فهم الحدث الإجرامي بالمنظور العقلاني وكيفية منعها

اقرأ في هذا المقال


يشمل علم الجريمة البيئي منظور الاختيار العقلاني ومنع الجريمة الظرفية ونظرية نمط الجريمة، بالإضافة إلى نظرية الأنشطة الروتينية، وتقدم كل من هذه النظريات أو وجهات النظر الأربع مساهمة فريدة في فهم الحدث الإجرامي، وافتراضاتهم المشتركة تجعلها تفسيرات مكملة وليست متنافسة للجريمة.

منظور الاختيار العقلاني وفرص الجريمة

بينما تصف نظرية الأنشطة الروتينية العناصر الضرورية لحدث إجرامي والمراقبين الذين يمكنهم تعطيل هذا الحدث، يتناول منظور الاختيار العقلاني العمليات التي يتخذ الجناة القرارات من خلالها، فجادل كلارك وكورنيش بأنّ قرار الإساءة أو الإيذاء يشمل في الواقع نقطتي قرار مهمتين وهما:

1- قرار المشاركة.

2- قرار الحدث.

يشير قرار التورط المشاركة إلى اعتراف الفرد باستعداده أو استعدادها لارتكاب جريمة، ولقد فكر الجاني في هذا النوع من الجرائم وخيارات محتملة أخرى لتلبية احتياجاته وخلص إلى أنّه أو أنّها سترتكب هذا النوع من الجرائم في ظل ظروف معينة، ووفقًا لكلارك وكورنيش تتأثر عملية قرار المشاركة هذه بالتعلم والتجارب السابقة للفرد، ونقطة القرار الثانية -قرار الحدث- تتأثر بشدة بالعوامل الظرفية، ومع ذلك فإنّ المواقف لا ينظر إليها بنفس الطريقة من قبل جميع الناس، بل بدلاً من ذلك ينظر إليها الشخص من منظور الخبرة السابقة ويقيمها باستخدام قدراته في معالجة المعلومات.

في بعض الأحيان تكون المعلومات المستخدمة في اتخاذ القرارات غير دقيقة حيث يتم تشويش الحكم من خلال التغييرات الظرفية أو المخدرات أو الكحول، وعلى الرغم من أنّ هذا النموذج يصف المشاركة وقرارات الحدث كخيارين منفصلين، إلّا أنّه في الواقع قد يحدث الاثنان في وقت واحد تقريبًا، وبمرور الوقت يستمر تشكيل قرار المشاركة من خلال التجربة، ويمكن أن يؤدي التعزيز الإيجابي من الأحداث الإجرامية إلى زيادة وتيرة الجرائم، وقد تتغير الظروف الشخصية للفرد لتعكس بشكل أكبر استعداده أو استعداده لارتكاب جريمة.

على سبيل المثال أشار كلارك وكورنيش إلى الاحتراف المتزايد في الجرائم والتغييرات في نمط الحياة، والتغييرات في شبكة الأقران والمعاونين باعتبارها ظروفًا شخصية تتغير بمرور الوقت لتقوية قرار المشاركة المستمرة للفرد، وعلى العكس من ذلك قد يختار الجاني الكف عن الرد على إعادة تقييم بدائل الجريمة، ويمكن أن يتأثر هذا القرار بتجربة كره أثناء حدث إجرامي أو تغيير في الظروف الشخصية للفرد أو تغييرات في سياق الفرصة الأكبر، ويمكن اعتبار كل من المشاركة وقرارات الحدث عقلانية من حيث أنّها تتشكل من خلال الجهد والمخاطر والمكافآت والأعذار المرتبطة بالسلوك.

منع الجريمة الظرفية

يرتكز منع الجريمة الظرفية في منظور الاختيار العقلاني من حيث أنّه يتلاعب بعنصر أو أكثر لتغيير فرص الجريمة، وبالتالي تغيير عملية صنع القرار للمجرمين المحتملين، ومن حيث نظرية الأنشطة الروتينية يمكن النظر إلى منع الجريمة الظرفية على أنّه الآليات التي من خلالها يثبط المتحكمون (أي الأوصياء ومديرو الأماكن والمعاملون) الجريمة، وعلى مدى العقود القليلة الماضية استخدم الباحثون والممارسون في مجال العدالة الجنائية على حد سواء تقنيات منع الجريمة الظرفية، وذلك لفهم مشاكل الجريمة وتطوير التدخلات وتقييم فعالية تلك التدخلات.

تم تصميم منع الجريمة الظرفية لمعالجة أشكال محددة للغاية من الجريمة من خلال التلاعب المنتظم بالبيئة المباشرة أو إدارتها بطريقة دائمة قدر الإمكان، بهدف الحد من فرص الجريمة كما يراها مجموعة واسعة من المجرمين، وتركز تقنيات منع الجريمة الظرفية على التغيير الفعال لهياكل الفرص لجريمة معينة من خلال زيادة الجهود وزيادة المخاطر وتقليل المكافآت وتقليل الاستفزازات وإزالة الأعذار، وفي ظاهرها تعمل تقنيات منع الجريمة الظرفية على تغيير قرار الحدث عن طريق تغيير تصورات الجاني لفرصة إجرامية محددة.

ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ تجربة الجاني خلال حدث إجرامي تؤثر بشكل مباشر على قراره المستمر بالتورط بمرور الوقت، ولا تمنع الفرص المحجوبة وقوع حدث إجرامي وشيك فحسب بل قد تدفع الجاني أيضًا نحو التخلي عن الجريمة.

النزوح ونشر المنافع في الفرص الإجرامية

أحد الشواغل المشتركة عند تنفيذ الفرص التي تعيق استراتيجيات منع الجريمة هو أنّ الجريمة سوف يتم استبدالها ببساطة، وبعبارة أخرى، فإنّ حدثًا جريمة معينًا يبدو أنّه تم منعه ينتقل حتمًا إلى وقت أو مكان و أو ضحية أخرى، وتقدم نظريات الجريمة المختلفة تنبؤات مختلفة حول احتمالية النزوح استجابةً للفرص الإجرامية المحظورة، وتشير النظريات الإجرامية التقليدية للمجرمين إلى أنّ النزوح أمر لا مفر منه عندما يتم حظر فرصة ارتكاب الجريمة.

يتوافق هذا التوقع مع الافتراضات القائلة بأنّ: أولًا الجناة هم فقط لأنّ ثانيًا فرص الجريمة لا حصر لها ومنتشرة بالتساوي عبر الزمان والمكان والأشخاص، وتشير هذه النظريات إلى أنّ المجرمين المتحمسين سوف يتأقلمون وينتقلون ببساطة إلى فرصة أخرى متاحة، وعلى العكس من ذلك تشير نظريات الفرصة مثل نظرية الأنشطة الروتينية إلى أنّ الإزاحة ممكنة ولكن فقط إلى الحد الذي تكون فيه الفرص الإجرامية الأخرى المتاحة لها مكافآت مماثلة دون زيادة التكاليف التي يتحملها الجاني.

يتوافق هذا التوقع مع تركيز نظرية الأنشطة الروتينية على الفرصة، ولا يُفترض أن تكون الفرص غير محدودة ومرضية بنفس القدر للجاني، وبالتالي فإنّ احتمال النزوح مرتبط بالتكاليف والفوائد النسبية لفرص الجريمة البديلة، وإذا كان الجاني غير مدرك لفرص الجريمة البديلة أو كانت هذه البدائل غير جذابة للغاية (أي أنّها صعبة أو محفوفة بالمخاطر أو أقل فائدة) فإنّ النزوح غير محتمل.

هناك تكيف مجرم آخر محتمل مع استراتيجيات منع الجريمة، وقد لا يحدث النزوح فحسب بل من الممكن أيضًا أن تمتد المكاسب من الاستراتيجية إلى ما هو أبعد من تلك الجرائم التي استهدفتها الاستراتيجية بشكل مباشر، وأحد تفسيرات انتشار الفوائد هذا هو أنّ الجناة غير متأكدين من النطاق الفعلي لاستراتيجية معينة، ويمتنعون عن الإساءة في مواقف خارج نطاق الاستراتيجية.

تتنبأ نظريات الفرصة مثل نظرية الأنشطة الروتينية بأنّه قد يكون هناك انتشار للفوائد استجابةً لإعاقة الفرصة إذا كانت هناك جرائم أخرى تشترك في هياكل الفرصة المماثلة مع تلك الجرائم التي تستهدفها الاستراتيجية، وعلى العكس من ذلك لا يمكن أن تفسر نظريات الإجرام القائمة على التصرف بشكل عام انتشار الفوائد.

كرس علماء الإجرام البيئي اهتمامًا كبيرًا لقضية النزوح وأنتجوا مجموعة من الأبحاث حول النزوح تشير إلى أنّ النزوح ليس حتميًا كما أنّه لا يكتمل عند حدوثه، وعلاوة على ذلك هناك أدلة تشير إلى أنّه يوجد في بعض الأحيان انتشار للفوائد استجابة لاستراتيجيات منع الجريمة، واستعرض هسيلينج 55 مقالاً وتقريراً منشوراً يشير إلى أنّ النزوح لا يبدو حتمياً، وعندما يحدث فإنّه يميل إلى أن يكون محدودًا.

ومن بين 55 دراسة استعرضها هسيلينج لم تجد 22 دراسة أي علامة على النزوح، وأبلغت ست من هذه الدراسات عن نشر بعض الفوائد للجرائم بخلاف تلك المستهدفة بشكل مباشر، ومن بين 33 دراسة أبلغت عن النزوح لم تجد أي دراسة إزاحة كاملة، ويعكس النزوح الذي حدث بشكل عام تحولًا في الوقت أو المكان أو الهدف أو التكتيك لدى الجاني.


شارك المقالة: