علاقة الضمان الاجتماعي بمعالجة المشاكل الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


الضمان الاجتماعي باعتباره حقًا إنسانيًا في استخدام الحقوق والواجبات فقد وجد علماء الاجتماع أن له علاقة في معالجة المشاكل الاجتماعيه، إذ يوفر الظمان الاجتماعي خلفية تاريخية لمفهوم المشكلات الاجتماعية، ويستعرض الضعف الحالي للنماذج الاجتماعية في الاقتصادات الصناعية، ويحدد عناصر لطرق علاج المشاكل الاجتماعية باستخدام نظام خاص بالضمان الاجتماعي.

خلفية عن دور الضمان الاجتماعي في معالجة المشاكل الاجتماعيه

قبل أن يبدأ علماء الاجتماع في تحمل مسؤولية متزايدة عن علاقة الضمان الاجتماعي في معالجة المشاكل الاجتماعية للمواطنين، تم توفير التخفيف من حدة الفقر والحماية من انعدام الأمن الاقتصادي من خلال مجموعة متنوعة من المؤسسات الخاصة والنقابات التجارية التي جمعت مواردها من أجل حماية أعضائها في الأوقات الصعبة، وتتحمل العائلات الواجب الأخلاقي الأساسي المتمثل في حماية أعضائها من الجوع والعوز.

حيث لم يكن هناك تصور بأن الناس يستحقون المساعدة الاجتماعية كحق، فالقوانين الهزيلة المعتمدة في بعض الدول تمثل شكلاً أوليًا من المسؤولية العامة للمعوزين الذين لم يتمكنوا من الحصول على المساعدة من عائلاتهم كالحقوق والإنتقال القسري إلى البيوت الفقيرة.

الثورة الصناعية

وقد أدت الثورة الصناعية وصعود الرأسمالية منذ حوالي 50 عام إلى تدمير شبكات الدعم الاجتماعي القائمة، وضطر الأفراد وقتها إلى بيع عملهم في أسواق العمل بسعر السوق السائد، كما أثرت على الدفع المنتظم للأجور حيث كانت أعداد كبيرة من العمال في كثير من الأحيان عاطلين عن العمل لفترات طويلة دون أي شكل من أشكال التأمين ضد مخاطر إصابات العمل أو المرض أو البطالة أو ظروف الفقر.

كما كان نظام الضمان الاجتماعي مقتصراً على معالجة مشكلة البطالة في ثلاث مهن فقط هي الهندسة وبناء السفن والبناء والتشييد، وبعد الحرب العالمية الأولى تم توسيع نظام الضمان الاجتماعي ضد البطالة بشكل كبير ليشمل العمال الآخرين بين الحربين، حيث كانت هناك بطالة جماعية، وظهر نظام من مستويين إذ كانت إعانات البطالة متاحة كحق لمن لديهم تأمين ومساعدة اجتماعية مختبرة للوسائل ولمن ليس لديهم تأمين وبتلك التي تدعي بأنها بحاجة، وهذه من مزايا الضمان الاجتماعي باعتباره حق، وهذا أيضًا تعقب التصور العام السائد فيما يتعلق بمن يستحق من الفقراء مقابل غير المستحقين.

كما يجب النظر إلى تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي على خلفية الالتزام السياسي بآلية السوق لحل المشاكل الاجتماعية كمشكلة البطالة والفقر إلى جانب الشك العميق في الدولة، والتدخل في ديناميكيات السوق للأغراض الاجتماعية، حيث كان هناك إحجام كبير عن تطوير دولة الرفاهية التي لعبت فيها الدولة دورًا رئيسيًا في ضمان الوصول الشامل إلى الضمان الاجتماعي، وتوفير الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي لمن هم في أمس الحاجة إليه.

ويعتمد استحقاق المساعدة على إظهار مقدم الطلب لاحتياج كافٍ من خلال اجتياز اختبار الموارد، حيث أدى الكساد إلى مظاهرات واضطرابات مدنية، وقد تأسست دولة الرفاهية في نهاية المطاف في بعض البلدان عندما هدد انتشار الفقر والبطالة على نطاق واسع بزعزعة استقرار النظام السائد الموجه نحو السوق، كما أن القيود المفرطة على الوصول إلى الحقوق الاجتماعي خلال هذه الفترة أدى إلى احتجاجات واضطرابات كبيرة.

ظهور دول الرفاهية

حققت بعض الدول التي وصلت فيها الحكومات الائتلافية ذات التوجه الاشتراكي إلى السلطة قبل الحرب العالمية الثانية تقدمًا ملحوظًا في تأسيس النموذج الديمقراطي الاجتماعي لدول الرفاهية، حيث مكن نظام الضمان الاجتماعي العمال الفقراء والمزارعون من حشد السلطة السياسية التي تم استخدامها لإنشاء أنظمة واسعة النطاق من المساعدة الاجتماعية الممولة من الإيرادات العامة للبلد بدلاً من المساهمات الفردية.

وكان الهدف من هذا النظام هو تقليل المشاكل الاجتماعية والتفاوتات والظلم الناتج عن النظام الرأسمالي، وانطلق من أساس أن جميع الناس لديهم حقوق اجتماعية معينة، وأن الدولة ملزمة بتوفير هذه الحقوق وحمايتها من خلال توفير الوصول الشامل إلى بعض المزايا الاجتماعية الأساسية، وظلت دولة الرفاهية صغيرة نسبيًا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما تم تمديدها بشكل كبير كان العامل الدافع وراء إنشاءها بعد الحرب هو لتسهيل إعادة بناء نظام اجتماعي جديد.

حيث كان الشغل الشاغل هو ضمان الحد الأدنى الأساسي من الدخل للجميع والذي لن يُسمح لأي شخص بالهبوط دونه، وبهذه الطريقة يمكن للضمان الاجتماعي تعزيز الإحساس بالانتماء الاجتماعي وفي الإدماج داخل المجتمع، وفي فترة ما بعد الحرب التزمت الحكومة أيضًا بالتوظيف الكامل كهدف سياسي أساسي استنادًا إلى النظريات الاقتصادية الجديدة لنظام الضمان الاجتماعي.

وجاء الدافع لتوسيع الضمان الاجتماعي من الكساد الكبير في الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية، حيث قدم نظام الضمان الاجتماعي برامج لمعالجة المشاكل الاجتماعية ولمواجهة مخاطر الشيخوخة والوفاة والعجز والإعاقة، وكان التركيز الرئيسي لنظام الضمان الاجتماعي قائم على تعزيز أمن العمال من خلال التأمين الاجتماعي، ومع ذلك نص نظام الضمان الاجتماعي أيضًا على إعانات لدعم برامج المساعدة الاجتماعية.

وقد اختلف نظام الضمان الاجتماعي الذي تم تطويره في نواحٍ مهمة، وكان الاختلاف الأساسي هو أن نظام الضمان الاجتماعي السابق لا يوفر أي حق في الضمان الاجتماعي للرجال العاطلين عن العمل غير المؤهلين للحصول على مزايا التأمين الاجتماعي القائم على الاشتراكات، حيث هناك أعداد متزايدة من العمال غير المؤهلين للحصول على التأمين الاجتماعي بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن لأشكال العمل.

الضمان الاجتماعي والأزمة الحالية

تعرض نظام الضمان الاجتماعي في العديد من البلدان المتقدمة لضغوط متزايدة منذ أوائل السبعينيات نتيجة لقوى العولمة والركود الاقتصادي والأيديولوجيات السياسية المحافظة، كما أدى انفتاح الاقتصادات المحلية على المنافسة العالمية إلى تقييد قدرة العديد من الحكومات على تنفيذ السياسات الاجتماعية بشكل مستقل.

كما أن زيادة تنقل العمالة والبطالة المتزايدة والزيادة في أشكال التوظيف غير النمطية بما في ذلك العمل العرضي والعمل المؤقت والعمل الحر أوجد الحاجة إلى أشكال جديدة من الحماية الاجتماعية التي لا يمكن استيعابها في برامج الضمان الاجتماعي التقليدي.

ما الدور الذي يقوم به الضمان الاجتماعي لمعالجة المشاكل الاجتماعية

قد حدد عالم الاجتماع كارل ماركس دور الضمان الاجتماعي في معالجة المشاكل الاجتماعية كما يلي:

1- قام الضمان الاجتماعي في تعديل العمل الذي جرد العمال من إنسانيتهم باعتباره سمة رئيسية للنظام الرأسمالي التي فرضها على الطبقات العاملة لحماية الطبقات العاملة في المناطق الحضرية من الفقر المدقع.

2- كما ساعد الضمان الاجتماعي في تطوير بعض أنظمة الحماية تدريجياً، مثل تسهيلات بنوك الادخار التي ترعاها الحكومة.

3- كما وضع الضمان الاجتماعي بعض الالتزامات على أصحاب العمل للحفاظ على العمال المرضى والمصابين.

4- وأيضاً ساعد الضمان الاجتماعي في نمو جمعيات المساعدة المتبادلة والتأمين الخاص الذي يوفر وثائق الحياة ومزايا الجنازة.

5- كان الخطأ الاجتماعي الأكبر في ذلك الوقت هو استمرار الاعتقاد المتفائل بأنه إذا تُرك العمال لأنفسهم فسيكونون راغبين وقادرين ومبدعين بما يكفي لتغطية مخاطرهم بشكل فردي أو في ظل بعض الترتيبات الجماعية الطوعية، وقد كان واضحًا بما فيه الكفاية كيف كان العمال مستغرقين تمامًا في البقاء على قيد الحياة من يوم إلى آخر، ولم يكن لديهم الوقت الكافي للنظر في احتمالات بعيدة، كما لم يكن هناك ما يجنبهم من مخاطر المرض أو البطالة الأكثر إلحاحًا.

6- ونتيجة لضغوط العمال والفئات الاجتماعية الأخرى بدأت العديد من الدول تلعب دورًا أكثر نشاطًا في تطوير أنظمة الحماية الاجتماعية من خلال الدور الذي يلعبه الضمان الاجتماعي في معالجة المشكلات الاجتماعية، الذي تباين بشكل كبير في مناطق مختلفة، وكانت حكومات هذه الدول مسؤولة عن إنشاء أول نظام واسع للضمان الاجتماعي بين عامي 1883 و1884، وكان النظام إلزاميًا للعاملين بأجر، وتم تمويله من مساهمات العمال وأرباب العمل والدولة، وجميعًا لعبوا دورًا في إدارة البرنامج.

7- وبالتالي تمت حماية العمال من العوز ووصمة العار الناتجة عن إغاثة الفقراء من خلال نظام المزايا المضمونة الذي عززه الضمان الاجتماعي.

8- ومع ذلك فإن الغرض من إدخال نظام الضمان الاجتماعي لم يكن لتحقيق قدر أكبر من المساواة الاجتماعية والاقتصادية، بل أيضاً عزز النظام في الواقع التقسيم الطبقي الاجتماعي والاقتصادي الحالي من خلال إدخال نظام تأمين اجتماعي إلزامي ومميز لكل فئة من فئات العمال المختلفة، على سبيل المثال واحد للعمال الزراعيين وواحد للعاملين في المكاتب وواحد للمعلمين، وحذت دول أخرى من خلال تطوير أنظمة التأمين الاجتماعي للعمال بحلول الثلاثينيات إلى انتشار أنظمة الضمان الاجتماعي بين قطاعاتها المختلفة لمعالجة المشكلات الاجتماعية.


شارك المقالة: