قراءات في التراث الخلدوني في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


قراءات في التراث الخلدوني في علم الاجتماع:

هناك سلسلة من القراءات المتنوعة والمتفاوتة والمتعارضة، التي انصبت حول التراث الخلدوني، إذ يمكن عن قراءة استشراقيه، وقراءة استعمارية كولونيالية، وقراءة عنصرية، وقراءة أمازيغية، وقراءة علمانية، وقراءة تاريخية، وقراءة عربية وغيرها من القراءات.

هذا وقد وصف الباحثون والدارسون العرب والأجانب العلامة ابن خلدون، تصنيفات تأويلية كثيرة إلى مستوى التحريف والتزييف والادعاء، لذلك وجدنا وجوهاً وأشكالاً كثيرة لابن خلدون، فهناك ابن خلدون المادي الماركسي، سفيتلانا باتسييفا، وإيف لاكوست، ومهدي عامل، وابن خلدون العلماني، ساطع الحصري، وابن خلدون الرجعي علي عبد الرازق جلبي، وابن خلدون العنصري والقومي ظاهر الحميري.

ونشير هنا إلى أن الباحث الجزائري محمد أحمد الزعبي يقرب ابن خلدون من التيار الماركسي المادي بقوله: إن بعضاً من أقوال ابن خلدون تنطوي بالفعل على بذور المقصود المادي للتاريخ، ولكن مثل هذه الأقوال لا يمكن ولا يجب تجزئتها عن سياقها المعرفي العام، ومن زاوية هذا السياق، فإنه لا يمكن توأمة ولا حتى مقارنة ابن خلدون بماركس أو العكس.

ذلك أنه لكل منهما إشكاليته النظرية والسياسية المنفردة، المتصلة بشكل أساسي بمحيطه التاريخي الإقطاعي، أو حسب البعض طريقة الإنتاج الآسيوي، بالنسبة لابن خلدون، والرأسمالية بالنسبة لماركس، ولكن يبقى المسيرة مفتوحةً أمام قدرات أن يكوّن ابن خلدون سلفاً بعيداً لهيجل وماركس، فيما يتعلق بالمادية الجدلية، وتحضرني الرسالة التي بعث بها مكسيم غوركي إلى المفكر الروسي ف.أ.أنوتشين والتي يقول فيها، إنك تطلعنا بأن ابن خلدون في القرن الرابع عشر كان أول من بيّن دور العوامل الاقتصادية وعلاقات الإنتاج، إن هذا الاطلاع قد أحدث وقع خبر مهم، حيث اعتنى به صديق الطرفين يقصد لينين اعتناءً خاصاً.

وهذا الحديث ذاته نجده عند أحمد ماضي، وإن كنت أتردد في اعتبار ابن خلدون شبه رائد للمادية التاريخية، إلا أنني لا أتردد في الحديث بأنه وضع مقدمات الانتقال إليها، ولا يساورني أقل تخمين في أن المقدمة تتضمن مدخلاً عربياً، لإدراك المادية التاريخية وما أستخلصه من ذلك هو أن التفكير التاريخي ليس مختصراً على شعب دون آخر ولا عقل دون آخر.

وهكذا نخلص إلى مفكرنا العربي، أنه لعب دوراً في وضع مقدمات محددة تتضمن مقدماً عربياً إلى المادية التاريخية، ومهما تحدثوا عن ابن خلدون فلا بدّ إنشاء أدلة صادقة لا يرقى إليها التوهم والتخمين، وأنه يعتبر رائداً للاتجاه المادي في علم الاجتماع ومقدماته.


شارك المقالة: