ظاهرة الهوس بعمليات التجميل في المجتمع

اقرأ في هذا المقال


تعتبر ظاهرة هوس عمليات التجميل من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في الوقت الحاضر، والتي تنطوي على القيام بالعديد من العمليات الجراحية التجميلية بشكل مبالغ فيه، وهذه الظاهرة الاجتماعية لا تخلو منها معظم المجتمعات لذا تعتبر من الظواهر الاجتماعية العالمية.

ظاهرة هوس عمليات التجميل

من وجهة نظر بعض علماء الاجتماع تعتبر ظاهرة هوس عمليات التجميل من باب أنها تجعل الناس يشعرون بتحسن حيال أجسامهم، إذ أن جراحة التجميل صناعة مزدهرة تلبي رغبات ومتطلبات الحياة المعاصرة، ويقلق علماء الاجتماع من رغبة الناس في تغيير أشكالهم وأجسامهم بشكل مبالغ، لكن إذا كانت بشكل معقول وغير مبالغ فيه تصبح من الأمور المرغوبة، وقد أصبحت الجراحة التجميلية طبيعية عامًا بعد عام، ويصبح الحصول عليها أكثر سهولة ومقبولية.

بعبارة أخرى لقد أصبح البشر طبيعيين سواء عن طريق تأخير تأثير الشيخوخة أو عن طريق تعديل أجساد الشباب لتتوافق مع أعمارهم.

وتشير الأحصائيات في عامي (2002- 2003) أن جراحي التجميل قد قاموا بإجراء (10.700) عملية وبعد عشر سنوات أجروا (50000) عملية أكثرها شيوعًا كانت تكبير الثدي، وبتالي فإن العدد الإجمالي أعلى من ذلك بكثير، ولكن مع ذلك هذا لا يعني أن البشر في الدوري الممتاز العالمي لتعديل الجسم، إذ تم إجراء أكثر من 10 ملايين عملية تجميل في عام (2015)، ووجد استطلاع قام به علماء الاجتماع أن أكثر من 60٪ من النساء في أواخر العشرينات من العمر و40٪ من النساء في أوائل العشرينات قد خضعن لعملية تجميل.

لماذا يلجأ الناس إلى عمليات التجميل

يعتقد علماء الاجتماع أن هناك ضغط متزايد ليبدو الإنسان أكثر شباباً وجمالاً، خاصة بالنسبة للنساء اللاتي ما زلن أكثر عرضة للحكم على المظهر، لا سيما في مكان العمل، كما أن لوسائل الإعلام المليئة ببرامج التجميل دوراً في ظاهرة هوس عمليات التجميل إذ أنها تبرز عمليات التجميل والمشاهير الذين يبدون أكثر جمالاً ومرحًا من أي وقت مضى بعد إجرائهم لعمليات التجميل، كما يعتقد علماء الاجتماع أن الثقافة تعمل بطريقة لا شعورية على تغيير الطريقة التي يشعر بها البشر، إذ يعتقد الناس أنهم سيكونون أكثر سعادة ونجاحًا إذا امتثلوا بشكل وثيق لهذه المعايير الثقافية.

وبشكل عام تشير الأحصائيات التي يجريها الباحثون حول ظاهرة هوس عمليات التجميل أن 85٪ من الأشخاص الذين أجروا جراحة تجميلية هم من النساء، ومعظم هؤلاء النساء يقصدون بذلك جذب الرجال، لذلك يجب على الرجال أن يتحملوا اللوم في النهاية، لأنهم يقوضون احترام المرأة لذاتها ومن ثم يجنون المال من هذا الاستياء، كما أن صيحات الموضه وانعكاسها ووجودها الآن في كل مكان جعلها محركًا كبيرًا لاستياء الناس من أجسادهم، وهناك العديد من الأمثلة التي تظهر دورها في تطور هذه الظاهرة.

ويمكن لعلماء الاجتماع المجادلة بأنه لدى البشر أخلاقيات الاختيار المستنير الفردي في مجال الرعاية الصحية، فإذا كان لدى شخص ما القدرة على اتخاذ القرار ويريد إنفاق أمواله الخاصة على حقن مادة البوتوكس أو إزالة الشعر، فإن الأمر متروك له، لكن قد يكون لقراراته الخاصة وخياراته الفردية تأثير على تغيير التصورات الثقافية للجميع، فإذا سلك معظم الناس طرقًا جراحية لتأخير تأثير الشيخوخة فستكون هناك توقعات مختلفة عما يجب أن يبدو عليه البشر في سنواتهم اللاحقة.

الوضع الطبيعي لعمليات التجميل

ولكن من منظور علماء الاجتماع حول الوضع الطبيعي لعمليات التجميل بخصوص بعض الإعاقات يرون إنه بالفعل هناك الكثير من الأشخاص لديهم وجوه أو أجساد مختلفة عن القاعدة السائدة للجمال، حتى أن هناك مؤسسة خيرية لتغيير الوجوه والتي تساعد الأشخاص الذين يعانون من تشوه الوجه، كما تنظم حملات لقبول أكبر، بسبب الودانة أو القزامة أو وجود رأس كبير وذراعي ورجلين ممتلئين، وبصرف النظر عن التقنية المتعرجة للغاية والتي تسمى إطالة الأطراف ليس هناك الكثير مما يمكن فعله حيال ذلك، لذلك إذا أردوا أن يشعروا بالرضا عن أنفسهم يجب أن يتصالحوا مع اختلافهم.

ومن المؤكد أن هذا ليس بالأمر السهل، لكن علماء الاجتماع يشيرون إلى أن بعض الناس لا يزالون يجدون هاؤلاء الفئة جذابة حتى لو كانوا يبدون مختلفين، فالأشياء التي تجعل الناس يحبونهم ويرغبون فيهم تتعلق في الغالب بالشخصية، أي أن يكونوا دافئين وعاطفيين أو جيدون في المحادثة وخاصة أن يكونوا مضحكين، لذلك ربما يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة مشاركة هذه الدروس مع الأشخاص غير المعاقين، ومن واقع خبرة علماء الاجتماع فإن هؤلاء الأشخاص ذوي الإعاقة الذين نجحوا في التوصل إلى تفاهم هم أقل وعياً بكثير بأجسادهم.

وبالنسبة لغير المعاقين فإن الجسد الملبس هو خيال يقدمونه للآخرين، والجسد العاري بلا زينة ولا مكياج شيء يخجل منه، وبالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة فهم دائمًا مختلفون عن القاعدة، لذلك ليس لديهم ما يخفوه ولا سبب للشعور بالحرج من خلع ملابسهم، ومن المفارقات أنهم قد يكونوا أكثر سعادة بأجسادهم المعيبة بشكل خطير من الآخرين مع عيوبهم البسيطة.

الآثار المترتبة على ظاهرة هوس عمليات التجميل

تظهر الاستطلاعات أن الشباب في العديد من المجتمعات غير راضين بشكل متزايد عن أجسادهم، على سبيل المثال أشارت دراسة استقصائية أجريت بواسطة مجموعة من الباحثين عام 2013 إلى أن ثلث الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 11 و21 عامًا غير راضين عن مظهرهن وأن أكثر من ربعهن قد يفكرن في الجراحة التجميلية.

وقد ناقش العديد من هؤلاء الباحثين عدة تساؤلات كان من ضمنها ما الذي يمكن فعله إذا شعر شخص ما بعدم الرضا عن صورة جسده فهل يجب أن يقدم له علاجًا جراحيًا أم يجب أن يتم مساعدتهم في معالجة مخاوفهم؟ ويعتقدون إنه إذا شعروا أن هذا الاقتراح يمثل إهانة لحق الناس في فعل ما يحلو لهم بأجسادهم فيجب أن يفكروا في ذلك، فوفقًا لسبع دراسات وبائية فإن معدل الانتحار لدى النساء اللاتي يخضعن لتكبير الثدي يبلغ ضعفين أو ثلاثة أضعاف معدل الانتحار لدى عامة السكان.

ومن المفترض أن يكون السبب هو عدم الرضا الأساسي الذي يجعل بعض الناس يلجئون إلى جراحة الثدي والتي لا تحلها الجراحة التجميلية، وهناك أيضاً حالة نفسية معروفة تسمى اضطراب تشوه الجسم والتي تشير إلى أن العديد من الأشخاص الذين يخضعون لجراحة تجميلية يعانون من حالات ومشاكل نفسية، لذلك وجد علماء الاجتماع أن الجراحة التجميلية لن تكون فعالة في جعلهم يشعرون بتحسن اتجاه جسمهم، بالإضافة إلى المشكلات النفسية هناك أيضًا مشكلات صحية.

حيث تم استخدام أنواع خاطئة في الجراحة التجميلية، ولكن هناك أيضاً أحداث سلبية مرتبطة بالعديد من الإجراءات، وفي حين أن الجراحة التجميلية تُجرى في الغالب في القطاع الخاص فإن تصحيح المضاعفات غالبًا ما يؤدي إلى تكاليف على باهضة الثمن.

لذلك لابد من معالجة هذه الظاهرة والتي تعتبر مشكلة اجتماعية عن طريق مجموعة من الأفكار والأفعال النفسية والثقافية، بدلاً من الحلول الطبية أو الجراحية، وبدلاً من تطبيع الإجراءات التجميلية ربما يجب أن يتم أظهار أنواعًا كثيرة من الجمال.


شارك المقالة: