محاولات، ومن واسط زحف الجيش البويهي إلى بغداد في سنة (334 هجري).

ويُذكر الصولي أن الخليفة المتقي لله كان قد بعث بكتاب لبني بويه يدعوا بهم لدخول بغداد وذلك أثناء نزاعه مع أمير الأمراء (توزون)، ولهذا كان أحمد بن بويه يعرض كتاب الخليفة على الناس عند دخوله بغداد، وذلك ‏فيما يبدو ليكسب تأييدهم، وبالتالي ليضفي على حُكمه ببغداد صفة شرعية.

كان أن الخليفة المستكفي بالله (333 – 334 هجري)، رحّب بالجيش البويهي لأنه وجد فيه خير منقذ للعراق من شبح المجاعة التي كانت تُهدده نتيجة للصراع الذي نشب بين الأمراء وكبار القواد على منصب أمير الأمراء.

خلف بنو بويه أمراء الأمراء في حكم العراق، وأسسوا فيها إمارة وراثية، دامت مائة وثلاث عشرة سنة (334 – 447 هجري)، وبمعنى آخر جعل البويهيون إمارة الأمراء وراثية في بيتهم، ووقفاً على أفراد أسرتهم، وقد أدى هذا الإجراء إلى إيجاد نوع من الاستقرار السياسي للخلافة. ويُلاحظ أن أمراء بني بويه لم يحدثوا سياسة جديدة فيا يتعلق بالتنظيم العام للدولة، وإنما اتبعوا نفس السياسة التي وجدوها قائمة في بغداد، وبخاصة في فترة إمرة الأمراء السابقة لعهدهم مباشرة.

تمتع الآمراء البويهيون بميزات كثيرة دلت على قوتهم، وعلى تميزهم عمن سبقهم من الأمراء والقواد، وتمثل ذلك في التلقب بالألقاب ومشاركتهم الخلفاء في ضرب الطبول على أبواب قصورهم في أوقات الصلاة، وعقد لوائين لبعض من تولّى منهم الإمارة على نسق ما كان يعمل لأولياء العهود.

ضعف الخلافة العباسية:

يُذكر كثير من المؤرخين أن الخلافة العباسية فقدت هيبتها، وضعف شأنها في العهد البويهي، وأن الخليفة أصبح عبارة عن رمز ديني ليس له من السلطة سوى الاسم فقط، أما السلطة الفعلية في الدولة، فكانت في يد الأمير البويهي. وفي الحقيقة لم يكن بنو بويه هم السبب المباشر لضعف الخلافة العباسية، وفقدانها غيبتها.

فالأحداث التاريخية تثبت أن الخليفة العباسي والخلافة العباسية فقدا ما كان لهما من نفوذ وهيبة في عهد ازدياد نفوذ الأتراك قبل قيام الدولة البويهية، حيث أصبح القواد الأتراك هم المسيطرون فعلاً على مقاليد الأمور في الدولة، وبلغ من نفوذهم المتزايد أن الخلفاء الأربعة الذين تعاقبوا على الخلافة بعد المتوكل على الله في الفترة من (247 – 256 هجري)، وهم المنتصر بالله والمستعين بالله والمعتز بالله والمهتدي بالله، فقدوا جميعاً حياتهم بسبب ذلك النفوذ المُتزايد يوما بعد يوم.

وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو أن الخليفة أصبح ألعوبة في يد القواد الأتراك، كما كان عاجزاً تماماً عن عمل أي شيء يتعلق بالخلافة إلا بعد أخذ موافقته. أدى هذا الوضع السيء إلى إضعاف السلطة المركزية للدولة العباسية سياسياً وإدارياً ومالياً.

وبالتالي أخذت الولايات التابعة هذه الدولة في الانفصال عنها واحدة تلو الأخرى، حتى إذا بويع الخليفة الراضي بالله بالخلافة في سنة (322 هجري)، كانت رُقعة الخلافة العباسية تنحصر في بغداد وجزء صغير من السواد. ويمكن أن نتصور ما كانت عليه حالة الخلافة العباسية من ضعف وتفكك. مما أورده بعض المؤرخين في حوادث سنة (324 هجري).

وأما توالي الأعمال فكانت البصرة في حكم ابن رائق، وخوزستان والأهواز في حكم ابن البريدي، وفارس في حكم عناد الدولة بن بويه وكرمان في حكم علي بن الياس،‏ والريّ وأصبهان والجبل في حكم ركن الدولة بن بويه، ووشمكير أخو مرداويج يُنازعه في هذه الأعمال، والموصل وديار بكر ومُضر وربيعة في حكم ابن حمدان، ومصر والشام في حكم ابن طغج، والمغرب وأفريقيا في حكم العبيديين والأندلس في حكم عبد الرحمن الناصر، وما وراء النهر في حكم بني سامان، وطبرستان في حكم الديلم، والبحرين والهامة في حكم أبي طاهر القرمطي.

ازدادت حالة الخلافة العباسية سوءاً في فترة إمرة الأمراء، وفقد الخليفة العباسي نهائياً كل إمكانياته وخصوصياته كمصدر أول للسلطة في الدولة. هذا فضلاً عن كون الخليفة أصبح مُكرهاً على متابعة تعليمات أمير الأمراء وتنفيذها كما ترد اليه. وعلى هذا الأساس لم يكن بنو بويه سبباً مُباشراً في اضعاف الخلافة وفي سلب الخليفة ماله من صلاحيات في ممارسة سلطاته المتعارف عليها.

وإنما السبب الحقيقي هو ظروف الخلافة نفسها التي مرت بها خلال المائة عام التي سبقت العهد البويهي، والتي اتفق المؤرخون المحدثون على إطلاق مسمى (عصر النفوذ التركي)، عليها ولهذا فقد كانت أوضاع الخلافة العباسية في العهد البويهي أفضل كثيراً مما كانت عليه في عصر النفوذ التركي وذلك بفضل استقرار الحكم لبني بويه، وتحملهم لعبء ادارة الدولة.

مما أبعد الخليفة عن المشاكل التي كان عرضة لها في الفترات السابقة نتيجة لتنازع القواد ثم أمراء الأمراء بعدهم على السلطة، حيث كان ذلك سبباً مُباشراً لخلع الخليفة، والاعتداء على شخصه، كما حدث لمعظم خلفاء عصر النفوذ التركي.

ولمّا انتهى الصراع على السلطة، وأصبح منصب أمير الأمراء وراثياً في الأسرة البويبهية، لم يُعد هناك داعِ للاحتكاك بالخليفة، فقد فوض الخليفة إلى الأمير البويهي بصفة رسمية ادارة الدولة باسمه. زد على ذلك أن الأمير البويهي الذي كان يستمد الصفة الشرعية لحُكمه من الخليفة، كان أكثر احتراماً وتقديراً له ممن سبقه من القواد الذين كانوا يصلون إلى السلطة رغباً عن الخليفة.

وكان الأمير البويهي الذي يصل إلى كرسي الحكم في العراق يحضر بين يدي الخليفة العباسي، فيقلده رسمياً أمور الدولة قائلاً: (أفوض إليك ما وكّل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي وأسبابي، وما وراء بابي، فتولَّ ذلك مستخيراً بالله تعالى. ثم يخلع عليه الخليفة، ويُلبسه التاج، فيكسب الأمير البويهي بذلك الصفة الشرعية لحكمه.


شارك المقالة: