الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة
تستخدم الخدمة الاجتماعية طُرقاً مهنية للتعامل مع الإنسان حسب المستوى الذي تتعامل معه بهِ، فالمستوى الفردي تُستَخدم معه طريقة تُسمى خدمة الفرد، أو طريقة العمل مع الأفراد، والمستوى الجماعي تُستَخدم معه طريقة تُسمَّى خدمة الجماعة أو طريقة العمل مع الجماعات، والمستوى المجتمعي تُستخدم معه طريقة تُسمَّى خدمة المجتمع أو طريقة تنظيم المجتمع وتنميته.
وعلى العموم، فإنَّ المشكلات الأسريَّة وبخاصة حالات الفقر والعَوَز الفرديَّة وسوء التفاهم الزَّواجي والأسري تُستَخدم معها طريقة خدمة الفرد، بينما تُستَخدم طريقة العمل مع الجماعة مع قضايا التوجيه والتنشئة واستثمار أوقات الفراغ، وتُستَخدم طريقة تنظيم المجتمع وتنميته مع قضايا التخلُّف والتطوير والتغيير الاجتماعي.
ويجب الإشارة إلى أنَّ لكل طريقة خطوات وعمليَّات وأدوات تتلخَّص بتناول الحالة أو الموقف، وتنتهي بمعالجته ومتابعته وتقويمه،
وسوف نوضح تالياً طرق خدمة الفرد الأسريَّة وخطواتها وأدواتها عملياتها.
خدمة الفرد الأسرية
تُشكِّل خدمة الفرد الأسرية تدخُّلاً مهنياً مقصوداً، يهدف إلى مساعدة الأسرة على استعادة توازنها، ممَّا يُمكِّنها من القيام بأدوارها في التوظيف الاجتماعي بأكبر قدر ممكن من الفاعلية.
وتمُرّ ممارسة خدمة الفرد مع الأسرة بالخطوات التالية:
- الدراسة الاجتماعية.
- التشخيص.
- العلاج.
وتالياً، شرح مُفصَّل لأول خطوة لطرق الخدمة الاجتماعية في خدمة الفرد الأسرية:
الدراسة الاجتماعية
يتعرَّف الأخصائي الاجتماعي في هذه الخطوة على أوضاع الأسرة ويحصل على حقائق مُختارة بدقّة من بين مُختلف الحقائق المتعلِّقة بحياة أفرادها وظروفهم الداخليَّة والخارجيَّة في نطاق تناول المشكلة المطروحة، وتتضمَّن هذه الخطوة الأبعاد الآتية:
أولا: مناطق الدراسة
وهي البيانات النوعيَّة الانتقائية التي تُحَدِدها طبيعة المشكلة ووظيفة المؤسَّسة، وهي التي تتمثَّل بالتاريخ الاجتماعي والتاريخ التطوُّري، وبخاصة في حالات إضطراب الشخصيَّة.
أ- التاريخ الاجتماعي:
١- البيانات المعرفيَّة: الاسم- السنّ- العمل- العنوان- مدَّة الزواج حتى الآن- عدد الأبناء- عدد مرَّات الزواج- عدد الزوجات.
٢- طبيعة المشكلة الحاليَّة: وتعكس المشكلة القائمة من حيث السَّبب المباشر الذي دفع صاحب الحالة إلى مراجعة المؤسَّسة ومركز اهتمامه ووجهة نظره تِجاه المشكلة، وكيف بدأت، والظُّروف التي أحاطت بنشأتها، والمشكلات الأخرى التي تداعت نتيجة لها، وفكرة عن المحاولات السَّابقة للتغلُّب عليها.
٣- شخصية صاحب الحالة: (وهما هنا الزوجان) من الجوانب النفسيَّة والعقلية والجسميَّة والاجتماعية، على أن تتفاوت درجة التعمُّق في ذلك حسب طبيعة دور كل منهم في خلق المشكلة أصلاً.
4-التكوين الأسري: ويبيِّن مكوِّنات الأسرة ( الأب، الأم، الأبناء والبنات، الأخوة والأخوات، والدة الزوجة أو والديها، شقيقة الزَّوج أو شقيقه… وهكذا). كما يُبيِّن العلاقات داخل الأسرة، أي الصِّلة بين الأطراف والقيادة الأسرية، والتفاعلات فيما بين أعضاء الأسرة.
5-الدَّخل الأسري: ويُهمّ هذا أكثر في الحلات الأسرية ذات البعد المادي، وتشتمل على مصادر الدَّخل وتوزيعه على أوجه الانفاق، والتعطُّل عن العمل أو البطالة أو البحث عن العمل، والالتزامات الماليَّة المترتِّبة على الأسرة.
6- تطوُّر المشكلة الأسرية: ويُعطي فكرة عن بدايتها وتطوُّرها وشكلها الحالي، وما العوامل التي ساعدت على تكوينها، وما الأطراف التي أسهمت في نشوئها، كالأهل والأقارب والجيران، مع إعطاء فكرة عن المحاولات السَّابقة للتغلُّب عليها.
7-الظروف المحيطة بالأسرة: وتعطي فكرة عن طبيعة السَّكن وموجوداته ومستوى نظافته وترتيبه، وبيئته الخارجيَّة من الناحيتين الماديَّة والثقافيَّة، وطبيعة العلاقات التي تربط الأسرة بمحيطها.
ب- التاريخ التطوري:
وهو تسجيل الظُّروف ذات الصِّلة بالمشكلة مثل: ظروف الحمل والولادة واستقبال المولود والعناية به في سنوات عمره الأولى وطبيعة نموِّه الجسمي والعقلي والنفسي في أثنائها، مع ما يُرافق ذلك من مراجعات للأطباء والمستشفيات لبعض الاضطرابات والمعاناة فيما مضى من سنوات عمره.
ثانيا: مصادر الدراسة
وهي مختلف الأشخاص والمؤسَّسات والوثائق التي تُستَمَد منها المعلومات اللازمة لدراسة الحالة والوقوف عليها، وتشتمل على الآتي حسب الأهمية:
- الزوج والزوجة: نظراً لأنَّهما طرفا المشكلة أساساً ( وبخاصة في حالات النزاع الأسري وعدم التوافق الزوجي) ، كما أنَّهما أساس البناء الأسري الذي يؤثِّر في التفاعلات داخل البيت.
- الأبناء: فقد يكونون أساساً للخلافات بين الزوجين أو أنَّهم يعانون نتيجة لتلك الخلافات، أو أنّهم مُؤَثِرون في نتائج المشكلة على مدار الدراسة ومُتَأثِّرين بها.
- الأقارب: ممَّن يُتَوَقَع أن يكون لهم أثر في حصول المشكلة وبخاصة ممَّن يعيشون في البيت نفسه أو على اتصال دائم بالأسرة، كالآباء والأمهات والحموات والأخوات، وربما يساعدون على فهم المشكلة.
- المُحيطون: ممَّن يُتَوَقع أن يكون لهم أثر في حصول المشكلة أو يفيدون في فهمها كالأصدقاء والزُّملاء والجيران والرِّفاق داخل الحي أو مكان العمل أو اماكن إشغال وقت الفراغ.
- المعنيون بقضايا الأسرة: كالمهتمين بالأحوال الشخصية أو الصحَّة أو الحقوق الخاصَّة كالقُضاة الشرعيين والمحامين والأطباء.
- المستندات والوثائق الخاصَّة بالأسرة: كتلك التي تتعلَّق بالزَّواج والإرث والملكية والإيجار والنفقة.
- السجلات التي تثبت أو تنفي حصول الأسرة على حقوقها أو مزايا أو خدمات مثل: سجلَّات الأحوال الشخصيَّة والضمان الاجتماعي والتقاعد والمعونة والزَّكاة وما إلى ذلك.
ثالثا: أساليب الدراسة
نستخدم بالدِّراسة أساليب عديدة الهدف منها الإحاطة التَّامة والشاملة بالحالة التي يتناولها الأخصائي الاجتماعي، أهمُّ هذه الأساليب:
أ-المقابلة: وهي اللقاء المهني بين الأخصائي الاجتماعي وصاحب الحالة أولاً، ومن ثَمَّ لقاؤه مع الآخرين من ذوي الصِّلة به، واللذين يُقدّر الأخصائي الاجتماعي ضرورة الاتصال بهم من أجل الحصول على معلومات تُفيد في دراسة الحالة دراسة موضوعيَّة واعية.
وللمقابلة أشكال عدة هي:
- المقابلة الفردية: وهي النَّوع السائد في دراسة الحالات الفردية حيثُ يقوم الأخصائي بمقابلة طرف واحد فقط، وفي مقدمتهم صاحب الحالة نفسه، وهي التي تُفيد في بناء علاقة مهنيَّة بين الطَّرفين على أساس من الِّثقة والإطمئنان لتنعكس بالتَّالي على إعطاء مُختلف المعلومات المطلوبة، وعلى التعبير عن المشاعر الذَّاتية بما يفيد في تشخيص الحالة ووضع خطَّة العلاج لها، كما أنَّها وسيلة لتصحيح بعض الأفكار الخاطئة أو المشاعر السلبية التي يُعاني منها طرف تِجاه الآخر من أطراف المشكلة الأسريَّة.
- المقابلة المشتركة: وهي تلك المقابلة التي تشارك فيها الأطراف المرتبطة بالمشكلة بحضور الأخصَّائي الاجتماعي، حيث يقوم بتوجيه المقابلة ليتمكن كل الأطراف من الإفضاء بما لدية من أفكار ومشاعر تجاه المشكلة وتجاه الطَّرف الآخر (الزوجان مثلاً)، حتى يستثمر هذا الموقف لصالح الحلّ المنشود. على أن يكون دقيقاً بملاحظته لِبِقاً في تدخُّله. وحريصاً على أن لا تنقلب المقابلة إلى مزيد الصِّراع والخلاف بين الطَّرفين، بل على العكس يبذل أقصى جهوده المهنيَّة لتقريب وجهات النَّظر وزيادة فهم كل طرف للطرف الآخر، ومن ثمّ تقديره لمشاعره ومطالبه ومواقفه، ليتسنَّى بعد ذلك الإتفاق على قرار يرضى عنه الطَّرفان ويرغبان في تنفيذه كحلٍّ للمشكلة الأسريَّة المشتركة.
- المقابلة الجماعية: وهي ذلك النَّوع من المقابلات الذي يُنَظَّم لمجموعة من الأفراد اللذين يعانون من نوع واحد من المشكلات الأسرية، كالطَّلاق أو الترمُّل أو الهجر أو الفقر. وتحتاج النساء في مثل هذه الحالات إلى المساعدة على تنظيم أمورهنَّ الحياتيَّة أو الحصول على حقوقهنَّ المرتبطة بتلك الحالات فيساعدهُنّ الأخصائيِّ الاجتماعي إلى الوصول لأهدافهنَّ في تحقيق التكيّف الاجتماعي والاستقرار الأسري.
- المقابلات الأسريَّة: وهي ذلك النوع من المقابلات الذي يتمُّ مع أعضاء الأسرة ويتعامل الأخصائي معهم كوحدة لدراسة الحالة التي يساعدها على علاجها أو تناولها، وهي تتيح له الفرصة لملاحظة مدى التفاهم والتَّوازن بالعلاقات فيما بينهم.
ب- الزيارة المنزلية: تتمُّ المقابلات التي ينظِّمها الأخصائي بصورة فرديَّة أو مشتركة أو جماعيَّة في المؤسسة الاجتماعية التي تُعنى بالحالات الأسريَّة، ولكن ذلك قد لا يستوفي جميع الجوانب التي تتطلبها دراسة تلك الحلات ممَّا يستدعي أن يقوم بزيارة المنزل الذي تسكن فيه الأسرة للتعرُّف على الجوانب التي تتعلَّق بظروفها الداخلية أو الخارجية، وبخاصة ما يتَّصل بحالات الفقر أو الإضطرابات الأسريَّة أو علاقات الجوار. كما أنَّ رفض أحد الزوجين الحضور إلى المؤسَّسة يدفع الأخصائي إلى القيام بالزِّيارة المنزليَّة.
ج- المراسلات: وهي تلك التي يبادر الأخصائي الاجتماعي للإعلام عن إجراء معيَّن كتحديد موعد للاستقبال بالمؤسَّسة أو الزيارة المنزليَّة أو للإطلاع على وثائق أو تشريعات معيَّنة تتعلق بحلِّ المشكلة وتحرص الخدمة الاجتماعية ضمن مبادئها على سريِّة هذه المراسلات ومحدوديَّة تداولها.
د- المكالمات الهاتفية: وهي الاتصالات التي يبادر إليها الأخصائي الاجتماعي باستخدام الهاتف للاستفسار أو إعلام صاحب المشكلة عن بعض المعلومات المتَّصلة بالمشكلة الأسريَّة وقد تكون هذه الاتصالات من صاحب المشكلة نفسه للأخصائي، أو قد تكون من الأخصّائي مع بعض المؤسَّسات ذات العلاقة أو بعض الخبراء.