اقرأ في هذا المقال
الملك الفرعوني منتوحوتب الأول (2061 – 2079):
تلاه على العرش ابنه (منتوحوتب)، المسمّى (سعنخ إب تاوي)، وفي جهده أراد ملوك أهناسيا أنّ يسترجعوا ما فقدوه فحدثت بينهم وبين طيبة تلك الحرب التي عاد فيها إقليم ثيني (أبيدوس)، إلى الشماليين وكان ذلك في عهد الملك أختوي الرابع من ملوك أهناسيا كما أشرنا. وربما كان ابنه الأمير هرو نفر، قد مات وهو يُحارب دفاعاً عن أبيدوس.
ولا يوجد معرفة كبيرة عن هذا الملك شيئاً آخر مهم اللهم إلا أنّه وضع تصميم لقبره يزيد في حجمه عن قبور كل من سبقه من الملوك ولكنه مات بعد أنّ حكم ثمانية عشر عاماً، وترك قبره دون أنّ يتمه، وخلفه على العرش ابنه منتوحوتب الثاني.
الملك الفرعوني منتوحوتب الثاني (2010 – 2061):
كان منتوحوتب الثاني أعظم وأفضل ملوك هذا البيت. لم يسترجع إقليم أبيدوس فحسب، بل اندفع نحو الشمال حتى سقطت أهناسيا نفسها في العام التاسع من حكمه وكان أول ملك من ملوك طيبة يصبح حقيقة ملكاً على الوجه القبلي والوجه البحري، وكان ذلك حوالي عام (2052 ق.م.)، ولهذا يرى بعض المؤرخين اعتبار من سبقه من ملوك هذه الأسرة والتسعة أعوام الأولى من حكمه وقتاً مُعاصراً للأسرة العاشرة وأنَّ الأسرة الحادية عشرة تبدأ من هذا التاريخ فقط، ولكنّ الإنصاف في البحث يُحتم علينا اعتبار أيام الأسرة الحادية عشرة منذ عهد إنيوتف الأكبر أي قبل ذلك (82) عاماً، إذا لم ينسَ الطيبيون كما ذكرنا ذكرى مؤسّس هذا البيت فالهموه وذكروه دائماً على آثارهم وفي وثائقهم وكانوا يقدمون له القرابين.
بذل منتوحوتب كثيراً من الجهد للإخضاع كل معارضة قامت في طريقه. ولا شك أنه حارب في الدلتا وحارب البدو في الشرق والغرب كما أنه قام بالتحكم بأماكن جنوبي إلفنتين، ولكنّه ترك الأمراء القدماء يحكمون أقاليمهم واكتفى منهم بالطاعة والجزية وحسن الولاء.
كان اسمه عند توليه العرش: (حورس نتري حزت)، ولكنه بعد العام التاسع عندما تغيرت الأوضاع وأصبح ملك مصر كلها دون منازع، غير لقبه إلى (سما تاوي)، أي موحد الأرضين وأصبح اسمه الآخر (نب حيت رع)، وهذا هو الاسم الذي أصبح معروفاً به فيما بعد على جميع ما خلفه من آثار، وهو الاسم الذي نراه في معبد الرمسيوم بين اسمي (منا)، مؤسس الأسرة الأولى و (أحمس)، مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، أي أن هؤلاء الملوك الثلاثة كانوا في نظر المصريين أنفسهم، في الأسرة التاسعة عشرة، هم مؤسّسو الدولة القديمة والدولة الوسطى والدولة الحديثة.
بدأت طيبة عهداً جديداً في تاريخها، وبدأت ضرائب البلاد كلها تتكون على خزائنها ولم يدخر منتوحوتب وسعاً في تجميل عاصمته وإنشاء المعابد المختلفة فيها وفي غيرها من البلاد. وقد رأينا منذ عهد أسلافه أنَّ الفن الذي كان قد تأخر وانحط، أخذ يعود إليه شيئاً فشيئاً بعض روائه القديم، ولكنه ظل مُتأثراً بالفن المحلي فى بعض نواحيه. وقبل أنَّ نتحدث عن منتوحوتب وطيبة في عهدها الجديد يحسن بنا أنّ نقف قليلاً لذكر أهم ما نعرفه عن تلك الفترة. فقد أخذ ذلك الملك يوجه عنايته بتشييد المباني ولا عجب إذا كان الفنانون قد أخذوا يستردون بعض ما كان لهم من مهارة في الدولة القديمة.
وأخذت تعود للفن بعض مظاهر رقيه وها هو المثال (إرتي سن)، نراه مرسوماً مع زوجته وابنائه على إحدى اللوحات، ويفتخر بأنّه كان يُعرف كيف يرسم حركات التقدم والتأخر، وكذلك حركات رسم الرجل وجسد المرأة، وكيفية رفع الذراع عند صيد فرس البحر، وحركات الشخص الجاري وأنّه لم يكن هناك من ينجح في عمل ذلك غيره هو وابنه الأكبر.
وكان بين أعمال منتوحوتب الثاني التي بدأها في وقت مبكر من حياته اختيار مكان مدفنه ومعبده، وقد عثرت بعثة متحف المتربوليتان على جثث ما يقرب من ستين جندياً ريما كانوا قد سقطوا عند مهاجمة هراقليوبوليس (أهناسيا)، ونقلوا جثتهم إلى طيبة ليدفنوهم على مقربة من ملكهم الذي حاربوا معه.
كانت انتصارات منتوحوتب الثاني على أعدائه وتوحيد مصر كلها تحت سلطانه بداية عصر جديد. وأخذت مصر تنهض من كبوتها شيئاً فشيئاً وأخذ منتوحوتب يُرسل الحملات إلى مناطق المناجم للعمل فيها، كما أنّه لم يهمل في نشر الطمأنينة على الحدود فبعث بحملة وراء أخرى لإخضاع كل من حدثته نفسه بالبقاء بعيداً عن حظيرة وحدة البلاد.
وقام منتوحوتب الثاني باختيار المنطقة التي سُميت فيما بعد باسم الدير البحري ليشيد فيها معبده الجنازي ويحفر فيها قبره. ومنذ البداية أراد مهندسوه أن يجعلوا من مجموعته الجنازية ما يناسب عظمته، ولو أنّهم استوحوا كثيراً من تفاصيله المعمارية من مقابر أسلافه في منطقة الطارف التي تبعد كيلو مترين إلى الشمال من الدير البحري.
وفي العام التاسع والثلاثين من حكمه أي بعد ثلاثين سنة من تثبيت حكمه على أهناسيا احتفل بعيده الثلاثيني (الحب (عيد) سد)، وغير لهذه المناسبة في بناء معبده الجنازي، كما أقام بعض التماثيل التي تمثله في صورة الإله أوزيريس في ذلك المعبد. وفي العام نفسه نرى منتوحوتب يقوم برحلة نيلية إلى الجنوب بصحبة عدد كبير من أفراد عائلته ورجال حاشيته، ووصلوا في تلك الرحلة إلى ما بعد جبل السلسلة التي كانوا يعتبرونها آخر حدود مصر الجنوبية وبداية إقليم النوبة، وبقي في ذلك المكان فترة من الوقت عند مكان يقال له شط الرجال وكان التفسير السائد لهذه الرحلة والنقوش والرسوم التي نقشت على الصخر أنَّ منتوحوتب أتى لينتظر ابنه الأكبر الذي كان يُسمّى إنيوتف، ومن المحتمل أنّه كان على رأس حملة إلى بلاد النوية.
وقيل أيضاً من الجائز أنّ يكون منتوحوتب قد أعلن ابنه ولياً للعهد وربما أيضاً شريكاً في الملك بهذه المناسبة، لأنّنا نرى اسمه مكتوباً في النقش الكبير الذي نرى فيه اسم منتوحوتب وأسماء عائلته وبخاصة أمّه وزوجاته ورجال بلاطه، تقرأ إنيوتف (الأب الإلهي)، محبوب الإله، ابن الشمس إنيوتف الذي يعيش إلى الأبد، وقد كتبوا اسمه في خانة ملكية. ولكن إنيوتف هذا لم يعش طويلاً بعد ذلك، ومات ودفن على مقربة من القبر الذي أعدّه له أبوه داخل حرم معبده الكبير في طيبة. ولكن هذا التفسير وجد بعض المعارضة ويظن بعض المشتغلين بالتاريخ أنَّ إنيوتف هذا لم يكن ابناً للملك بل كان أباه وأنَّ منتوحوتب الثاني لم يكن ابناً لمنتوحوتب الأول بل حكم بينهما لفترة قصيرة جداً إنيوتف الذي خلد ابنه ذكراه في شط الرجال.
وفي نواحي مختلفة من مصر وبخاصة في الصعيد، في الجبلين وفي الطود وفي دير البلاص وفي دندرة وفي أبيدوس وغيرها، أقام هياكل جديدة وأصلح ما تهدم من مبانيها، ولكن خير مبانيه جميعاً هو ما شيده في طيبة ليكون مقراً أبدياً له بعد وفاته.