اقرأ في هذا المقال
- سياسة معاوية بن أبي سفيان في الحكم
- الجبهة الشرقية في عهد معاوية بن أبي سفيان
- جبهة شمالي أفريقيا في عهد معاوية بن أبي سفيان
سياسة معاوية بن أبي سفيان في الحكم:
كان لمعاوية بن أبي سفيان أُسس وقواعد محددة في سياسته الخارجية، ولكن عهده لم يشهد الكثير من الفتوحات كما في وقت خلافة الراشدين، ولكن لم يكن هذا بسبب تقصير منه بل تقدير حسن للأمور، وكان يعلم ثقل المهمة الملقاة على عاتقه في الحقل السياسي، وكان هذه الحقول تتمثل بتثبيت الفتوحات في المشرق وفي جميع أنحاء البلاد، نتيجةً للشعور القومي لدى الفرس.
ومن ناحية أخرى كان معاوية بن أبي سفيان يعمل بكل جهده لنشر الدين الإسلامي بين الفُرس، ولهذا السبب عمل على إسكان عشرات الألآف من العرب داخل الأراضي الفارسية، وبالأخص في خراسان حتى يكون هذا الاختلاط سبباً لنشر تعاليم الإسلام ونشر اللغة العربية، ومع ذلك لم يكن غافلاً عن حماية حدود البلاد، فكانت الغزوات تنطلق من ثغر السند، إلى حدود بلاد ما وراء النهر.
وهذا جعل معاوية بن أبي سفيان قادراً على تثبيت الفتوحات ونشر الإسلام في البلاد الشرقية، وقد نجحت سياسته في الجناح الشرقي من الدولة، أما بالنسبة للجهة الغربية وخاصةً بلاد الشام ومصر كانت المواجهة مع البيزنطيين لا بد منها، وذلك لسببين مهمين: السبب الأول أن الدولة البيزنطية قريبة من مركز القيادة في دمشق، والسبب الثاني أن الخطر الدولة البيزنطية مستمر، وأنها تهدد الدولة الإسلامية.
ووقف معاوية بن أبي سفيان من خلال خبرته في السياسة وأثناء تولَّيه لبلاد الشام على أهداف البيزنطيين التي تتمثل في طرد المسلمين من البلاد، فكان كل تركيزه للتصدي لهم، ومحاولة إيقافهم عند حدهم، خاصةً في ميدان البحر، وقد استمر في اتباع استراتيجيات عسكرية خاصة.
الجبهة الشرقية في عهد معاوية بن أبي سفيان:
لم تكن حركات الفتن تهدأ في عهد معاوية بن أبي سفيان، الأمر الذي دفعه لاستئناف حركة الفتوحات، وكانت السنوات التي أمضاها معاوية في الخلافة تتميز بالنشاط الحربي الواسع، وكانت الفتوحات في جهة المشرق غير موسعة ولا تذكر، فكانت تقتصر فقط على إخضاع أهالي الدول الثائرة وجعلهم من الحلفاء.
وكان المسلمون قد وصلوا إلى كَش في أيام الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، ولكن الحكم في تلك المنطقة كانت غير مستقر ومتزعزع؛ الأمر الذي جعلهم يعودون للتقدم إلى المشرق في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، فقام أمير ثغر السند عبد الله بن سوار العبدي بغزو القيقان وهي في الأصل في بلاد السند، وما يليها خراسان حيث تم قتله فيها، وفي الوقت نفسه وصل المهلب بن أبي صفرة في غزواته إلى لاهور، وجعل قيس بن الهيثم باذغيس وهراة وبلخ يخضعون.
وفي عهد ولاية زباد بن أبيه تقدم المسلمون إلى كابل وقاموا بفتحها بعد أن حاصروها، وقام ابنه عبيد الله بن زياد بعبور نهر سيحون، وكان قائداً لقوة عسكرية واستمر حتى وصل إلى بيكند، فقامت ملكة بيكند بطلب العون حتى تمنع المسلمين من التقدم إلى أراضيها، ولكن رغم ذلك انهزموا وطلبت الصلح، فكانت مصالحتها مع عبيد الله بن زياد لقاء دفعها للجزية.
وبعدها قام معاوية بن أبي سفيان بتولية سعيد بن عثمان بن عفان على إمارة خراسان، فقامت خاتون ملكة بيكند باستغلال فرصة تغيير الحكم وقامت بنقض الصلح، وعملت على التحالف مع مجموعات من أهل السغد والترك وكَش ونسف، واجتمعوا سوياً للتصدي للمسلمين، وحدثت معركة عظيمة بين الطرفين في بُخارى وكان الانتصار للمسلمين، ونتيجة لهذا الانتصار دخل سعيد بُخارى وأخضع سمرقند وفتح ترمذ.
جبهة شمالي أفريقيا في عهد معاوية بن أبي سفيان:
مرَّت فتوحات شمالي أفريقيا بسبعة مراحل، وقد استكملت فيها عملية الفتح وانتهت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وكانت المرحلة الأولى هي فتح برقة سنة 22هـ مكملةً لفتح مصر، وكانت فتحها على يد عمرو بن العاص، وفتح أيضاً طرابلس الغرب وصبراتا وأتمَّ فتح فزَّان.
وبعدها كانت بفتح سبيطلة على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح في عام 27هـ، وبعد فتحه لسبيلطة نشر جنوده فيها حتى وصل إلى قفصة وقام فيها بفتح حصن الأجم ويقع جنوب القيروان، واكتفي عبد الله بهذه الفتوحات البسيطة وعاد إلى مصر، ولكن كان لهذه الفتوحات تأثيراً كبيراً على المسلمين.
وبعدما انشغل المسلمون بالمشاكل الداخلية توقفت حركات الفتح بشكل مؤقت، وعندما استقرت الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان أكمل الحركات الجهادية، فقام بإرسال حملة بقيادة معاوية بن حديج السكوني، وأعطى الأمر له بالقيام بغارات على المنطقة الواقعة في غرب طرابلس، وقد انتهى معاوية بن حديج إلى سهل قمونية للجنوب من قرطاجة.
وبهذه الفترة قام القائد البيزنطي نقفور بإقامة معسكره في مدينة سوسة الساحلية؛ الأمر الذي جعل المواجهة بين الطرفين أمراً حتمياً ولا رجوع عنه، ودارت بينهم مناوشات بسيطة أدت لانسحاب القائد البيزنطي من المنطقة، وكان معاوية بن أبي سفيان يريد أن يعطي حركة الفتح دفعاً تصعيدياً، وذلك كان بفصل برقة وطرابلس الغرب عن مصر في عام 49هـ، وجعل على ولايتها عقبة بن نافع، والذي كان له الكثير من الأعمال المبهرة في التاريخ.
وفي تولَّي عقبة بن نافع كانت هذه المرحلة مليئة بالأحداث المهمة، وأنه نفَّذ استرتيجيات جديدة عملت على تأمين استقرار المسلمين، وليكون المغرب جزء لا يتجزأ من الدولة الإسلامية، وقد بدأ نشاطاته بفتح العديد من المناطق الإستراتيجية في المغرب الأدنى، وقد وضع خطة تقضي بوضع حاميات عسكرية في المدن والبلدان التي يتم فتحها؛ للاحتفاظ بمكتسبات الحرب وحمايتها، مثل ودان وفزان وخاور وغدامس.
ومن خلال تجربة عقبة السابقة كان على يقين بأن أهل أفريقيا سوف يكونون مع المسلمين طالما بقي هؤلاء في بلادهم، أما إذا ذهبوا عنهم ارتدوا عن الإسلام وانخلعوا عن الطاعة، وكانت برقة وزويلة قاعدتان مهمتان للفتح الإسلامي في شمال أفريقيا، ولتأمين الخطوط الدفاعية الضرورية للمسلمين.
وقام عقبة بن نافع باختطاط القيروان في عام 50هـ بمنطقة صحراوية في جنوب قرطاجة، وتتميز هذه المنطقة بموقعها الجغرافي للحماية من الهجمات البحرية البيزنطية، وفيها من طيبات المراعي، وكان تأسيسها دليلاً على إصراره لإكمال عمليات الفتح، وكان لهذه المدينة دور كبير في فتح شمالي أفريقيا كلها، وكان الانطلاق من الأندلس، وأصبحت من أهم الحضارات الإسلامية.
وكانت سياسة عقبة بن نافع تتسم بالعنف مع البربر، ممّا جعل أمر الأمن صعباً، وأدَّى للبرابرة إلى التحالف مع البيزنطيين، وعندما أدرك معاوية بن أبي سفيان هذا الخطر قام بعزل عقبة بن نافع في عام 55هـ، وجعل بدلاً منه أبا المهاجر دينار الأنصاري.
وبتعيين أبا المهاجر دينار تبدأ الرحلة الثالثة بفتوحات شمالي أفريقيا، وكانت قد اتسمت هذه المرحلة بمنهجية معتدلة في تعاملهم مع البرابرة، وكان ذلك سبباً لتسهيل عملية نشر الدين الإسلامي، وعندما أدرك أبا المهاجر أن للبيزنطيين دوراً في انقلاب البربر ضد المسلمين قرر لوضع حد لهذا، فقام بمهاجمة البيزنطيين وأجبرهم على طلب الصلح، وقام بفتح جزيرة شريك الاستراتيجية، وجعلها قاعدة عسكرية لمراقبة تحركات البيزنطيين، وبهذا يكون قد حقق الانتصار الأول عليهم.
وتابع أبا المهاجر حملاته ضد الحكم البيزنطي، فقام بفتح ميلة التي تتوسط بين المغرب الأدنى والمغرب الأوسط واستقر فيها، وبدأ ينشر الدعوة الإسلامية منها بين البربر في المغرب الأدنى الذين تقبلوا الدعوة ودخلوا في الدين الإسلامي، وعندما اطمأن على الأوضاع في المغرب الأدنى، أكمل العمليات الجهادية لفتح المغرب الأوسط، وتجمع فيها البيزنطيين والبربر لمصلحة مشتركة في ما بينهم وهي توقف استمرار النسلمين وطردهم من المغرب الأدنى.
وكانت قبيلة أوروربا زعيمة المغربين الأقصى والأوسط، وكان الزعيم كسيلة بن لمزم الذي عرف الخطر الذي يشكله المسلمون عليه وعلى دينه النصراني، وعمل على أن يواجههم مواجهة شرسة ولإبعاد هذا الخطر الكبير عنه وعن بلاده، وقام بجمع جيش عظيم وكثيف ، وذهب إلى تلمسان وعسكر فيها هو وجنوده، وكان ينتظر المواجهة مع أبي االمهاجر دينار.
والتقى الجمعان في تلمسان ودارت مواجهة عنيفة وكانت معركة مصيرية بالنسبة للطرفين، وانتهت هذه المعركة ببانتصار عظيم للمسلمين، وهُدم جيش كسيلة وتشتت في الصحراء، ووقع كسيلة أسيراً لدى المسلمين وحُمل إلى أبا المهاجر دينار وعامله معاملة إسلامية طيبة، وكان لديه طمعاً بإسلام كسيلة؛ لأن إسلامه يكون سبباً في دخول الكثير للإسلام، ولأن مكانته كبيرة لدى البرابرة، وبالفعل دخل كسيلة وقومه للدين الإسلامي، واستعان بهم لفتح تلمسان.
وبعد أن اطمأنَّ أبا االمهاجر دينار الأنصاري على أوضاع المغرب وإلى إسلم البرابرة عاد إلى القيروان، وبدأ بمراقبة الحركات التي يقوم بها البيزنطيين وكل نشاط يقومون به، وعمل جاهداً لإزالة أي نفوذ لهم في الشمال، ولكن الأمر لم يطول وتوفي مسلمة بن مخلد مولى والي مصر في عام 62هـ، وكان سنداً كبيراً وعظيماً لأبي الماجر، وقام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بإرجاع عقبة لإفريقيا مرة ثانية وقام بعزل أبا المهاجر دينار.