ظهور منصب نائب الوزير في عهد وزارة السلاجقة:
ظهر هذا المنصب في بعض فترات العصر العباسي. ففي سنة (325 هجري)، استوزر الخليفة الراضي بالله أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، عامل الخراج بمصر والشام، فأناب أبو الفتح عنه في وزارة الخليفة ببغداد أبا بكر عبد الله بن علي النفري، وبقي النفري نائباً للوزير حتى توفي ابو الفتح بن الفرات في سنة (327 هجري).
ولمّا تولى والي البصرة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يعقوب البريدي وزارة الخليفة الراضي بالله في نفس العام أناب عنه أيضاً عبد الله بن علي النفري. كما أناب هذا الوزير حين أسندت إليه الوزارة للمرة الثانية للخليفة المتقي لله أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد.
وفي أوائل العهد البويهي كان أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي ينوب في الوزارة للأمير مُعز الدولة أثناء غياب وزيره أبي جعفر الصيمري عن بغداد، ولمّا خرج الوزير أبو محمد الحسن المهلبي في سنة (352 هجري)، لمحاربة صاحب عُمان يوسف بن وجيه، استخلف فىي الوزارة ببغداد أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي، وأبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، وبقي الشيرازي وابن فسانجس يقومان بأعمال الوزارة بعد وفاة أبي محمد المهلبي دون أن يتسمى أحدهما بـ (الوزير).
من أهم نواب الوزراء في العهد السلجوقي:
ظهر منصب نائب الوزير، بشكل واضح في العهد السلجوقي، وألف الناس وجوده بحيث أصبح مظهراً من مظاهر تطور الوزارة في ذلك العهد. وفي الحقيقة لم يكن لنيابة الوزارة هذه منصب ثابت ضمن وظائف الدولة الكبرى كمنصب الوزير وكاتب الانشاء، وصاحب المخزن وقاضي القضاة ونقيب النقباء وما إلى ذلك وإنما كان منصباً مؤقتاً.
وكان الخليفة العباسي أو السلطان السلجوقي يعمدان إلى تعيين نائب للوزير في فترات محددة، وخاصة في الفترات التي تلي عزل أحد الوزراء حتى لا تتعطل أعمال الديوان الإدارية والمالية، فإذا تم اختيار وزيرجديد سُرعان ما يعزل نائب الوزير. وفي بعض الأحيان كان الخليفة أو السلطان لا يثق في وزيره، فيلجأ إلى تعيين نائب له ممن يثق فيه فيحد بذلك من نفوذ الوزير.
وهذا ما فعله السلطان محمد بن ملكشاه إذ كان لا يثق في وزيره خطير الملك الميبذي، فاستدعى أنو شروان بن خالد القاشاني، وولاه نيابة الوزارة لخطير الملك، واعتقد الوزير أن نائب الوزارة ينقل للسلطان أخباره، ومن ثم عمل على التخلص منه. وفي أحيان أخرى كان الوزير نفسه يعين نائباً عنه في الوزارة، إما لغيابه عن حاضرة الخلافة أو لانشغاله في قيادة الجيوش لمحاربة أعداء الدولة. وقد يلجأ الوزير إلى إقامة نائب له إذا أيقن أنه لا يستطيع بمفرده القيام بأعمال الوزارة.
ففي سنة (381 هجري)، سار الوزير ظهير الدين محمد بن الحسين الروذراوري لأداء مناسك الحج، وأناب عنه في وزارة الخليفة المقتدي بأمر الله ابنه ربيب الدولة الحسين بن محمد، ونقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي. كذلك أدى انشغال الوزراء في عهد الخليفتين المسترشد بالله والمقتفي لأمر الله في قيادة الجيوش إلى اقامة من ينوب عنهم في أعمال الوزارة، فأناب أبو علي الحسن بن علي بن صدقة، وزير الخليفة المسترشد بالله ابنه علياً في الوزارة.
كما أناب عون الدين يحيى بن هبيرة، وزير الخليفة المقتفي لأمر الله، عنه ابنه شرف الدين محمد بن يحيى بن هبيرة. وكان من الجائز أن يعين الوزير نائبين له في الوزارة، فأناب الوزير ظهير الدين الروذراوري عند مسيره للحج ابنه ربيب الدولة وطراد بن محمد الزينبي. كما أن أبا الحسن علي بن محمد الدامغاني، قاضي القضاة، كان يتولى نيابة الوزارة للخليفة المستظهر بالله، ويشاركه في هذا العمل أبو الحسين بن رضوان.
كان يراعى فيمن يتولى نيابة الوزارة أن يكون من بين كبار موظفي الديوان كاتب الإنشاء أو قاضي القضاة أونقيب النقباء ومن يجري مجراهم، وذلك إضافة إلى عمله الأساسي، وكانت نيابة الوزارة تُعتبر عملاً مؤ قتاً دعت الحاجة إليه، ولهذا لم يكن لعزل نائب الوزير من نيابة الوزارة تأثير على وظيفته الأساسية في الدولة.
ومن أشهر من تولى نيابة الوزارة من كبار موظفي الدولة أبو سعد العلاء بن الحسن بن موصلايا، وكان كاتباً للإنشاء، وأبو الحسن علي بن محمد الدامغاني، وكان قاضياً للقضاة، وطراد بن محمد الزينبي، نقيب النقباء، وصدقة بن محمد الأصفهاني، رئيس ديوان الاستيفاء في الدولة السلجوقية.