إنَّ شكلي العشيرة متشابهان أشدّ التشابه فى البناء والوظيفة، ولا يختلفان إلا من حيث خط القرابة الذي يتخذ معياراً لتحديد انتماء الفرد للجماعة.
وقد تمَّ نقاش سبب هذا الاختلاف بإفاضة، دون أن ينتهي النقاش إلى نتيجة مقنعة فعلاً. ذلك أنَّ العديد من الآراء قد أدت إلى تشويش الموضوع لا إلى توضيحه.
فالموضوع ليس هو سيطرة الرجال أو النساء على مجتمع من المجتمعات، وإنَّما هو يدور فقط حول الاعتماد على أحد خطي الانتساب بدلاً من الخط الآخر.
فالعشائر الأمومية لا تعني بالضرورة أنَّ النساء هنَّ اللاتي يحكمن المجتمع، كما أنَّ وجود العشائر الأبوية لا يعني أنَّ النساء يُعتبرنَّ ملغيات. فسيطرة الأم تُعتبر الحكم المطلق للنساء، وسيطرة الأب تُعتبر الحكم المطلق للأب، وهي حالات متطرفة نادرة كل الندرة.
والواقع القائم في معظم المجتمعات سواء كانت أمومية أو غير ذلك أنَّ الفروق بين مكانة الرجل والمرأة طفيفة نسبياً.
نظام السكن:
لا ترتبط عشيرة الانتساب للأب دائماً بنظام السكن عند الأب، ولا ترتبط عشيرة الانتساب للأم بنظام السكن عند الأم، وإنْ كان هذا الارتباط متكرر الحدوث في الواقع. ويُعَدّ سكان جزر التروبرياند في ميلانيزا نموذجاً للارتباط المضاد لذلك، إذ إنَّه على الرغم من أنَّ هذا المجتمع يأخذ بنظام السكن عند الأب، فإنَّ العشائر تقوم على الانتساب للأم.
ولضمان ذلك لا يتلقى الأطفال موارد إعالتهم وتعليمهم من الأب، وإنَّما من خالهم الذى ينتمي إلى عشيرتهم والذي يعيش فى قرية عشيرته ويزورهم من حين لآخر ليحضر لهم الطعام ويسهر على تعليمهم وتأديبهم.
وعند الزواج تنتقل المرأة إلى قرية زوجها، أمَّا الرجل فينتقل إلى عشيرة خاله، لكي يكتسب وضعه المناسب في عشيرة أسلافه.
ولذلك فإنَّ عضوية العشيرة لا تتحدد فقط على أساس العوامل التي يبدو واضحاً أنَّها تلعب دوراً بارزاً فى الاختلاف بين الأسر المشتركة ذات السكن عند الأب وتلك ذات السكن عند الأم، لأنَّ هذه العضوية لا تعتمد إطلاقاً على مكان الإقامة.
ومن الممكن أن نتبين نوعاً من الارتباط بين الاختلاف في نظام الانتساب للأم والانتساب للأب وبين بعض الآراء السائدة في الثقافة، مثل القيمة النسبية للرجل والمرأة في نظر المجتمع.
فنجد عند الإيروكوا أنَّ المرأة في بدنة الانتساب للأم تُمثّل نواة الأسرة، وهي المسؤولة وحدها عن إنتاج المواد الغذائية الأساسية، كالذرة، والفول، والقرع. وتحتل تلك المواد الغذائية وبالتالي عمليات إنتاجها مكانة أسمى بكثير من المواد الغذائية المستمدة من عمليات الصيد البري وصيد الأسماك.
إذ أنَّ العمليات الأخيرة ليست بذات عائد مؤكد، على الرغم من أنَّ القبيلة تعيش في بيئة طبيعية غنية بها. ويرجع ذلك إلى أنَّ حملات الإغارة المستمرة وما تتطلبه من الحذر الدائم والاستعداد للدفاع تجعل من الصَّعب على الرجال تهيئة كميات كافية منها يمكن الاعتماد عليها.
أمّا المحصولات الزراعية فهي على العكس من ذلك تمدّ السكان بمواد غذائية أكثر انتظاماً، لأنَّ المزارع تتميز بأنَّها قريبة مكانياً ومهمة حراستها والإشراف عليها أيسر كثيراً.
شعب الباجندا:
شعب الباجندا الذي يعيش في شرق أفريقيا، حيث تقوم العشائر هناك على نظام الانتساب للأب، على الرغم من أنَّ المرأة عندهم هي المسؤولة عن توفير المواد الغذائية الرئيسية، كما هي الحال عند الإيروكوا. فعند الباجندا تقوم المرأة بجميع الأعمال الزراعية تقريباً عدا الأعمال الشاقة فقط.
يقوم الرجال بالأعمال الشاقة كتطهير الأرض من الغابات وهي التي يوكل أمرها إلى الرجل. ومع أنَّ الرجال يسهمون فى توفير المواد الغذائية عن طريق الصيد البري وصيد الأسماك إلا أنَّ نسبة ما يقدمونه أقل بكثير ممّا تقدمه النساء.
فالبيت الباجندي العادي يعتمد اعتماد كلياً على نبات (لسان الحمل)، أمّا اللحوم والأسماك فهي إن توافرت تُعَدّ من أنواع الرفاهية.
إلا أنَّ هناك نشاط آخر من طبيعة اقتصادية أيضاً يُظهِر الرجل فيه كفاءة أكبر. ذلك أن لدى الباجندا تنظيم اجتماعي وسياسي كبير من التطور، فهم يبلغون نحـو مليون نسمة يعيشون في ظل دولة ملكية، يحكمها ملك يتوارث العرش، يعاونه عدد كبير من موظفي البلاط، وزعماء القبائل وزعماء الوحدات الأصغر الذين يعينهم الملك فى مناصبهم.
وتمثل الحرب نشاط اقتصادي فائق الأهمية، كما يحتاج إلى عدد كبير من الرجال كي يتم بنجاح. ذلك أنَّ النساء لا يشاركن في الحملات الحربية إطلاقاً إلا كخدم. وعندما يُحدد الملك ومستشاروه موعد الحملة الحربية السنوية ضد أعدائهم التقليدين، تُحشَد أعداد ضخمة من الرجال، ويتحرك الجيش إلى خارج حدود المملكة ليتخذ لنفسه قاعدة للعمليات الحربية.
ومن تلك القاعدة تنطلق جماعات صغيرة نسبياً للإغارة والقيام بعمليات النهب والسلب. ولكن لما كان العدو مستعداً للدفاع، فإنَّ تلك العمليات الصغيرة نسبياً تتحول إلى معارك حامية بين جيشين كبيرين، وتتسبب في سقوط عدد ضخم من الضحايا.