طبيعة الأسئلة والمسائل في علم الاجتماع:
قد تبدو غالبية الأسئلة، وربما الإجابات، التي يطرحها علماء الاجتماع في دراساتهم واقعية وبسيطة، وربما بديهية في طبيعتها، وعلى سبيل المثال فإن كثيراً من الجوانب المتصلة بالجريمة والعقاب والعدالة تحتاج إلى استقصاء اجتماعي منهجي، وقد نسأل في هذا المجال، ما هي أشكال الجريمة الأكثر شيوعاً، أو ما نسبة مرتكبي الجرائم الذين يقعون في قبضة رجال الأمن؟ أو كم عدد الذين ينتهون من هؤلاء إلى تحمل العقوبة أو السجن؟ أو ما هي الدوافع والحوافز التي تفضي إلى الجريمة أو الجنوح؟ وربما يطرح بعض الناس العاديين أو المراقبين أو حتى المسؤولين إجابات فورية وسريعة لمثل هذه الأسئلة.
غير أن العلماء الاجتماعيين لا يرضون بمثل هذه النتائج الانطباعية المبسترة بل يجهدون أنفسهم في تقصي الأبعاد والمستويات المتعددة لكل قضية، وهم يرون على سبيل المثال، أن الإحصاءات الرسمية المسجلة عن الجريمة غالباً ما تكون قاصرة أو ناقصة أو مشوهة أو ملتبسة في تعبيرها عن المستوى الحقيقي للأنشطة الجرمية.
وقد يرون كما هي الحال الآن، أن قوى الأمن والشرطة، حتى في المجتمعات المتقدمة، لا تعرف عما يزيد على نصف حوادث الإجرام والجنوح في المجتمع، وأنها لا تتابع أو تلاحق إلا جانباً بسيطاً من هذه النسبة.
إن المعلومات والمعطيات الواقعية عن مجتمع ما لا تطلعنا، بطبيعة الحال، على حالة استثنائية، كما أنها لا تقدم لنا معلومات نموذجية جاهزة تصدق على جميع المجتمعات الأخرى، وكثيراً ما يسأل علماء الاجتماع أسئلة مقارنة، تقابل ظاهرة مجتمعية بأخرى، أو تدرس الظاهرة نفسها في مجتمعين مختلفين في سياق تاريخي واحد.
فقد نسأل في هذا المجال عن الفرق بين أنماط الجريمة في بعض المجتمعات أو مستويات الفقر في أخرى، كما أن علماء الاجتماع قد يطرحون أسئلة تطورية يتقصون بعدها تطور ظاهرة ما عبر أشكال مختلفة على مراحل تاريخية متتابعة، كأن ندرس على سبيل المثال، التغير في أنظمة السجون والتأديب خلال الفترات الممتدة منذ أوائل القرن العشرين حتى أوائل القرن الحادي والعشرين.
إن طرح الأسئلة التي ترمي إلى الحصول على المعلومات قد يتخذ في كثير من الأحيان طابعاً إمبيريقياً يستهدف التعرف على الطريقة التي تحدث بها التغيرات والظواهر بأساليب ومنهجيات ميدانية تجريبية على أرض الواقع لطبيعة الأسئلة والمسائل في علم الاجتماع.
