قضايا أساسية حول فهم المشكلات الاجتماعية في علم الاجتماع:
على الرغم أننا لا نعالج مشكلات اجتماعية محددة كالجريمة أو البطالة أو التوتر العنصري أو الصراع الطبقي، إلا أنه يمكن لنا أن نحدد أهم المبادئ التي يمكن لنا في ضوئها فهم ودراسة المشكلات الاجتماعية ونوجزها في ما يلي:
1- مبدأ العملية المتعددة:
يندر إن لم يكن مستحيلاً أن يكون للمشكلة الاجتماعية سبب واحد، فأي مشكلة مهما كانت بسيطة تتظافر في ظهورها مجموعة متعددة من العوامل، ويضرب لنا كيوبر مثلاً بكثرة نسبة حوادث السيارات التي تزيد عن 000، 50 حالة وفاة غير الإصابات في الولايات المتحدة، فهذه المشكلة قد ترجع إلى سوء الطرق والسرعة العالية وعدم إتقان القيادة، وعدم اتباع المارة أصول المرور، وتبادل قادة السيارات مواد مسكرة أو مخدرة، ووجود خلل في السيارات، والاضطراب في قوانين المرور، وعدم كفاية جهاز الشرطة.
وفي نفس الشيء يمكن أن نفعله عندما نتناول مشكلة الأحداث المنحرفين أو تفكك الأسرة، وهذا يستوجب الأخذ بمبدأ العلية متعددة العوامل عند تحليل ومواجهة المشكلات غير أنه بناء خطة واقعية تضطر إلى التركيز على عوامل بعينها، ويجب أن تكون هذه العوامل الرئيسية، وذلك ﻷسباب مالية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.
2- قد تكون أسباب المشكلات أو العوامل التي تقف ورائها غير معروفة أو يصعب ضبطها أو التحكم فيها:
ويتجه الفكر الحديث إلى عدم استخدام كلمة سبب عن معالجة المشكلات أو الظواهر الاجتماعية، ويتجه الآن إلى الأخذ بفكرة العوامل التي ترتبط بالظاهرة، ويخطئ من يحاول التفكير في المشكلات الاجتماعية، كما يفعل الرجل العامي، في ضوء فكرة السبب والنتيجة، فما قد نعتبره سبباً قد يكون نتيجة، فتفكك الأسرة قد يكون سبباً للطلاق وقد يكون نتيجة له، كما أن مشكلات الأسرة قد تكون أحد أسباب الإدمان كما أنها قد تكون نتيجة له.
وهنا سوف نقع في سلسلة طويلة من الأسباب والنتائج، ومن الأسلم أن نبحث إحصائياً عن العوامل التي ترتبط بالمشكلة موضع الدراسة، يضاف إلى هذا أن معرفتنا بالعوامل أو الأسباب لا يعني القدرة على التحكم فيها تماماً، فلكل عامل عدة نتائج قد يكون بعضها مرغوباً فيه والبعض الآخر ليس كذلك.
3- قد تسهم محاولات مواجهة المشكلة في خلق مشكلات أخرى لا تقل خطورة عن المشكلة الأصلية:
ويضرب لنا كيوبر مثلاً على ذلك بتجربة تحريم المسكرات والمخدرات في أمريكا بعد الحرب العالمية الأولى، فعلى الرغم من أهميتها إلا أنها أفسحت الطريق إلى ظهور جماعات منظمة تمارس السلوك الإجرامي وتعتدي على القانون، ونفس الشيء بالنسبة لمواجهة ممارسات البغاء المنظم قانوناً في بعض الدول، بالاكتفاء بإغلاق بيوت البغاء فقد أدى هذا إلى ظهور العديد من الأساليب الأخطر في الممارسات الإجرامية.
4- ربما يكون الحل أو علاج المشكلة على حساب قيم أخرى ذات أهمية كبرى داخل المجتمع:
ويضرب لنا كيوبر مثالاً على ذلك بالاقتراح الذي ظهر في أمريكا للقضاء على المعدلات المرتفعة لحوادث السيارات، وهو تزويد كل سيارة بجهاز يقيد الحد الأعلى للسرعة بخمسة وأربعين ميلاً في الساعة، فهذا الاقتراح رغم أنه قد يخفض بالفعل من السرعة التي تسهم في وقوع أغلب الحوادث، إلا أن هذا الحل سوف يكون على حساب العديد من القيم الهامة.
5- ترتبط المشكلات ارتباط كبير بالتغيرات الاجتماعية داخل المجتمع:
ويذهب الكثير من الباحثين إلى أغلب المشكلات الكبرى تنجم عن التغيرات التي تلحق بنظم المجتمع وثقافته، وخاصة إذا كانت هذه التغيرات لا تنمي بشكل متوازن بين الجانب المادي والجانب اللامادي من الثقافة، وعلى الرغم من صحة هذا القول إلا أن هناك جانباً عكسياً للمسألة.
فقد تسهم المشكلات الاجتماعية ذاتها في ظهور تغيرات اجتماعية وثقافية، فالمجتمعات الحديثة تحاول مواجهة مشكلاتها الاجتماعية، وهذه المحاولة ذاتها من شأنها استشارة مجموعة متتابعة من التغيرات، تتكامل عضوياً مع الثقافة القائمة لتكون جزءاً من بناء المجتمع، ويمكننا أن نضرب مثلاً على هذا بمشروعات مواجهة تزايد السكان أو تشديد العقوبات على كافة ألوان السلوك الانحرافي.
6- لا تؤثر المشكلات بشكل واحد أو بنفس القدر على كافة قطاعات المجتمع:
فقد تكون هناك مشكلات خاصة بقطاعات أو جماعات أو فئات دون غيرها من فئات المجتمع، مثال هذا مشكلة البطالة التي تهدد طبقة العمال دون أصحاب الأعمال ومثل مشكلات المطلقات أو الأرامل أو ذوي العاهات أو أصحاب المصالح الخاصة كمدرس مرحلة معينة أو أطباء الريف، بل أن ما يعد مشكلة كبرى لفئة أخرى فانخفاض أسعار الحاصلات الزراعية يشكل مشكلة لطائفة المزارعين كجماعة من جماعات الدخل، في حين أن هذا الانخفاض يمثل ميزة ﻷهل المدن أو مستهلكي المنتجات الزراعية.