عناية الوزراء البويهيين بالمنشآت المدنية:
عنى الوزراء بإقامة المنشآت المدنية كالمستشفيات والمساجد والرباطات، فضلاً عن الاهتمام بالاصلاحات العمرانية، ففي سنة (369 هجري)، بدىء في تجديد عمارة مدينة بغداد، وشمل العمران المنازل والأسواق والمساجد الجامعة، وكان هناك اهتمام خاص بالمنازل والمنشآت المقامة على جانبي نهر دجلة، وبالحدائق العامة (البساتين)، وكان النفذ لأوامر الأمير البويهي عضد الدولة فيما يتعلق بهذه الاصلاحات الوزير نصر بن هارون.
وكان نصرانياً فاستأذن من الأمير البويهي أن تشمل الاصلاحات أماكن العبادة لغير المسلمين فأذن له في عمارة البيع والأديرة، وصرف مبالغ من المال للفقراء من رواد تلك الأماكن. كما بنى الوزير أبو محمد بن سهلان سوراً على مشهد الإمام علي رضي الله عنه في سنة (400 هجري)،
ولمّا علم الوزير مؤيد الملك الحسن بن الحسين الرخجي فى سنة (413 هجري)، أنه لا يوجد بمدينة واسط مارستان (مستشفى)، مع أنها من أكبر مدن العراق، وتجاورها قرى كثيرة، اختار موضعاً مُلائماً بتلك المدينة، وبنى فيه مارستاناً، ورتب له الأطباء والموظفين وزوده بما يحتاج إليه من الأدوية والأشربة وغير ذلك. كما جعل بعض العقارات وقفاً على المارستان لتوفير ما يحتاج إليه من نفقات.
كذلك قام الوزير فخر الملك محمد بن على بن خلف سنة (402 هجري)، بهدم الدار التي بناها الأمير معز الدولة البويهي، وجدد عمارتها وبعث في طلب لوازم البناء من خارج بغداد، كما أحضر لها ما تحتاج إليه من مفروشات من فارس والأهواز.
عناية الوزراء السلاجقة بالمنشآت المدنية:
كان للوزير السلجوقي نظام الملك الطوسي مميزات وأهداف كثيرة للعمل بالإعمار المدني، وبالأخص بيوت الله، فقام ببناء كثيراً من المساجد في مختلف المناطق التي كانت تحت حكم السلاجقة، كما أهتم ببناء الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة. وأقام العديد من الرباطات بالعراق وفارس للعباد والزهاد وأهل الصلاح والفقراء، ورتب لهم ما يحتاجون إليه من غذاء وكساء. وبنى الوزير نظام الملك مارستانا بمدينة نيسابور.
ومن وزراء العهد السلجوقي الذين اهتموا بالمنشآت المدنية الوزير فخر الدولة ابن جهير الذي أصلح ما تخرب من جامع دار الخلافة، ووسع مساحته، وعمل له منبراً جديداً، وأجرى إليه الماء من داره عن طريق قنوات تحت الأرض، وجعل له فوارات، وقد عاد عمله هذا بنفع كبير للناس.
امتد نشاط الوزير فخر الدولة بن جهير إلى مكة المكرمة، فعمل منبراً كبير الحجم للمسجد الحرام، لتقام عليه الخطبة لخلفاء بني العباس، ويروى أن هذا المنبر سرعان ما كسر ثم أحرق بعد أن أعيدت الخطبة بمكة للفاطميين. وشيدت في العصر السلجوقي مدارس كثيرة كالنظامية والتاجية والمدرسة التي أقامها الوزير يحيى بن هبيرة بباب البصرة بمدينة بغداد غير أن أشهرها من الناحية العمرانية بنايات المدارس النظامية التي أقيمت في كثير من المدن الكبرى مثل بغداد ونيسابور وأصفهان وبلخ وغيرها.
وأنفق الوزراء مبالغ كبيره في بنائها، حتى أن المدرسة النظامية ببغداد التي بدأ الوزير نظام الملك في تشييدها سنة (457 هجري)، وفتحت أبوابها للتدريس بعد ذلك بعامين، تكلف انشاؤها مبلغ مائتي ألف دينار، وكانت هذه المدرسة رائعة البناء، حتى أن ابن جبير الذي زار بغداد سنة (580 هجري)، قال عنها : (والمدارس بها (أي بغداد) نحو الثلاثين، وهي كلها بالشرقية، وما منها مدرسة إلا ويقصر القصر البديع عنها، وأعظمها وأشهرها النظامية.
كذلك ظلت الرباطات التي عنى الوزراء في العهد السلجوقي ببنائها تُراثاً معمارياً، ومثلاً يُحتذى في التصميم والطراز. وكان لنواب الوزراء في ذلك العهد نصيب وافر في العناية بالمنشآت المدنية، فبنى نائب الوزير أبو نصر عزيز الدين أحمد بن حامد الأصفهاني داراً للأيتام بمحلة العتابيين ببغداد، وجعل لها أوقافاً للانفاق من ريعها عليها، فكان الأيتام يجدون الرعاية الكاملة من الغذاء والكسوة والتعليم، حتى يبلغوا سن الحلم.