ظروف نشأة علم الاجتماع في الغرب:
كانت أوروبا في القرون الوسطى تقوم على قاعدتين، صلابة النظام الإقطاعي، وسيطرة التفكير الديني، وفي القرن الخامس عشر تمزقت هاتان الدعامتان، وظهر مفهوم الوطن ونشأت دول مثل فرنسا واسبانيا وإنجلترا وغيرها، وتخلت الشعوب عن اللاتينية لحساب اللهجات المحلية القومية، وتزايدت طرق اكتساب المعارف على رأسها الطباعة.
وتوسعت التجارة البحرية، وحطمت المدن الكبرى بطبقتها البرجوازية النظام الاقطاعي السائد، وتذمر المجتمع من حياة التقشف ووعود الآخرة ومآسي الحروب فالتجأ إلى مظاهر الترف والأدب والشعر والغناء، فتعلمن الفن وعبر عن الترعة الفردية للمجتمع، بذلك برزت أوجه النهضة الأوروبية الحديثة.
قامت هذه النهضة على روافد الحضارة الإسلامية، والعودة للتراث الإغريقي بما يتلاءم مع التفكير التحرري، وحققت الطباعة في الوقت ذلك مع مكتشفها الألماني غوتنمبرغ قفزة نوعية، وكان أول منتوجاتها الإنجيل، فقضت الطباعة على أخطاء المخطوطات وعمّمت المعرفة وتوسعت منها وتقلص التعليم الشفوي.
احتكار المعرفة:
وبذلك تراجعت احتكارية رجال الإكليريوس للمعرفة بما كانوا يملكون من مخطوطات نفسية، وتولدت ثقافة الكتاب والنص، والتي سميت بالثقافة الإنسانية، وأطلق على دعاتها الإنسانيون، وهي الثقافة التي تهتم بالإنسان في ذاته باعتباره مصدراً للمعرفة بعيداً عن العناية الإلهية والتقاليد.
وزادت حركة التنقيب عن المخطوطات نشراً ونقداً وتحرراً فكرياً، وتجمع المثقفون في جمعيات أطلق عليها الأكاديميات تسيرها ثقافة الإنسانيين الجديدة، العقلانية في توجهها والانفصالية عن الدين في بعدها ، ومن نتائجها انشقاق البروتستانتية عن الكاثوليكية في أوروبا.
وضمن هذا النسيج الفكري الجديد برز عدد من المفكرين والأدباء الذين كتبوا معتقداتهم بلغاتهم القومية، إذ نجد في إيطاليا، الشاعر دانتي في الكوميديا الإلهية، وبترارك في قصائده الغزلية، وبوكاتشيو بمجموعته القصصية ديكاميرون، ونقولا ميكافيلي في الأمير صاحب فكرة الغاية تبرر الوسيلة، وأريوستو في فاسة السخيف وغيرهم من المفكرين، وما يميز هذا الفن سيطرة الترعة العلمانية والفردية عليه.
وفي فرنسا نجد أيضاً من المفكرين الذين دوّنوا معتقداتهم بلغتهم القومية، غليوم بودي الذي أوكلت له مهمة تسيير التعليم الجامعي والعناية باللغات القديمة والشرقية، والشاعر فرانسوا فيلون ومارو، كما أعطت مجموعة الثريا جهودها لتخليد اللغة الفرنسية ونذكر منهم، يواكيم دوبيلي، رونسار.
أما في مجال العلوم فقد حاول القديس توما الإكويني، التوفيق بين العلم والدين، وإن واجهته عدة معارضات أهمها انتقادات غليوم أوكام، الذي دعا إلى الفصل بينهما والتخلي عن الماورائيات والاكتفاء بالمظاهر، وهو رأي أغلب علماء ذلك العصر والذين توصلوا إلى العديد من الاكتشافات.